١٩.٠٢.٢٠٢٤

"كعكتي المفضلة"  2 د هل الحب والسعادة متاحان للجميع؟

ليلي فرهادبور في دور الأرملة ماهين في فيلم Keyke mahboobe man (باللغة العربية الكعكة المفضلة ).
ليلي فرهادبور في دور الأرملة ماهين في فيلم Keyke mahboobe man (باللغة العربية الكعكة المفضلة ). ©حامد جانيبور

في المؤتمر الصحفي الخاص بالفيلم الإيراني "كعكتي المفضلة" المشارك في المسابقة الدولية لبرليناله 74، جلس بطلا الفيلم ليلي فرحادبور وإسماعيل محرابي بجوار مقعدين فارغين، وُضعت أمامهما صورة لثنائي الإخراج والكتابة مريم مقدم وبهتاش صناعيها، اللذان لم يتمكنا من حضور العرض العالمي الأول لفيلمهما بعدما سحبت السلطات الإيرانية جوازيّ سفرهما ليُمنعا من حضور المهرجان، فيقرر المهرجان إبقاء مقعديهما خاليين كلفتة تضامنية صارت معتادة مع المخرجين الإيرانيين. 

الفيلم يضم قائمة من الممنوعات التي أثارت حفيظة السلطات ضد المخرجين: امرأة بدون حجاب، ترقص وتشرب النبيذ، وتهاجم الشرطة الدينية، باختصار كل الأسباب التي تجعل من الممكن لمن يريد أن يصنفه كفيلم معارض للنظام الإيراني، وهو كذلك في أحد مستوياته، لكن الحقيقة أن جوهر "كعكتي المفضلة" يتعلق بما هو أعمّ من الحس المحلي، بحق الإنسان في السعي للحب والسعادة مهما بلغ عمره. 

ماهين امرأة في السبعين من عمرها، تعيش وحدها بعد وفاة زوجها قبل 30 سنة وهجرة أبناءها للخارج، تعاني الوحدة والملل والصلات المتقطعة سواء بالأبناء أو بالصديقات في عمرها. تلتقي بالصديقات في جلسة من النميمة والمزاح المحبب، جلسة نعرف أنها لا تتكرر كثيرًا بسبب تباعد الأماكن واعتلال الصحة، لكننا ندرك خلالها أيضًا مما توق إليه هؤلاء النسوة: إلى الدفء الإنساني، إلى المحبة والتقارب والشعور بأن الحياة لا يزال فيها أشياء أخرى بخلاف انتظار الموت. 
 

في أغلب دول العالم ستكون مشكلة ماهين هي تجاوز شعورها بتقدم العمر ثم أن تجد رجلًا مناسبًا تقع في حبه، أما في إيران، أو للدقة في أي مجتمع محافظ تحكمه قواعد صارمة تُقيّد حياة النساء عمومًا وتضعهن داخل قوالب مفترضة، كل امرأة حسب عمرها وحالتها الاجتماعية، يصير الأمر أقرب لمهمة ثورية تحتاج فيها بطلتنا لكثير من الشجاعة والتهور لتقرر أن تخرج إلى الشارع باحثة عن حبيب مناسب. 

من المخبز إلى الحديقة إلى مطعم المعاشات، تتنقل المرأة خفيفة الظل باحثة عن فرصة للحب، حتى تجد ضالتها في فارامارز، سائق سيارة أجرة عجوز ووحيد، تنطلق العلاقة بينهما من تخطيط أنثوي لم يفهمه الرجل، إلى لعبة محببة يندفع فيها بنزق طفولي، إلى تصاعد بالغ العذوبة يجمع بين شعورنا بالامتنان لتمكن البطلين من ملامسة السعادة والحب بعد أعوام من الوحدة الخانقة، وبين يقيننا بأن هذه السعادة يستحيل أن تستمر طويلًا. 

ففي بلاد يراقب فيه الجيران بعضهم البعض بحثًا عن أقرب فرصة للتدخل في شئون الغير، ويُفكر فيها الكل في هوية زوّار كل من حوله، وتسير فيه الشرطة في الحدائق لتقبض على فتاة بتهمة ظهور خصلة من شعرها للعلن، في بلاد كهذه يصير الحب امتيازًا غير متاح للجميع، يحتاج اشتراطات خاصة يتساءل الفيلم هما كان بإمكان ماهين وفارامارز بلوغها. 

بنبرة تجمع خفة الظل بالرومانسية بترقب الكارثة، يسير فيلم "كعكتي المفضلة" ليقدم لنا أحد أكثر أفلام برليناله 74 عذوبة، فيلم يمكن فهمه والتفاعل معه في أي مكان في العالم، وتزيد قابليته للتأثير إذا ما كنت تنتمي لأحد الأماكن التي يعاني فيها الباحثون عن الحب أكثر من غيرهم.