تونس

٠١.٠٣.٢٠٢٤

"ماء العين"  2 د عائلة تواجه عودة ابن تعتقد أنها فقدته بسبب التطرف

مشهد من فيلم "ماء العين" للمخرجة مريم جبور
مشهد من فيلم "ماء العين" للمخرجة مريم جبور ©Tanit Films, Midi La Nuit, Instinct Bleu

في رحلة تعبيرية عن جروح النفس وعلاقات الأسرة المتشابكة، يأخذنا فيلم "ماء العين" في قصة مؤثرة تنقل صراع العودة من الغياب، متمركزًا حول شاب يعود إلى قريته بعد محاولة الانضمام لجماعة متطرفة، مصطحبًا زوجته الغامضة. يستكشف العمل الفني ديناميكيات الأبوة، الأمومة، والعلاقات الإنسانية، في إطار درامي يلامس الخيال. قام مدون برليناله أحمد شوقي بمراجعة الفيلم لمجلة "رؤية".

على مدار عقدين أو أكثر تخصص صناع السينما اللبنانيون في تقديم أفلام عن الحرب الأهلية، بمعالجات وأشكال فنية متفاوتة. أما خلال السنوات الأخيرة فقد بدأت علاقة مشابهة في الظهور، تجمع صناع السينما التونسيين مع قضية هجرة بني بلدهم للالتحاق بالتنظيمات الجهادية المسلحة. من الذاكرة استعيد "زهرة حلب" لرضا الباهي، "ولدي" لمحمد بن عطية، "بنات ألفة" لكوثر بن هنية، وأخيرًا "ماء العين" لمريم جعبر، والذي عُرض ضمن المسابقة الدولية لبرليناله 2024. 

يثير الأمر التساؤلات حول قدر أهمية هذه القضية في الوعي الجمعي للفنانين في تونس، فإذا كان من المفهوم أن الحرب الأهلية الطويلة أثرت على كل إنسان في لبنان، وتركت داخله جروحًا يمكن زيارتها فنيًا، فهل قدر تأثير انضمام الشباب التونسي -وأغلبه من المدن الصغيرة والمناطق المهمشة- إلى التنظيمات الجهادية يحمل نفس التأثير في حياة مجتمع فني يعيش في ظروف ثقافية واجتماعية مختلفة؟ أم أنه مجرد موضوع مُغري يسهل تمويل أفلام تدور عنه وإيجاد منصات دولية تهتم بعرضها؟ 
 
الأكيد في حالة المخرجة مريم جعبر أن الموضوع يشغلها من سنوات، وتحديدًا منذ أخرجت فيلمها القصير "إخوان" عام 2019، والذي نال نجاحًا دوليًا وصل للترشح لجائزة الأوسكار، مما دفعها لتطويره في معالجة أعمق كانت تحمل في البداية اسم "أخوات" قبل أن يتغير العنوان لاحقًا إلى "ماء العين". 
بعد سنوات من رحيله مع شقيقه بهدف الانضمام إلى تنظيم داعش في سوريا، يعود مهدي إلى قريته الصغيرة في شمال تونس، مصطحبًا زوجة شابة، غامضة، يُخفي النقاب وجهها فلا نكاد نرى طوال الفيلم سوى عينيها المُعبّرة، ليختبئ في منزل أمه عائشة ووالده إبراهيم اللذين كانا قد بدءا في التعايش مع تربية ابن وحيد بعدما ظنّا أن ابنيهما الأكبر رحلا دون عودة. 

موضوع الفيلم الرئيسي يوحي بدراما حول اختباء الابن العائد، بينما سعت مريم جعبر للخروج من جفاف الموضوع الواقعي لملامسة حدود الخيال، وذلك عبر محاولة استكشاف غير الملموس في علاقات مثل الأبوّة/ الأمومة/ الأخوّة/ الزواج. هذه علاقات كثيفة بطبعها، تحتمل الكثير من المشاعر المتناقضة في صورتها الطبيعية، فما بالك عندما تقترن بحدث مزلزل كفرار الأبناء بهدف الانضمام لجماعة تقطع الرؤوس باسم الدين؟ كما يُكرر الأب الغاضب خلال حديثه مع زوجته. 
 
تتخذ جعبر مع مدير التصوير فينسان جونفيي قرارًا بالاعتماد المستمر على اللقطات الكبيرة، التي تُظهر أدق تفاصيل بشرة وتجاعيد وجوه الشخصيات، مما يساهم في خلق الحالة فوق الواقعية التي يأخذنا إليها الفيلم. يحاول "ماء العين" أن يحملنا إلى داخل نفوس بشر يعانون جروحًا تجعلهم يخوضون جدلًا دائمًا مع الذات. 
 
الشعور بالذنب، أو الندم، أو التقصير. الإحباط المتبادل بين الآباء والأبناء، كلها أمور تحاول المخرجة أن تخوض غمارها من خلال فيلم يمتلك تجربة بصرية خاصة، حمته ربما من الإبهام المسيطر على مسار حبكته، ومن زمن العرض الذي يبدو أطول قليلًا مما تحتاجه الحكاية. 
 
هل نجح "ماء العين" في تحقيق أهدافه؟ تقديري إنه نجح جزئيًا، مُثبتًا موهبة مريم جعبر التي أظهرها فيلمها القصير، والتي تحتاج المزيد من الأفلام حتى يمكننا القول بأن الموهبة تم توظيفها على النحو الأكمل، ربما عبر استكشاف موضوعات أخرى أكثر طزاجة.