اشتهرت منطقة تازناخت الواقعة في إقليم ورزازات جنوب شرق المغرب، بإنتاج الزربية الواوزكيتية نسبة إلى قبائل "أيت واوزكيت"، وهي قبائل أمازيغية استوطنت السفوح الجنوبية لجبال الأطلس الكبير. وخلال التجول في المركز الحضري لمدينة "تازناخت" يُلاحظ الزائر انتشارا لمراكز جمعيات وتعاونيات نسج الزرابي، كما تبدع النساء في تأتيت البيوت بأجمل ما أبدعته أناملهن من الزرابي.
تتوفر المنطقة على حوالي 22 ألف من النساء النساجات وتحتل موقعا رياديا ومرجعيا لإنتاج الزربية بشمال إفريقيا، ويُعد هذا المنتوج تراثا وكنزا وطنيا في بعده التاريخي، الثقافي والفني، مما منحها مكانة متميزة بالأسواق الوطنية والدولية ونالت شهرة ذائعة الصيت. وساهمت صناعة الزربية الواوزكيتية في تأمين مدخول مادي للأسر، وتحقيق رواج في الاقتصاد الاجتماعي بالمنطقة، والرقي الاجتماعي للنساجات وإدماجهن في التنمية المستدامة.زرابي صديقة للبيئة
تعد صناعة الزرابي في منطقة تازناخت من الحرف التقليدية الصديقة للبيئة، حيث انخرطت النساجات والتعاونيات النسوية في صنع المنتوجات والأكياس من الصوف أو القماش أو إعادة تدوير الملابس المستعملة، لتكون بديلا عن الأكياس البلاستيكية بعد إصدار وتبني الحكومة المغربية منذ سنة 2015 القانون رقم 15 -77 القاضي بمنع صنع الأكياس من مادة البلاستيك واستيرادها وتصديرها وتسويقها واستعمالها. وشهدت هذه المنتوجات الصديقة للبيئة والبديلة عن الأكياس البلاستيكية إقبالا متزايدا في الطلب عليها.كما تعتمد النساجات على المواد الأولية للبيئة المحلية، مثل صوف منطقة سيروا الذي يتميز بجودته العالية، وتتزود به النساجات من الرحل الذين يمارسون رعي الأغنام في جبال سروا وهي جزء من سلسلة جبال الأطلس. ولصباغة الصوف تستعمل النساجات الأعشاب التي يتم جلبها من جبال المنطقة، ودون استعمال المواد الكيماوية مما يمنح الزربية الواوكيتية جودة وإقبالا على اقتنائها من طرف الزبناء.
الزربية، مصدر للدخل ورافعة للتنمية المستدامة
في رواق داخل معرض منظم في إطار فعاليات مهرجان الزربية الواوزكيتية، نساء نساجات بلباس محلي تقليدي أمازيغي يرددن الأشعار والأغاني الأمازيغية والأذكار، وهن منهمكات في غزل الصوف ونسج الزربية محاكاة لمراحل صنع الزربية، احتفاء بموروث يشكل جزءا من هوية المنطقة.السيدة "يجة" في الأربعينات من عمرها، تقول أن مراحل نسج الزربية ترافقها ممارسات وطقوس وهي عادات متوارثة. لم يسبق لها دخول المدرسة ولا تعرف لا القراءة ولا والكتابة، علمتها والدتها نسج الزرابي.
وهي المهنة الوحيدة التي تتقنها بفخر واعتزاز، وبعد زواجها لقنتها لبناتها، تفتخر يجة بنسج الزرابي غير أنها تتحسر لتراجع ثمن بيع الزرابي مقابل ارتفاع تكلفة الإنتاج وغلاء المواد الأولية والركود التي تشهده عملية البيع أحيانا.
تنوعت قصص نساجات الزرابي الرائدات ،فالعديد منهن نجحن في تخطي قيود المجتمع التقليدي وعاداته، وأبدعن في مجالهن وكذلك في المجالين الجمعوي والسياسي، ومن أبرز الرائدات في هذا المجال، صفية مينوطراس، اهتمت بنسج الزرابي منذ سن الطفولة المبكرة مثل أغلب النساجات في منطقة تازناخت، كانت أولى خطواتها في العمل الجمعوي المشاركة في تأسيس "جمعية دار الأمومة" منذ حوالي عشرين سنة ،وهي جمعية تهتم بشؤون المرأة وتنظيم حملات تحسيسية وجولات رفقة عضوات الجمعية في مختلف المداشر النائية ، حيث أغلب النساء يتكلمن فقط اللغة الأمازيغية وتنتشر نسبة كبيرة من الأمية في هذه المناطق.
وتعمل تحسيسهن وتوعيتهن للوقاية من الأمراض وتحسين ظروف الولادة، وبفضل إتقانها للغة الأمازيغية ومعرفتها وخبرتها الدقيقة بأوضاع نساء المنطقة، تمتلك صفية قدرات تواصلية هائلة للتأثير على النساء وإقناعهن لتغيير بعض السلوكات، مثل أهمية زيارة الطبيب ومراقبة الحمل ،فيما تشتكي النساء من الفقر وقلة الإمكانيات إضافة إلى طبيعة المجتمع الذي تهيمن عليه العقلية الذكورية، تقترح عليهن صفية ضرورة ادخار أقساط من عائدات بيع الزرابي لتغطية مصاريف العلاج وتمدرس الأطفال، ورغم مجهودات النساء وقضاء وقت طويل لصنع زرابي ذات جودة عالية، فإنهن لايستفدن من عائداتهن، حيث يتكلف الزوج أو الأب ببيع المنتوج في السوق الذي يسيطر عليه الوسطاء ويتفقون على تحديد الحد الأدنى للسعر الذي لايتناسب مع قيمة منتوج الزربية ومجهودات النساجات وتبدأ النساء في التفكير في كيفية تجاوز إكراهات التسويق.
نشاط صفية مينوطراس في العمل الجمعوي منحها فرصة التعرف ونسج علاقات مع العديد من المؤسسات والهيئات، توفر لهم طلباتهم من الزرابي التي يقدمونها كهدايا في المناسبات والاحتفالات وفق مواصفات مطلوبة مثل كتابة أسماء شخصيات أو مؤسسات وشركات وذات أشكال وديكورات معينة.
من خلال التحسيس في دار الأمومة فكرت أيضا في تطوير نشاطها بإحداث تعاونية لصناعة الزربية الواوزكيتية في جماعة إزناكن.
تعتبر النساجون عاملاً أساسيًا في التنمية المستدامة في المنطقة
تساهم النساء من خلال عائدات الزرابي بقسط وافر في مصاريف البيت ومساعدة زوجها، وتدفع مصاريف شراء اللوازم الدراسية لأبنائها ورسوم النقل المدرسي.تمكنت تعاونية إزناكن للزربية الوزاوزكيتية التي تترأسها صفية مينوطراس من خلال استراتيجية جديدة من ربط علاقات مع مراكز تجارية وطنية ودولية والتعرف على زبناء دائمين. وتجاوزت إكراهات التسويق وسيطرة الوسطاء على السوق. كما يشاركن في معارض في المنطقة وفي مختلف المدن المغربية وبعض المعارض الدولية. وهي تجربة فريدة وأولية تعمل العديد من النسجات وتعاونيات المنطقة على الاقتداء بها.
استطاعات النساجات وتعاونيات نسج الزرابي أن تبرز أهميتها كإحدى دعائم التنمية المستدامة للمنطقة ودورها الفعال في التطور والنمو الاقتصادي والاجتماعي، وأكدت صفية منوطراس التي تشغل أيضا، عضو غرفة الصناعة التقليدية بجهة درعة تافيلالت أن صناعة الزرابي تساهم في تشغيل أكثر من 20ألف من النساء النساجات لتحتل بذلك موقعا رياديا ومرجعيا لإنتاج الزربية بشمال إفريقيا.
ويتميز هذا النشاط الاقتصادي بقلة تكاليف بداية الإنتاج ،حيث يعتمد على مهارات نساء وفتيات الأسرة والمواد الأولية المحلية والاعتماد أيضا على قيم التعاون بين نساء القرية ثم تتطور هذه التجارب الأصيلة إلى إنشاء تعاونيات واعتماد آليات تسويق وتدبير حديثة، وتلعب عائدات الزرابي دورا أساسيا في الإنفاق على تمدرس الأبناء وتطبيب أفراد الأسرة وتوفير متطلبات عيشها، إضافة إلى تلبية طلبات المجتمع والمحيط وذلك بإحداث مشاريع تنموية ،ولعبت المرأة دورا بارزا فاعلا في النشاط الاقتصادي والاجتماعي وفي صنع القرار السياسي ،مما جعل صناعة الزرابي عاملا أساسيا في التنمية المستدامة للمنطقة.
ريادة في تدبير الشأن العام
في سنة 2009 كانت أول مشاركة نسائية واسعة للترشح في الانتخابات الجماعية في المغرب، وخصصت الأحزاب السياسية "كوطا" للنساء لضمان تحقيق نسبة 12 % من المقاعد انسجاما مع توجهات الدولة في إدماج النساء في المجال السياسي، والرغبة في الرفع من مستوى تواجدهن في المجالس المنتخبة.مما جعل كل الأحزاب السياسية تبحث عن نساء رائدات في المجتمع لترشيحهن ضمن اللوائح الانتخابية لنيل ثقة الناخبين، وفي هذا السياق ولجت صفية مينوطراس المجال السياسي كأول تجربة سياسية مستفيدة من رصيدها في العمل الجمعوي وفازت بعضوية المجلس البلدي لـ „تازناخت" في الانتخابات الجماعية. ثم لاحقا ترشحت خارج اللائحة النسائية المخصصة "للكوطا" النسائية في الاقتراع الفردي وتنافست مع مرشحين آخرين، وفازت في انتخابات الغرف المهنية مرتين بعضوية غرفة الصناعة التقليدية لجهة درعة تافيلالت سنتى 2015و2021 وانتخبت أيضا عضوا في مجلس جماعة إزناكن في انتخابات 2021.
ترى صفية مينوطراس أنه رغم تطور دور المرأة في المنطقة وخروجها من فضاء المنزل وربط علاقات مع أشخاص ومؤسسات والمساهمة في تدبير الشأن العام، مازالت الثقافة الذكورية سائدة في المنطقة، وتفتقد المرأة للاستقلالية في اتخاذ قرارها، وتعاني من التبعية للأب أو الزوج أو الأخ في اختيار من تمنحه صوتها في الانتخابات أو التصرف في مداخيل الزرابي التي تكبدت عناء كبيرا في نسجها، وأكدت صفية مينوطراس أن المرأة تعترضها تحديات وإكراهات كثيرة لمواجهة الثقافة الذكورية. وعليها بذل مجهودات مضاعفة لإبراز قدراتها والتميز والترافع بقوة لتحظى أكثر بثقة المجتمع.
وأشارت صفية مينوطراس من خلال تجربتها أن الرجال والشباب أكثر دعما لها في حملاتها الانتخابية وداخل المجالس الجماعية والغرف المهنية، إضافة لفئة من النساء اللواتي تمكن من إمتلاك قرار مستقل، بعدما اكتسبن وعيا بأهمية مساهمة المرأة وفاعليتها في المجال السياسي وبكفاءاتها وقدراتها.
كما أكدت" صفية " أن صناعة الزرابي ساهمت بشكل كبير في تحقيق التنمية وبداية تشكل الوعي لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في المنطقة، كما لها فضل كبير في الريادة وتألق المرأة الواوزكيتية الأمازيغية.
مبادرات حكومية لدعم نساجات الزرابي
في جواب كتابي لوزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني ،فاطمة الزهراء عمور بتاريخ 17فبراير 2023 ردا عن سؤال للنائب البرلماني الحسين البوحسيني، في موضوع "إستراتيجية الحكومة المغربية لدعم النساء النساجات والصناع التقليديين بإقليم ورزازات"، أكدت الوزيرة أن إقليم ورزازات يحظى باهتمام خاص ضمن البرامج التنموية للوزارة، التي ترمي إلى إعادة تأهيل قطاع الصناعة التقليدية ،وإبراز مكانته كمحرك للتنمية المستدامة ومجال للتشغيل بامتياز خاصة بالنسبة لفرع النسيج الذي يشكل أهم الأنشطة النسوية في المنطقة. وأضافت الوزيرة أن الوزارة بشراكة مع عدة فاعلين تعمل على تنفيذ عدة برامج للدعم أبرزها: تشجيع الصانعات والصناع بالإقليم على الاندماج في القطاع المهيكل، مما سيساعدهم على الاستفادة من البرامج التي توفرها الدولة، خاصة برنامج التغطية الصحية، كما عملت الوزارة على تأهيل مجمع الصناعة التقليدية في بلدية تازناخت، وتخصيص محلات مهنية لفائدة 30تعاونية تنشط في مجال نسج الزرابي وحرف تقليدية أخرى، كما عملت الوزارة أيضا على إحداث وتجهيز دارين للصانعة لإنتاج الزربية الواوزكيتية في كل من قريتي "أسرسا" و"سيروا".ومن أجل مواجهة أشكال المنافسة خاصة الخارجية وكل أنواع القرصنة التي يتعرض لها هذا المنتوج عملت الوزارة على وضع علامة لمنشأ أو البيان الجغرافي الخاص بزربية الأطلس الكبير بتازناخت.
الابتكار والإبداع لتثمين الزربية
أكد الدكتور عمر بنعيني أستاذ مادة التدبير والتسيير في المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بسطات، أنه رغم مجهودات ومهارات النساجات فإنهن لا يستفدن من مراحل ما بعد الإنتاج مثل التسويق والترويج والتوزيع. حيث يحصل الوسطاء من أفراد والمقاولات الذين يقتنون الزرابي على جزء وافر من الأرباح وقيمة المنتوج.ويقترح الدكتور بنعيني، تنظيم مجهودات النساجات والتعاونيات عبر الشراكة والتكامل واقتسام القيمة المضافة مع الفاعلين في المجال للتأطير ومساعدتهن في الترويج. وإمدادهن بالمواد الأولية وإبتكارأشكال وتصاميم جديدة لمنتوجات الزرابي.
ومن أجل تشجيع وتطوير قطاع انتاج الزرابي يطالب الدكتور بنعيني بإحداث نظام إنتاج وتسويق في ظل استراتيجية تكامل بين قطاعي الصناعة التقليدية والسياحة لتشجيع التعاونيات لتسويق منتوجاتها للسياح المغاربة والأجانب.
٢٠٢٣ نوفمبر