مقابلة ثنائية مع سونيا حجازي وجووي حرفوش
في اجتماع شبكة حلقات الثاني للمائدة المستديرة للخبراء، الذي انعقد في ديسمبر 2021، اجتمع 24 خبيرًا من أوروبا والعالم العربي عبر الإنترنت لمناقشة مستقبل العلاقات الثقافية بين المنطقتين. ودار النقاش حول خمسة مواضيع رئيسية على مدى يومين من المناقشات المكثفة، تضمنت مسألة كيفية بناء علاقات ثقافية عادلة.
وقبل اجتماع المائدة المستديرة الثالث والأخير في 24-23 مايو 2022، أجرينا لقاءً مع جووي حرفوش وسونيا حجازي لمناقشة هذا الموضوع بمزيد من التفصيل.
من دنيا حلاق
في الجلسة الأخيرة من اجتماع المائدة المستديرة للخبراء، تم تعريف “العلاقات الثقافية العادلة” على أنها عملية تقوم على المشاركة في التنظيم والعمل والبناء. في رأيك، ما الذي يشكِّل عقبة تحول دون هذه المشاركة في البناء؟ ومن أين ينبع الخلل في أدوات السياسات الثقافية؟
جووي حرفوش: أود أن أبدأ برسم صورة أشمل. فنحن نتكلم عن كيانين مختلفين اختلافًا كبيرًا (الاتحاد الأوروبي - والمنطقة الناطقة بالعربية)، ولا أظن أننا في الوضع الحالي يمكننا الحديث عن علاقات ثقافية متكافئة أو عادلة. هناك مستويان رسميان لما يسمّى بالعلاقات الثقافية: قنوات الحكومات، وقنوات المؤسسات الوطنية التي تضطلع بمهمة الدبلوماسية الثقافية.
وقد ثبت أن كلا المستويين يصاحبه إشكالية. ففي معظم البلدان العربية، لا يوجد سياسة ثقافية فاعلة وواضحة وبَنَّاءة. وفي ظل هذا الغياب، تأتي المنظمات الدولية والمؤسسات الوطنية لملء هذا الفراغ. أنا لا أعتقد أن البلدان العربية تفتقر القدرة على إدارة شؤونها الثقافية، إلا أن الحاصل في الوضع الحالي هو أن الفراغ الحكومي المتعمَّد يعزز نمطًا من السياسات غير الرسمية وغير الصادرة عن السلطات الرسمية في مضمار الثقافة. وعملية صنع السياسات هذه قائمة على الهيمنة ونهج ينطلق من القمة إلى القاعدة، بدءًا بهذه المنظمات الدولية. وبما أن الأموال تتدفق في اتجاه واحد، فإن هذا يُكسِب الجهة المموِّلة سلطة جبارة تُملي بها عملية صياغة هذه السياسات. ومن ثم، فإن سلطة المال أوجدت بُعدًا غير رسمي لصنع السياسات، بدلًا من صنعها في إطار السلطة الرسمية. كما أن هذه المنظومة ترسِّخها وتعيد استنساخها الجهات المانحة الدولية، والمؤسسات الكبيرة، والهيئات الحكومية. وفي رأيي أن هذه المنظومة في مجملها تشكِّل السياسات الثقافية، وليست مقتصرة على ما تمليه الدولة، أو ما تنظمه الحكومة المنتخبة.
إنها تتغلغل في كل الأنشطة الثقافية بجميع أوجهها: في الآليات التي تُنفَق بها المِنَح، وفي الطريقة التي تقرر بها هيئات اتخاذ القرار ما له جدوى لتمويله وما ليس له جدوى، وفي اختيار المشاريع التي يُسلَّط الضوء عليها، وفي التحكم فيما يُمرَّر وما لا يُمرَّر، وفي تحويل قطاع الفنون والثقافة إلى أداة مالية، وما إلى ذلك. في هذا المقام، لا أعتقد أن المؤسسات العربية تُمنَح الفرصة لتحديد أولوياتها وتفكر تفكيرًا متدبرًا قبل أن تجيب عن “كيف” و”لماذا”. كما أن الفنانين لا تتحيَّن لهم فرص كثيرة، ولا تُفتَح أمامهم قنوات للتحدث عن هذا الشأن، حيث إنهم لا يملكون حقيقةً إمكانية الانضمام إلى هذه الحوارات المعنية بمناقشة الكيفية التي آلت بها أدوات السياسات الثقافية إلى ما هي عليه.
سونيا حجازي: أوافق تمامًا. أفهم أن فكرة المشاركة في العمل والبناء، وربما المشاركة في التنظيم، يُنظَر إليها على أنها طريقة للوصول إلى علاقات ثقافية عادلة، ولا أعتقد أنها حققت نجاحًا جيدًا في الماضي. نحن نبدأ حاليًا في إعادة التفكير في كيفية التخلص من هذه الاختلافات. و للتمويل دور رئيسي في التعاون الثقافي؛ فهو ليس مقتصرًا على إنفاق المال فحسب، بل إن له علاقة أيضًا بالسلطة. كما أنه يتعلق بالتهميش: إذا كنت فنانًا عربيًا لا تتحدث سوى العربية، فغالبًا ما لا تُضَم إلى حلقة التعاون. وهناك شرائح عديدة للغاية من المجتمع العربي غير مُمَثَّلة فيها، ولا هي جزء من هذا التبادل الثقافي، ولا هي قادرة على تقديم خواطرها أو أفكارها أو إبداعاتها.
بالطبع لدينا الآن أعداد أكبر من الفنانين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتم أحيانًا عرض أعمالهم، وهناك تعددية في الأصوات المشارِكة في الميدان الثقافي على مدار العشرين سنة الماضية. وظهرت قيم جديدة مهَّدت لأشكال من التعبير، إلا أننا يجب أن نتساءل عن دور وظائف “حراس الفن”، مثل منظمي الفعاليات الفنية. فهل لدينا العديد من منظمي الفعاليات الفنية العرب المشهورين، إذا استثنينا منها مهرجانات الأفلام والمعارض الفنية؟ أفترض أن منطقة الخليج لديها فريقها الخاص ممن ينظمون الفعاليات الفنية. ولكني أرى أيضًا منظمين ألمانًا وأوروبيين آخرين يذهبون إلى أماكن مثل أبو ظبي والقاهرة لتنظيم المعارض الفنية فيها. خلاصة القول، يُعتبر منظمو الفعاليات الفنية الشخصيات المحورية في سوق الفن؛ فإنهم يقررون ما يدخل المتاحف وما يدخل المعارض العامة.
كيف لنا أن نعقد علاقات ثقافية متكافئة بعد كل مساعينا على مدار الأربعين سنة الماضية؟ أقول إن الإنصات في الوقت الحالي هو شرط من أهم شروط الوصول إلى علاقات أكثر عدالة. الإنصات، والاستماع، ومحاولة فهم ما يقوله الطرف المقابل ووجهة نظره. هذا ما نفتقده.
هل بإمكان أطراف فاعلة أخرى أن تتولى دور الوساطة بين أوروبا والعالم العربي؛ على سبيل المثال، المؤسسات التي تشارك في تمويلها الدول من المنطقتين، مثل معهد العالم العربي في باريس، أو دارنا في بروكسل (المركز الثقافي الرسمي للتعاون الفلمنكي بدعم من وزارة الثقافة الفلمنكية ووزارة الثقافة والجالية المغربية بالخارج)؟
سونيا حجازي: بالتأكيد. فإن مشاركة بعض دول البحر المتوسط أمر غاية في الأهمية. ولا شك أنها ضرورة أو خطوة مرحَّب بها إذا أنفقت الدول العربية أموالًا أكثر.
على الجانب الحكومي العربي، تظل عملية تولِّي المسؤولية مرهونة بما هو ممكن. وبديهي أنها لا تملك أموالًا طائلة، إلا أنها إذا كان لها أن تعزز ملكيتها للمشروعات وتحد من اعتماديتها، إذن فالأمر مرتبط في جانب منه كذلك بالقدرة على دعم المشروعات ماليًا بدرجة ما.
جووي حرفوش: إذا أردنا لأي شراكة أن تكون عادلة، فيجب أن نسأل عن السياق التاريخي، ونضع أطر التخلص من الإرث الاستعماري على صدر أولوياتنا. هذه هي الخطوة الأولى، حتى قبل مناقشة أهي عادلة أم لا. فالماضي الاستعماري وتداعياته في وقتنا الحاضر هو القضية الشائكة الكبرى التي يتم تجنبها عند مناقشة العلاقات الثقافية بين الاتحاد الأوروبي والعالم العربي. فهي لا تزال تؤثر علينا، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالثقافة. في حين أن الثقافة في جوهرها ليست قطاعًا أو تخصصًا علميًا. فالثقافة هوية، وإنتاج معرفي، ونقل معرفي. ولا يمكن وضع ثقافتين في حوار سطحي لا يَنفُذ إلى طبقات أعمق وإلى أغوار الهوية الثقافية.
فإلى أي درجة تُعفَى هذه المنظمات الوسيطة من مسؤولية مراعاة هذه القضايا المشار إليها؟ أعتقد أن معظم تمويلها لا يزال مربوطًا بأموال خاضعة للشروط التي تُمليها ديناميكيات هذه السلطة؛ لذلك، يتحتم عليها أن تأخذ - شأننا جميعاً- قسطًا وافرًا من الوقت للنقد الذاتي ولإعادة النّظر بمدى انحراطها بالديناميكيات المشار إليها، كي تجسِّد دورها تجسيدًا كاملًا وتحقق مهامها التنظيمية.
سونيا حجازي: كم يدهشني أن نتكلم عن الاستعمار مجددًا. فإني أعمل في المجال منذ 30 سنة، ولا شك أنني لم أتمكن على مدار 25 سنة من طرح هذا الموضوع لاعتباره من الحجج المبالغ في تبسيطها، والتي نتذرع بها لما يحدث من أخطاء في آسيا أو أفريقيا. إذ كان يُنظر إلى الاستعمار على أنه شيء انتهى “منذ عهود ولَّت ومضت”، وتم بالفعل تجاوزه. وعندما يشار إلى تبعات الاستعمار على أرض الواقع، فإن الناس يعتبرون ذلك هروبًا من تحمل مسؤولية الأخطاء التي وقعت في النصف الثاني من القرن العشرين - وهي مرحلة ما بعد الاستعمار. وكان يُنظر دائمًا إلى ذكر آثار الاستعمار على أنه إسقاط اللوم على قوى خارجية. وكان هذا هو الخطاب النمطي للتيار الرئيسي العام. وها نحن نجد أنفسنا مجددًا في ساحة الجدل الدائر عن الاستعمار، الذي يتم مناقشته في دوائر أوسع في ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، وخاصةً فيما يتعلق برد الحقوق لأصحابها. فعلى سبيل المثال، كان في ألمانيا - ولا يزال - جدل حامي الوطيس حول منتدى هامبولت Humboldt Forum. إذ تناوله بالنقد أفراد، ومنظمات غير حكومية، وجماعات معارِضة له أو شخصيات مثل بينديكت سافوي Bénédicte Savoy التي تركت عملها في مجلسه الاستشاري، وأدرجوا الاستعمار على قائمة أعمالهم مرة ثانية. وأدى هذا النقد بكل أنواعه إلى لفت انتباه القاعدة الأوسع من الجمهور الألماني إلى أن الاستعمار ليس عنهم ببعيد، وجذوره متغلغلة، وهو ما يُرغم الناس على الإقرار به اليوم. ويمكننا الانتقال من نقطة التحول هذه، إلى مسألة البحث عن الممارسات التي قد تقوض الإرث الاستعماري.
هل يؤثر الحديث عن تقويض الإرث الاستعماري على واقع هذه العلاقات؟
جووي حرفوش: إن أثره بالفعل هائل، سواء الإيجابي أو السلبي. ففيما يتعلق بالأثر السلبي، قد يكون تضمين هذا الحديث في إعداد برامج المراكز الثقافية مجرد ضجيج بلا طحين، وتتحول قضايا مركبة إلى تنويه بالفضيلة و تنفيذ للخطط الاستراتيجية للدلالة على إنجازها. وإذا كان تقويض الإرث الثقافي الاستعماري مطروحاً كموضوع أو ثيمة فقط لا غير، فمن الأرجح أن ذلك ليس بأمر جدي ويتم الإستفادة منه فقط لجذب الانتباه أو الأموال أو تسخيفه في هدف ركوب الموجة السائدة .
ومن الناحية الإيجابية، فقد قَلّ اعتبار الحديث عنه في الميادين العامة على أنه من المحرمات. فإننا لم يكن بمقدورنا طرح الموضوع في مؤسسة أوروبية قبل سنوات قليلة. وحَريّ بنا الإشارة إلى وقت استقلال الدول العربية في مرحلة ما بعد الاستعمار، حينما انتقلت السياسات الاستعمارية والممارسات الثقافية التي كانت موسومة بالمكاشفة البيِّنة، إلى مرحلة تغيير صورتها لتتشح بثياب الدبلوماسية الثقافية. فحين بدأ "المجتمع المدني" في تشكيل نفسه، فُرضت عليه بعض المهام، من بينها أن يلعب دورا في تحييد العنف (أي العنف المناهض للاستعمار). وأنا مدرك أن هذه طريقة بالغة التسطيح في تصوير التاريخ، ولكني أحاول فقط أن أضع الأحوال التي آلت إليها فنوننا ومؤسساتنا الثقافية في سياقها.
فلا شك أنه قد آن الأوان للخوض في هذا الحديث مجددًا، والاستفادة من هذا الجانب الإيجابي لغربلة بعض الأدوار التي نقوم بها دون خيار واع وإدراك، والتي نعيد استنساخها دون أن ندري.
سونيا حجازي: أود إلقاء نظرة على مسألة اللغة، لأن تلخيص المشكلة التي تواجهها هذه البلدان اليوم أمر بالغ الصعوبة؛ فإذا كنت طفلًا من أهل البربر ومولودًا في المغرب، فإن اللغة الأمازيغية هي لغتك الأم. ويتعلمون في المدرسة اللهجة المغربية، وفي المدارس الثانوية يتعلمون اللغة العربية الفصحى الحديثة واللغة الفرنسية. وتدرِّس معظم الجامعات جميع المواد باللغة الفرنسية، حيث إنها تُعتبر اللغة الأم المطلوبة عند هذا المستوى التعليمي. وهكذا يكون عليك التنقل بين أربع لغات. أنا هنا لا أؤيد القول بضرورة هجر التعليم الفرنسي أو العربي؛ إلا أن إدراك ما يمر به الطفل بالفعل عند ذلك المستوى غائب عن الأذهان. ويمكنك تطبيق هذا المثال على العديد من المجالات الثقافية الأخرى. فلا يزال يُدهشني أيَما دهشة أن ألحظ غياب الوعي في أوروبا لهذا الوضع على أرض الواقع العملي (في العديد من المجالات الأكاديمية والفلسفية وما إلى ذلك).
تستنكر الأطراف الثقافية الفاعلة في أحيان كثيرة غياب التنوع في المجال الثقافي في مجتمعاتنا، رغم زيادة أشكال التنوع فيها. فما الدور الذي يستطيع أن يقوم به أفراد الجاليات العربية، أو المنحدرين من أصول عربية في العلاقات الثقافية؟
سونيا حجازي: هؤلاء الأفراد يؤثرون تأثيرًا إيجابيًا فيها، وهو ما نستطيع رؤيته مثلًا في حلقات، أو في معهد جوتة. إلا أن هذا لا يعني تلقائيًا أن الناس قد تخلُّوا عن نظرتهم المترسخة للاستعمار. فقد مررتُ بتجربة سيئة للغاية قبل سنوات قليلة، عندما كتبتُ مقالًا عن فلسطين لمجلة ثقافية ألمانية ناقدة للاستعمار، وكان مفترضًا أن يصاحب المقال بعض الصور. احتجتُ صورًا لـــ”مجتمع الحَضَر الفلسطيني في أربعينيات القرن الماضي”، فحصلتُ على صور مهاجرين بولنديين إلى إسرائيل. ثم استلمتُ صور جنود استعماريين بريطانيين، وبعدها صور جنود إسرائيليين يصرخون في مزارعين فلسطينيين مُسنِّين، وهلم جرًا. واستلزم الأمر حوالي خمس جولات من تبادل الصور إلى أن فهم محرر الصور بُغيتي. وكان موقفًا مزعجًا للغاية، خاصةً أنه حدث في سياق مجلة ترفع راية شجب الاستعمار.
وكذلك، فإن التنوع بالطبع عملية تسير في مراحل، وهي تحدث الآن في وسائل الإعلام. ويمكنك الإشارة بالتحديد إلى الحالات التي لم تُغطِّ فيها الصحف الألمانية الكبرى بعض الموضوعات، بسبب عدم إلمامها بما تنطوي عليه واقعة معينة. ومثال على ذلك عدم فهم الإعلام الألماني لأهمية مقتل مروة الشربيني، الصيدلانية المصرية، في دريسدن في عام 2009؛ وهذا لأن فريق التحرير لم يكن به مَن يُلِم إلماما كافيا بالأمر كي يفهم ما حدث في الواقع. لكن ما لبث أن نُشر مقال طويل كتبه صحفيون من داخل المؤسسة أعربوا فيه عن انتقاد الذات جرّاء إغفالهم هذا الموضوع.
جووي حرفوش: إن علينا أن نتوخى اليقظة كي لا نقع في شراك الخوض في سياسات الهوية عندما نتكلم عن التنوع. فمن السهل أن ينحصر الحديث حول التنوع في إطار لا يخرج عن مسائل التمثيل، في حين أن الأمر أبعد من ذلك بكثير. والفخ الآخر هو التظاهر بالتمثيل العادل بإجراءات رمزية. فمن الأفضل الانخراط في حديث جوهري يأخذنا إلى مستويات أعمق، عوضًا عن هذه الاصطفافات البسيطة التي نتناولها عندما نتكلم عن الشمول والتنوع.
ما الأسئلة التي يجب توجيهها إلى المؤسسات الأوروبية؟
جووي حرفوش: عن موضوع الدبلوماسية الثقافية، تحضرني بعض الأسئلة التي يجدر توجيهها إلى صناع السياسات الثقافية الأوروبية: لماذا ينضوي النشاط الثقافي والدعم الثقافي المقدم إلى العالم العربي تحت عمل الوفود والمفوّضيات الأوروبية مثلًا؟ لماذا يوجَّه للسير تحت هذه المظلة الدبلوماسية للشؤون الخارجية وسياسات الأمن؟
هل نستطيع أن نتخيل العلاقات الثقافية خارج هذا الإطار؟ خارج الإطار الذي تُستعمل فيه أداةً للتأثير والهيمنة؟ بسبب السياق التاريخي للعلاقات بين المنطقتين، فإن هذه المقامات الهرمية الإدارية المتشابكة تسهِّل عملية تحوير والتعدِّي على الأعمال الثقافية بدرجة أكبر. ثم ما هي الفئة التي تخدمها الدبلوماسية الثقافية؟
إني لأتساءل عن نوعية الحوارات المتعلقة بجهود تقويض الإرث الاستعماري، إن وُجدت، التي تدور في أروقة مؤسسات الاتحاد الأوروبي ودوائر صنع السياسات وجماعات الضغط التي تصيغ هذه المِنَح وأشكال الدعم الثقافي، حيث إنها تبدأ من أعلى قمة الهرم الإداري نزولًا إلى أسفل.
سونيا حجازي: أتساءل إلى أي مستوى وصلت بالفعل النقاشات المعنية بتقويض الإرث الاستعماري من مستويات صنع السياسات؟ فلقد وصلت إلى الدوائر الأكاديمية والمنظمات غير الحكومية، إلا أنني لم أرَ حتى الآن ما يشي بحضورها الحيوي في الدوائر الدبلوماسية.
عن الخبيرَين :
سونيا حجازي:
نائبة مدير Leibniz-Zentrum Moderner Orient / أستاذ زائر لدراسات ما بعد الاستعمار، أكاديمية بارينبويم-سعيد Barenboim-Said Akademie من 2019 إلى 2021
درست سونيا اللغة العربية والدراسات الإسلامية بالجامعة الأمريكية في القاهرة وجامعتي فيتن/هيرديكة وبوكم Witten/Herdecke and Bochum، وتخرجت في جامعة كولمبيا. شاركت في إدارة مشروعين لمؤسسة البحوث الألمانية بشأن تجاوز الماضي بحوادثه العنيفة في الشرق الأوسط. وأدارت مشروع “تحولات الذكريات: إنتاج ثقافي وذاكرة شخصية/عامة” في لبنان والمغرب. تتضمن اهتماماتها حركات منظمات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية، والفكر العربي الحديث، وسياسة الذاكرة في المجتمعات في مرحلة ما بعد الصراع. وتعمل حاليًا نائبة مدير مركز لايبنيز للدراسات الشرقية الحديثة في برلين، وتدرِّس التاريخ الحديث للشرق الأوسط ونظرية ما بعد الاستعمار في أكاديمية بارينبويم-سعيد. في عام 2016، كما حصلت على الزمالة من برنامج فولبرايت بجامعة سيتي في نيويورك.
جووي حرفوش:
المدير التنفيذي، ناس - شبكة الشاشات العربية البديلة (ألمانيا)
جووي حرفوش صانع أفلام يقيم في كل من برلين وبيروت. وهو المدير التنفيذي لشبكة الشاشات العربية البديلة (ناس) وهي شبكة تضم فضاءات سينمائية غير حكومية في المنطقة العربية. تجمع الشبكة العديد من المبادرات التي تسعى من خلال برمجتها وفعالياتها ومساحاتها واستراتيجيات تواصلها مع جمهورها لدعم ثقافة سينمائية حيوية ومستدامة بهدف تطوير تفاعل الجمهور مع الأفلام.