إلى أي مدى ستكون مستعدًا للتضحية من أجل البقاء في عالم البنوك الذي يسيطر عليه الرجال؟ هل ستضحي بعلاقاتك؟ قيمك؟ صحتك؟ أو ولائك؟ تدور أحداث مسلسل "Bad Banks" حول السوق المالي الأوروبي، والذي يكون له تأثيراً عالمياً ايضاً.
المال يحكم العالم ... وفي بعض الأحيان يتم إهداره
يبدأ مسلسل "Bad Banks" كما تبدأ أفلام الكوارث الطبيعية عادةً، ولكن هذه الكارثة تدور في حي البنوك: بينما تحذر الأخبار التلفزيونية من انهيار مصرفي قد يكون أسوأ بخمس مرات من انهيار بنك "ليمان براذرز"، تحيط جموع غاضبة ماكينة صراف آلي في فرانكفورت، والتي تعتبر "وول ستريت ألمانيا". وعندما تظهر شاشة الماكينة أنه لا يوجد أموال، تعم الفوضى في شوارع حي المال، فكل من يرتدي بدلة يعتبر مصرفيًا، وبالتالي يصبح هدفًا لغضب الحشود. حتى أن الشرطة، بالرغم من استخدام الغاز المسيل للدموع وإقامة الحواجز، لا تتمكن من السيطرة على الوضع.
خلال هذا الفوضى، تتسلل شخصية وحيدة مرتدية سترة بغطاء رأس إلى مبنى شاهق عبر مدخل جانبي: إنها يانا، المصرفية الشابة (التي تؤدي دورها بولا بير)، والتي تتجول في ممرات شركتها المتضررة وتُتهم من زميل لها بأنها المسؤولة عن كل هذا الفوضى.
ومن ثم يأخذنا المسلسل إلى أحداث ماضية، وبالأخص إلى الأسابيع الثماني الماضية والتي تتلقى فيها يانا قرار فصلها من شركة استثمارية مرموقة في لوكسمبورغ، بحجة أنها كانت أفضل بعملها من رئيسها المتحيز ضد النساء. في عالم البنوك والأموال يشبه الفصل من العمل حكماً بالإعدام المهني، لذلك تشعر يانا بالإهانة واليأس. ولكن فجأة، تتلقى عرضًا للعمل في بنك استثماري ضخم في فرانكفورت، منافس لشركتها السابقة. وهكذا تطرح الحلقة الأولى من "Bad Banks" تساؤلًا محيرًا للمشاهدين: كيف يمكن لشخصية هادئة وكفؤة مثل يانا أن تكون وراء كل هذه الفوضى؟ هذه البداية المشوقة جعلت من الموسم الأول من المسلسل إدمانًا لملايين المشاهدين.
اللعبة إما على كل شيء أو لا شيء
في شركة "دويتشه غلوبال إنفيست" في فرانكفورت، تعمل يانا مباشرة تحت قيادة مدير الاستثمارات الرئيسي، غابرييل فينغر (الذي يؤدي دوره باري أتسما)، وهو مثال واضح على الشخصية الذكورية "ألفا"، التي لا تشبه بأي حال من الأحوال الصورة النمطية القديمة للألماني المتواضع والمقتصد. بل على العكس تمامًا، يتصرف دائمًا بعقلية الفائز المتعجرف، المستوحاة بشكل كبير من الطابع الأمريكي، لدرجة أنه يحفز نفسه خلال يوم العمل بتشغيل أفلام توم كروز بشكل متكرر. لأدائهما المتميز، حصل كل من باري أتسما وبولا بير على جوائز عن تجسيدهما لشخصياتهما في هذا المسلسل.
يتضح لليانا سريعاً أنها ليست سوى أداة في معركة السلطة بين الشركات المتنافسة، لكنها ترفض لعب دور الضحية، فهى تدرك أن الضمير لا مكان له في هذا المجال، وتنتقم من رؤسائها بغض النظر عن الضرر الذي يلحق بالمجتمع من خلال أفعالها. قصة الكاتب الرئيسي للمسلسل أوليفر كينل لا تتناول انهيار الأخلاق فحسب، بل تسلط الضوء على الانهيار التام للمبادئ في هذا العالم.
على الرغم من أن القصة مليئة بالمكائد، إلا أن "Bad Banks" بعيد عن كونه مجرد مسلسل درامي تقليدي، فالمسلسل أكثر اضطرابًا من ذلك بكثير، وخلال أحداث المسلسل يصبح المشاهدون شهودًا على انغماس يانا تدريجيًا في بيئة غير أخلاقية، ومع ذلك يظلون متعاطفين معها، لأنها كامرأة شابة تتعرض باستمرار للتعليقات المتعالية والإهانات. ومع ذلك، يتم اختبار تعاطف الجمهور بطريقة نادرًا ما نجدها في التلفزيون. طوال المسلسل، يظل التساؤل قائمًا: هل يتعين على يانا أن تتصرف "مثل الرجل" كي تنجح في عالمٍ يتصارع فيه الجميع من أجل التفوق على الآخرين؟ فقط في النهاية تبدأ في إقامة علاقة تشيع أجواءً أكثر تصالحًا.
ورغم أن خدع المصرفيين تمثل جزءًا أساسيًا من القصة، إلا أن ما يجعل "Bad Banks" استثنائيًا هو أسلوبه السينمائي. المخرج كريستيان شووخوف والمصور فرانك لام يضفون على المسلسل أجواء باردة، تذكرنا بالأفلام الفنية (ارت هوس) أكثر من كونه مسلسلًا تلفزيونيًا. هذا الأسلوب الذكي والبارد جعل المسلسل يتميز عن غيره ويكتسب متابعة كبيرة ومتواصلة. "Bad Banks" هو إنتاج مشترك بين التلفزيون الألماني الثاني ZDF والقناة الثقافية الأوروبية Arte. لذا، فإن جمالية المسلسل المتقنة بلا شك تعود أيضًا إلى اللمسة الفنية الدقيقة لقناة Arte
المسيرة مستمرة للمسلسل وكذلك للبنوك الفاسدة
"Bad Banks" يعكس كيف يعيد التلفزيون الألماني اكتشاف نفسه. تم عرض الحلقتين الأوليين على الشاشة السينمائية الضخمة في قاعة "زو بالاست" الشهيرة في برلين خلال مهرجان برلين السينمائي الدولي "برليناله" عام ٢٠١٨. كان مثل هذا الظهور الأول المرموق أمرًا لا يمكن تصوره قبل فترة وجيزة. وفي اليوم التالي، أصبحت جميع الحلقات الست متاحة على موقعي Arte وZDF، حيث سجلت مليون مشاهدة في الأسبوع الأول فقط. بعد ذلك، تم بث المسلسل على القنوات التلفزيونية، وحصل على إشادات واسعة.لقد كانت المشاهدات عبر الإنترنت، إلى جانب الإشادات الحماسية من النقاد، العامل الحاسم في قرار القناتين بإنتاج موسم ثانٍ بعد شهر واحد فقط من عرض الموسم الأول. في الولايات المتحدة، حصلت منصة Hulu على حقوق البث، ومنذ ذلك الحين تم عرض المسلسل في أكثر من ٤٠ دولة، مما يعد دليلًا آخر على أن المسلسلات الألمانية في ازدهار على المستوى الدولي. يتوفر مسلسل "Bad Banks" حاليًا على منصة Netflix في المناطق الناطقة بالألمانية والفرنسية، وهي منصة يستحقها هذا المسلسل، والتي تدعو بشكل كبير إلى المشاهدة المتواصلة (Binge-Watching).
إلى جانب العديد من المشاريع الأخرى، أصبح المخرج كريستيان شووخوف أول مخرج ألماني يتولى إخراج بعض حلقات مسلسل The Crown الذي تنتجه Netflix. ومع ذلك، لا يزال من غير المؤكد ما إذا كان سيقدم حلقات جديدة من "Bad Banks" قريبًا. ولكن من المؤكد أن الكتّاب لن ينفد لديهم المحتوى لأحداث جديدة، فكل ما عليهم فعله هو تصفح الصحف، حيث أن العناوين الأخيرة التي تتضمن اتهامات جديدة ضد بعض البنوك تقدم بالتأكيد الكثير من المواد الواقعية لإلهام حلقات جديدة من "Bad Banks".
تفاصيل الموسم الثاني
تم عرض الموسم الثاني من "Bad Banks" في عام ٢٠٢٠، من إخراج كريستيان زوبرت والسيناريو لأوليفر كينل. تدور أحداثه بعد ستة أشهر من الأزمة، حيث يعيد المسلسل تصوير التحولات في عالم المال.
الاعتمادات:
الإخراج: كريستيان شووخوف (الموسم الأول)، كريستيان زوبرت (الموسم الثاني)
الممثلون: بولا بير، باري أتسما، دزيري نوسبوش، ألبريشت شوخت، ماي دونغ كيو، توبياس موريتّي، مارك ليمباخ
يتكون المسلسل من موسمان، كل موسم يحتوي على ست حلقات، مدة كل حلقة حوالي ٥٠ دقيقة
إنتاج ألمانيا ٢٠١٩ - ٢٠٢٠
٢٠٢٢ مارس