زوايا المدينة  "ديت إيس برلين"

يُقال أن برلين مدينة ملونة وصاخبة وخارجة عن المألوف وأن أهلها يُعرفون بأسلوبهم اللاذع. هل تنطبق تلك الصورة النمطية على برلين حتى الآن؟
يُقال أن برلين مدينة ملونة وصاخبة وخارجة عن المألوف وأن أهلها يُعرفون بأسلوبهم اللاذع. هل تنطبق تلك الصورة النمطية على برلين حتى الآن؟ صورة (مقطع): © پيكتشر آليانز/ زابينة لوبِنوڤ/ أرشيف صور دومونت

يُقال أن برلين مدينة ملونة وصاخبة وخارجة عن المألوف وأن أهلها يُعرفون بأسلوبهم اللاذع. هل تنطبق تلك الصور النمطية على برلين حتى الآن؟ هذا ما ستُطلِعنا عليه كاتبتنا نِلِه يِنش التي انطلقت في جولة عبر العاصمة التي يرى فيها المرء على مسافة بضعة أمتار أكثر مما سيراه في مكان آخر على مدى عام كامل.      

أعلى قمم برلين

يضفي برج التلفزيون لمسة الخاصة على ملامح مدينة برلين ويعد واحدًا من أعلى المباني في ألمانيا. يضفي برج التلفزيون لمسة الخاصة على ملامح مدينة برلين ويعد واحدًا من أعلى المباني في ألمانيا. | صورة (مقطع تفصيلي): ©أدوبي كل الطرق تؤدي إليه – أو بالأحرى، كل الأنظار تتجه إليه! إنه برج التلفزيون الكائن بميدان ألكسندر ببرلين والمعلم الذي يرسم أفق برلين ويميزه بتصميمه الخاص. فهو ليس فقط أعلى مبنى في برلين، بل وأكثرها تفردًا بفضل تصميمه الكروي. تم افتتاح البرج عام ١٩٦٩ بالتزامن مع مرور ٢٠ عامًا على نشأة جمهورية ألمانيا الديمقراطية لإظهار إمكاناتها وقوتها كدولة. ويمكننا اليوم أن نحظى بإطلالة ساحرة على المدينة من أعلى شرفة الجزء الكروي أو الاستمتاع بوجبة ومشروب وسط المناظر المتجددة في المطعم الكائن بالدور العلوي الذي يضم ٤٠ منضدة مثبتة في الأرض. ولقد أصبح البرج جزءًا من فلكلور المدينة، حيث يصنعون في برلين شخليلات الأطفال وقطَّاعات البسكويت على شكله. ولكنه لم يشتهر بلقب معين بين سكان برلين، على عكس الأقاويل الكثيرة، وحتى وصف "تِلي شپارجِل" (هليون التلفزيون) الذي استحدثته حكومة ألمانيا الشرقية لم يلقَ أبدًا صدى حقيقيًا بين سكان المدينة.        
 

مساحات مهددة

مازالت المباني المستوطنة بوضع اليد موجودة في برلين حتى الآن، في الوقت الذي يطالب فيه الكثير من المبدعين الثقافيين بالمحافظة على الثقافات الفرعية اليسارية. مازالت المباني المستوطنة بوضع اليد موجودة في برلين حتى الآن، في الوقت الذي يطالب فيه الكثير من المبدعين الثقافيين بالمحافظة على الثقافات الفرعية اليسارية. | صورة (مقطع): © پيكتشر آليانز/ پاول تسينكِن/ وكالة الأنباء الألمانية خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي تصدرت برلين حركة الاستيطان بوضع اليد. ومنذ لك الحين تكوَّنت العديد من المشروعات في هذه المباني، منها ما لا يزال قائمًا حتى الآن، لعل أشهرها حانة كادتِرشميده الكائنة بالدور الأرضي في ٩٤ شارع ريجار بمقاطعة فريدريشسهاين. وعلى الرغم من وجود الحانة في هذا المبنى دون عقد إيجار من البداية، إلا أن كثير من دعاوي الإخلاء فشلت في إخراجها من المبنى. وإلى جوار هذا المبنى يتجلى المشهد اليساري في برلين من خلال مشروع سكني آخر يتمثَّل في مبادرة Liebig34 ذات التوجهات الأناركية النسوية. وتعد مبادرة مبادرة Liebig34 واحدة من مشروعات كثيرة معرضة لخطر الإخلاء، بينما يطالب، العديد من المشاهير، من بينهم مبدعين ثقافيين من أمثال إلفريدة يِلينك الحاصلة على جائزة نوبل والمغنية نينا هاجِن وفرقة إلِمنت أوف كرايم، بالمحافظة على المشروعات السكنية والثقافية البديلة من خلال مبادرة Kein Haus weniger (ولا مبنى أقل) لأنها تمثل، من وجهة نظرهم، أهمية سياسية واجتماعية وثقافية للمدينة.

وفي الوقت الذي يكافح فيه هؤلاء المستوطنون من أجل البقاء، نجد أن من سكان برلين من يحاولون حتى الآن استعادة المساحات العامة ولكن بطرق أخرى: قرية Holzmarkt أو سوق الخشب هي قرية إبداعية تقع على ضفاف نهر شپريه ومشروع نموذجي للتخطيط الحضري البديل. فلقد انطلقت في برلين حملات كثيرة للبستنة الحضرية تسعى إلى زيادة المساحات الخضراء بالمدينة، منها مشروع في حديقة الأميرات بميدان موريتس الذي يتيح للزوار الإمكانية لزراعة وحصاد الخضروات بأنفسهم، فضلًا عن حديقة Mauerpark أو "حديقة الجدار" التي يزورها المئات أسبوعيًا للاستماع لغناء الكاريوكي.              
 

آثار انقسام المدينة

مازالت آثار انقسام الجمهورية في الماضي واضحة في جميع أنحاء برلين حتى الآن، وأصبحت الأجزاء المتبقية من الجدار من معالم الجذب السياحي. مازالت آثار انقسام الجمهورية في الماضي واضحة في جميع أنحاء برلين حتى الآن، وأصبحت الأجزاء المتبقية من الجدار من معالم الجذب السياحي. | صورة (مقطع): © أدوبي مازال بإمكاننا رؤية بقايا الجدار في المدينة حتى الآن. فهناك نصب تذكاري لجدار برلين يمتد على مسافة ١،٤ كيلومتر بطول الشريط الحدودي السابق وهو نصب تذكاري مركزي لأولئك الذين فقدوا حياتهم أثناء محاولتهم عبور الجدار. وهناك نصب تذكاري آخر في موقع سجن الشتازي السابق بمنطقة هوِنشونهاوزِن. أما East Side Gallery أو معرض الجانب الشرقي، فهو عبارة عن معرض مفتوح على مدار الساعة لبقايا جدار برلين التي قام فنانون وفنانات بتزيينها برسومات ملونة. يتمتع المعرض بشعبية كبيرة، لاسيما بين سياح برلين الذين يحرصون على التقاط صور الـ "سلفي" أمامه. ولكنّ المعرض لم يسلم أيضًا من خطط إعمار المدينة ومصالح الشركات، فلقد تم نقل أجزاء من النصب التذكاري لجدار برلين لإفساح المكان أمام بناء غرف فندقية وشقق سكنية باهظة الثمن تطل على نهر شپريه مباشرة.
ولكنك لو انتبهت أثناء تجوُّلك في المدينة سوف يتجلى لك تاريخ برلين كمدينة مقسَّمة بعيدًا عن النصب التذكارية، إذ يمر شريط  Mauerband أو حزام الجدار، كما يُطلَق عليه، عبر المدينة ليحدد مسار الجدار السابق بصفين من البلاطات المرصوفة. وعلى من يريد أن يستكشف مسار الجدار حول ألمانيا الغربية سابقًا عليه أن يتتبع طريق Mauerweg أو مسار جدار برلين، وهو عبارة عن ممر طوله نحو ١٦٠ كيلومترًا مخصص للمشاة والعجل يتعقَّب مسار قوات حرس حدود ألمانيا الشرقية سابقًا أو Postenweg، كما يُطلق عليه.       

 

هيئة النقل في برلين: نقل عام وجماهيرية!

لا تخذلها الكلمات أبدًا: لشعارات هيئة نقل برلين جماهيرية واسعة! لا تخذلها الكلمات أبدًا: لشعارات هيئة نقل برلين جماهيرية واسعة! | صورة (مقطع): © پكتشر آليانز/ ڤولفرام شتاينبرج/ وكالة الأنباء الألمانية هل يمكن لشركة نقل عفا عليها الزمن أن تتحول إلى أسطورة؟ هذا ما حققته هيئة نقل برلين (BVG) بتباعها خطة تسويق سليمة ونجحت فيه نجاحًا باهرًا من خلال حملة Weil wir dich lieben أو "لأننا نحبك" التي أطلقتها الهيئة على منصات التواصل الاجتماعي. واستعانت الهيئة لتحقيق ذلك بقدر كبير من السخرية الذاتية، فارتجلت شعارات حول سير حافلات من نفس الخط خلف بعضهم البعض وأخرى عن قذارة مترو الأنفاق واكتظاظه بالركاب وعدم انضباط مواعيد وسائل المواصلات بشكل عام. كما لجأت أيضًا إلى استغلال قرابة كل الصور النمطية المعروفة عن برلين، ونجحت بذلك في تحويل شعور سكان برلين بالإحباط حيال وسائل مواصلاتها العامة إلى مزيج من الحب والكراهية على الأقل.
         
ولم يخش فريق حملة #لأننا نحبك من تغليف السياسية بالفكاهة وتطرَّق في شعاراته إلى مختلف القضايا، كتحوُّل المناخ وكراهية المثليين والعنصرية والتمييز على أساس الجنس، كما أشار إلى الحزب الديمقراطي الحر بأسلوب فكاهي قائلًا: "بيننا الكثير من القواسم المشتركة؛ فكلانا أصفر وملفت للنظر والضرائب هي موضوعنا المفضل". وشعار الحملة الدائم هو: "سواء كنت ثنائي الجنس أو متحول جنسيًا: لأننا نحبك لا يعنينا من تحب!" كما استعانت الحملة بكثير من أساليب التسويقية الفكاهية، فقامت شركة النقل في عام ٢٠١٨، على سبيل المثال، ببيع حذاء رياضي يُستَخدم في الوقت نفسه كتذكرة سنوية للحافلات ومترو الأنفاق والترام. وقبل بدء المبيعات خيَّم عدد كبير من سكان برلين طوال الليل (وفي الشتاء!) أمام منافذ البيع التي توفرت فيها الأحذية بكميات محدودة. ولعل أحدث مفاجأة فجَّرتها هيئة النقل ببرلين (BVG) هو أنها تقدمت لدى منظمة اليونسكو ليتم إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي، ففي النهاية يتجلى الطابع البرليني الأصيل في وسائل مواصلات الهيئة كمن خلال جفاء السائقين والسائقات أو الحيل القديمة التي يتبعها بعض الركاب حين يقومون، على سبيل المثال، بفرك العملة المعدنية على ماكينة التذاكر عندما ترفض قبول العملة.     

واحة خضراء فوق أسطح نويكولن

يمكن للزائر أن يجلس وسط الخضرة بحانة كلونكركرانيش ويستمتع بإطلالة بانورامية على المدينة بأكملها. يمكن للزائر أن يجلس وسط الخضرة بحانة كلونكركرانيش ويستمتع بإطلالة بانورامية على المدينة بأكملها. | صورة (مقطع): © پيكتشر آليانز/ زابينه لوبِنوف/ أرشيف صور دومونت تتوج حانة وقاعة مناسبات Klunkerkranich سطح مركز تسوق Neukölln Arcaden كواحة خضراء. وأكثر ما يميز الحانة هو الأثاث الخشبي المريح والرايات المصنوعة من القماش التي ترفرف كلما هبت الرياح والكم الهائل من النباتات المزروعة في الأصص وأحواض الزرع المرتفعة وأحواض الاستحمام المعاد تدويرها. وعلى الرغم من أن المكان أصبح يجذب عددًا متزايدًا من الزوار في الآونة الأخيرة، وذلك بعد أن ذاع صيته خارج حدود حي نويكولن عقب إدراجه على موقع Lonely Planet، إلا أنه لا يزال رغم ذلك من المعالم البارزة لبرلين. فلا تفوت فرصة زيارتها، لاسيما في ذروة فصل الصيف وقت غروب الشمس، لتستمتع بنسيم الهواء العليل وبإطلالة بانورامية ساحرة على برلين من شأنها أن تعوضك عناء الصعود.
 

برلين.. تحت الأرض

هل تساءلت يومًا عما يبدو عليه المخبأ السري من الداخل؟ في برلين سترى معالم "تحت الأرض" أيضًا كمستشفى الطوارئ العسكري الذي نراه أمامنا في الصورة. هل تساءلت يومًا عما يبدو عليه المخبأ السري من الداخل؟ في برلين سترى معالم "تحت الأرض" أيضًا كمستشفى الطوارئ العسكري الذي نراه أمامنا في الصورة. | صورة (مقطع): © پيكتشر آليانز/ برند سِتّنيلك/ تست بي إن مدينة برلين مشهورة، وموصومة في الوقت نفسه، بحياة السهر والحفلات السرية. وكان عدد كبير من هذه الحفلات يُقام داخل مخابئ للغارات الجوية من أيام للحرب العالمية الثانية. وهناك مخابئ كثيرة مفتوحة للزوار خلال النهار ليتسنى لهم اكتساب لمحة تاريخية عن المدينة، حيث توفر جمعية "Berlin Unterwelten" (عوالم برلين التحتية) جولات إرشادية داخل عدد كبير من مخابئ الحرب العالمية الثانية وداخل مخابئ برلين الغربية التي تحوَّلت إلى "وحدات حماية مدنية" خلال الحرب الباردة لحماية المواطنين في حالة حدوث هجوم نووي، وعلى رأسها مخبأ يقع بالقرب من محطة القطار ويُعرَف باسم Berlin Story Bunker أو مخبأ قصة برلين. تجد فوق مدخل هذا المخبأ لافتة مكتوب عليها "من يبني المخابئ يقذف القنابل." وقد قام الكاتبان فيلاند جيبِل وإنّو لينتسه بتصميم معرض شامل بعنوان Hitler – wie konnte es geschehen أو "هتلر – كيف لهذا أن يحدث؟" داخل المخبأ بالأسفل. كما يتضمن المعرض نموذجًا تفصيليًا لمخبئ الزعيم أو "الفوهرر"، كما يُطلَق عليه. ورغم أن البعض قد تنبأ في البداية بفشل المشروع تمامًا، إلا أنه يستقبل الآن أكثر من ٢٠٠٠٠٠ زائر سنويًا من جميع أنحاء العالم، كما أشاد به السفير الإسرائيلي. ويعد هذا المخبأ في الوقت نفسه رمزًا للديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما تجلى بشكل خاص عندما لوح لِنتسه وفريقه بعلم، يكاد يكون أكبر علم قوس قزح في ألمانيا، بالتزامن مع مسيرات مهرجان "Berlin Pride Week" (أسبوع فخر برلين). وإن كنت من هواة الفن المعاصر، فعليك بزيارة المخبأ الكائن بحي ميتِّة فوق الأرض، والذي اشتراه أحد المواطنين وحوله إلى معرض فني لمجموعة "Boros" الاستثنائية للفن المعاصر.
 

ليالي كرويتسبرج طويلة...

المنطقة الواقعة بين محطي مترو كوتبوسر تور وشليزيشس تور هي من أفضل أماكن السهر بالمدينة. المنطقة الواقعة بين محطي مترو كوتبوسر تور وشليزيشس تور هي من أفضل أماكن السهر بالمدينة. | صورة (مقطع): © پيكتشر آليانز/ شتفان يايتنر/ وكالة الأنباء الألمانية ...هكذا غنى فريق Gebrüder Blattschuss (الأخوان بلاتشوس) في السبعينيات، ومازالت هذه المقولة تنطبق على كرويتسبرج حتى الآن، تحديدًا المنطقة الواقعة بين محطي مترو كوتبوسر تور وشليزيشس تور، فهي من أفضل أماكن السهر بالمدينة. يمكنك قضاء أمسية راقصة في حانة  Birgit&Bierالمفتوحة على جزيرة لومولِن، تحديدًا بين مراجيح الكاروسيل والسيارات المتصادمة، وكلك في ملاهي IPSE أو Burg Schnabel الليلية، إما داخل سقيفة خشبية أو في الهواء الطلق على ضفاف نهر شپريه مباشرة. ومن الملاهي الليلية التي كانت تتمتَّع بشعبية كبيرة، ملهى Club der Visionäre، الذي كان الزوار يجلسون فيه على لسان خشبي ويدلون أقدامهم في قناة لاندڤِر. ولكنه احترق جزئيًا في صيف ٢٠١٩. ولكننا وجدنا، لحسن الحظ، بديلًا رائعًا في قاعة Festsaal Kreuzberg المجاورة وكذلك في مركب حفلات Hoppetosse.

وتشتهر أماكن أخرى في برلين بسهراتها، مثل ملهى Berghain في حي فريدريشسهاين المعروف بحفلاته الحماسية الصاخبة وكذلك ساحة RAW (ورشة تصليح قطارات ألمانيا) التي تضم عددًا لا حصر له من الملاهي الليلية. أما ملهى Griessmühle لموسيقى التكنو في نويكولن، فلقد اضطر لإخلاء المبنى لرغبة مالك الأرض في هدمه، وانتقلت برامج وفعاليات الملهى مؤقتًا إلى حي ميتِّه وحي ليشتبرج.

يقولون أن للمتعة عنوان دائم في برلين، ولكننا لا نعرف ما يخبئه لنا المستقبل. فالمزيد والمزيد من الملاهي الليلية يضطر لمغادرة مقاره (والابتعاد عن وسط المدينة على وجه الخصوص) إما بسبب بيع مبانيه أو هدمها واستبدالها بمبانٍ جديدة أو لعدم تجديد عقود الإيجار. وبذلك تكون هذه الملاهي قد راحت ضحية شهرتها، لأن ثقافة التكنو لا تجذب فقط الشباب العصري إلى المدينة، بل وكذلك المستثمرين. ولكن المواطنون، وكذلك بعض الساسة، يسعون من جهة أخرى إلى إنقاذ الملاهي الليلية وينادون بإنقاذ هذا التراث الثقافي البرليني الفريد من نوعه. 

برلين.. واحة ثقافية خضراء

في وسط برلين، تحديدًا في جزيرة الطواويس في بحيرة ڤانزيه، تتلألأ الطواويس في الهواء الطلق وسط الطبيعة. في وسط برلين، تحديدًا في جزيرة الطواويس في بحيرة ڤانزيه، تتلألأ الطواويس في الهواء الطلق وسط الطبيعة. | صورة (مقطع): © أدوبي هل صحيح أن برلين غابة خرسانية؟ تلك الصورة النمطية لا تنطبق على برلين بأي حال من الأحوال، حتى وإن كان المشهد في ميداني ألكسندر وپوتسدام قد يوحي بغير ذلك. فهناك ما يقرب من مليون شجرة في العاصمة و٢٥٠٠ متنزه، على رأسها حديقة Tiergarten أو حديقة الحيوانات التي تعد من أكبر وأشهر المتنزهات في برلين. ويحلو التنزه بشكل خاص فوق التلال الغربية للمدينة، ومن بينها غابة Grunewald، التي لا تعد فقط أكبر غابة في ألمانيا بل وكذلك موطنًا لأنواع عديدة من الحيوانات والنباتات المحمية والمهددة بالانقراض. ويمكن للمرء أن يستمتع بإطلالة رائعة على هذه المحمية الطبيعية من أعلى جبل Teufelsberg، وهو ثاني أعلى المرتفعات في مدينة برلين. فقد تشكَّل هذا "الجبل" من أنقاض وأطلال الحرب العالمية الثانية التي تم ردمها في هذا المكان. وإذا ما توجَّهنا نحو الجنوب قليلًا، سنرى كيف يحيط نهر هاڤِل بجزيرة Pfaueninsel أو جزيرة الطواويس الأسطورية مشكلًا بحيرة ڤانزيه. يأتي الزائرون والزائرات إلى هذا المكان للاستجمام وممارسة الرياضات المائية وكذلك لاكتساب لمحة ثقافية ومعرفية عن المكان. وعلى ضفاف بحيرة ڤانزيه مباشرة ووسط الطبيعة الخلابة عقد النازيون مؤتمر ڤانزيه الشهير وخططوا للهولوكوست. وقد تحول المكان فيما بعد إلى متحف ونصب تذكاري. ويقابل الفيلا على الضفة الأخرى من البحيرة مركز Das Literarische Colloquium أو حلقة برلين الأدبية (LCB) التي تعد بمثابة بوابة للأدب الناشئ من أكثر من خمسين عامًا. ففي هذه الفيلا المبنية على طراز الحقبة الفيلهلمينية يقيم كتاب وكاتبات من جميع أنحاء العالم وتُقام خلال فصل الصيف قراءات أدبية في الهواء الطلق.
 

حرية بلا حدود في ساحة مطار تمپلهوف 

ساحة المطار القديمة بمقاطعة تمپلهوف في برلين هي واحدة من أكبر الساحات المفتوحة داخل المدن في العالم ساحة المطار القديمة بمقاطعة تمپلهوف في برلين هي واحدة من أكبر الساحات المفتوحة داخل المدن في العالم | صورة (مقطع): © أدوبي يشعر المرء في ساحة مطار تمبلهوف القديمة أن السماء لا نهاية لها والحرية لا حدود لها. فما من مبنى واحد على مرمى البصر، ولا يوجد سوى بضع أشجار متفرقة. ولكن هذه المنطقة لم تكن دائمًا على هذا الحال؛ فلقد كانت خلال الحقبة النازية موطنًا لعمال السخرة من الجنسين وكذلك لمعسكر اعتقال كولومبيا. ومنذ أن أقلعت من هنا آخر طائرة في عام ٢٠٠٨ أصبحت ساحة مطار تمبلهوف إلى واحدة من أكبر الساحات المفتوحة داخل المدن في العالم. تضم الساحة في الوقت الراهن منطقة لتدريب للكلاب وسلسلة من الحدائق الصغيرة التي تنمو فيها الزهور داخل أحذية بوت مطاطية، فضلًا عن حانة مفتوحة وبضعة أبراج مراقبة. فيما عدا ذلك يستغل ركاب الدراجات وممارسي رياضة التحليق الشراعي والمتنزهون مدرجات الإقلاع والهبوط للقيام بجولاتهم. إنها بمثابة واحة سلام وسط المدينة الصاخبة العملاقة. إلا أن بقاء هذه الواحة المثالية مهدد أيضًا إزاء تزايد الأصوات المطالبة بتعمير أطراف ساحة المطار. ورغم أن الاستفتاء الشعبي قد عرقل مبادرات مشابهة في عام ٢٠١٤، إلا أن الآراء قد تتغير مع ازدياد تدفق السكان إلى هذه المنطقة منذ ذلك الحين وارتفاع الإيجارات. وهناك مساعٍ أيضًا لتحويل مبنى المطار السابق إلى مقر جديد للفنون والثقافة والإبداع على مدى العقود القادمة، حيث افتُتِحَ مؤخرًا مركز للزائرين والزائرات ولا تزال شرفة برج المراقبة القديم والمعرض التاريخي المقرر إقامته فوق سطح المطار الممتد على مدى ١،٢ كم قيد التخطيط. ولكنه يمكن للزوار القيام بجولات داخل أكبر معلم أوروبي والاستمتاع بوجبات تُعَد بمكونات محلية وفقًا لمفهوم الطهي المستدام في مقهى Orville’s الذي تم افتتاحه في المقر السابق لمطعم ضباط القوات الجوية الأمريكية.
 

من الأكلات السريعة إلى المطاعم الراقية

مأكولات الشارع في سوق ’ماركت هالِّه نوين‘: إن لم تُشبِع جوعك، فلا تلُم إلا نفسك مأكولات الشارع في سوق ’ماركت هالِّه نوين‘: إن لم تُشبِع جوعك، فلا تلُم إلا نفسك | صورة (مقطع): © پيكتشر آليانز/ پاول تسينكِن/ وكالة الأنباء الألمانية مازالت محلات السجق بالكاري والشاورمة منتشرة في كل ركن من أركان برلين، وإن لم تعد تُباع الآن بأقل من يورو. ومن أشهر محلات الوجبات السريعة في برلين محل Mustafas Gemüsekebap أو كباب مصطفى بالخضروات الكائن بشارع مِرينجدامّ وGel Gör Köfteci للكفتة المشوية بشارع كوتبوسِر دامّ. لطالما كانت برلين نقطة التقاء للمطبخ العالمي، ولا يوجد مكان آخر، على الأقل في ألمانيا، ينافسها على هذه المكانة. فمن يبحث عن التميُّز سيجد في المدينة طهاة حاصلين على نجوم ميشلان، من أمثال تيم راوِه وماركو مولِّر وهِندريك أوتُّو وسونيا فروزامِّر، ممن يشعلون أجواء المدينة. أما لهواة المغامرة، فتوفر برلين أصناف عالمية غير تقليدية كمأكولات عيد السوپرا الجورجي أو سمك السيفيتشي النيء من المطبخ الپيروڤي. ولا تقتصر الأطعمة المقدمة في الأسواق المغطاة؛ كسوق Markthalle Neun أو Marheineke أو Arminius، على الخضروات والفاكهة والخبز وما شابه فحسب، بل يزخر قسم مأكولات الشارع بالعديد من الأصناف المبتكرة وغير المألوفة. في الوقت نفسه انعكست أزمة البناء والتطوير التي شملت برلين بالكامل على هذه الأسواق أيضًا. تجد المتظاهرين يحتشدون بانتظام أمام سوقMarkthalle Neun  المغطى بكرويتسبرج منذ أن تسربت إليهم أنباء تفيد برغبة الإدارة المعنية في غلق فرع Aldi الموجود بالسوق. فالسكان المحليون يخشون أن تحل المأكولات والمنتجات الغذائية الفاخرة محل الضروريات والسلع اليومية في مركز Markthalle Neun. 

ملحق إضافي

"وهذه أيضًا برلين!" أو كما يقولون باللهجة البرلينية: "Och dit is Berlin"! في ’حدائق العالم‘ بمارتسان ستأسرك البرجولات الصينية بجمالها "وهذه أيضًا برلين!" أو كما يقولون باللهجة البرلينية: "Och dit is Berlin"! في ’حدائق العالم‘ بمارتسان ستأسرك البرجولات الصينية بجمالها | صورة (مقطع): © پيكتشر آليانز/ راينر فـ. شتويسلوفّ/ إيمج بروكر يكاد يكون من المستحيل أن يتسنى لي وصف الجانبين، المألوف وغير المألوف، من برلين من خلال عشر نقاط فحسب. لازالت هناك جوانب كثيرة لم أتطرق إليها بعد، كالمشهد الموسيقي والثقافي الحيوي للمدينة الذي يثريه العديد من الفنانين العالميين من الجنسين. ولكن برلين ليست فقط ’عاصمة القلوب‘، كما يقولون. لنأخذ مثلًا الحي الحكومي، الذي يتجلى بعمارته الهندسية المبهرة ويضم في الوقت نفسه مراكز ثقافية متفرقة، مثل خيمة Tipi am Kanzleramt أو ’الخيمة المجاورة للمستشارية الاتحادية‘، فضلًا عن مساحات خضراء شاسعة. إضافة إلى الفيلات الفخمة الكائنة بمنطقة داهليم التي يتنزه طلاب جامعة برلين الحرة بمحاذاتها ويعرجون في الصيف أحيانًا على بحيرة Krummen Lanke الجميلة الممتدة وسط الغابة. ولا يسعنا أن ننسى أكبر شوارع التسوق في برلين: شارع Ku’damm، ذلك الشارع الأسطوري الشهير الذي تزداد محاله فخامة وترفًا كلما اقتربنا من غرب المدينة، ويحده مركز تسوق Kaufhaus des Westens (أو اختصارًا KaDeWe) والكنيسة التذكارية. وكذلك مجمع Kulturbrauerei الثقافي أو مصنع الجعة القديم في حي پرِنتسلاور بِرج الذي يستضيف يوميًا في قاعاته وعلى ساحة فناءه المرصوف فعاليات ثقافة متنوعة كعروض أفلام وحفلات موسيقية وغيرها من الفعاليات. بالإضافة إلى المتحف اليهودي الذي يسعى حتى من خلال تصميمه المعماري إلى إعطاء الزائرين والزائرات لمحة عن أهوال الهولوكوست، و Gärten der Weltأو حدائق العالم في مارتسان التي يمكن للزوار التجول فيها (بالتلفريك!) والاستمتاع بتصميمات البستنة من جميع أنحاء العالم، أو الحانات المتعددة التي مازالت تُقَدَم فيها البيرة بـ ٢،٥٠ يورو فقط، ويتحايلون فيها على حظر التدخين بحيل ذكية. وأخيرًا وليس آخرًا، مهرجان Karneval der Kulturen أو كرنفال الثقافات الذي يضفي على كرويتسبرج في عيد العنصرة المزيد من البهجة والألوان. كل هذا في انتظارك، ما عليك إلا أن تحزم أمتعتك وتنطلق إلى برلين.