زوايا المدينة  كولونيا - لمحبي المرتفعات والاحتفالات

شهرتها لا تقتصر على الكاتدرائية والكرنڤال فحسب، فهي تعد في الوقت نفسه معقلًا للمثليين من الجنسين. لقطة لمشاركين في مهرجان كريستوفر ستريت داي في عام ٢٠١٩.
شهرتها لا تقتصر على الكاتدرائية والكرنڤال فحسب، فهي تعد في الوقت نفسه معقلًا للمثليين من الجنسين. لقطة لمشاركين في مهرجان كريستوفر ستريت داي في عام ٢٠١٩. صورة (مقطع): © پيكتشر آليانز/ كريستوف هاردت/ جايزلِر فوتوپرِسّ

مدينة أسسها الرومان على نهر الراين وتحوَّلت منذ العصور الوسطى إلى مدينة عاصمية. إنها مدينة كولونيا! يرتبط اسمها لدى معظم الناس بالكاتدرائية والكرنڤال فحسب، رغم أنها تحوي أكثر من ذلك بكثير؛ ما بين بقايا معبد قديم أمام حمام ماكدونلدز ومركز ثقافي داخل مصنع سابق للكابلات وأكبر معرض للألعاب الإلكترونية في العالم.  

أسرار كاتدرائية كولونيا

كل الطرق تؤدي إلى الكاتدرائية! من لم يرَ الكاتدرائية، لم يرَ كولونيا. كل الطرق تؤدي إلى الكاتدرائية! من لم يرَ الكاتدرائية، لم يرَ كولونيا. | صورة (مقطع): © أدوبي من لم يرَ الكاتدرائية، لم يرَ كولونيا. فكما يقولون: كل الطرق تؤدي إلى الكاتدرائية! بل إن عددًا كبيرًا من السائحين يكتفي بزيارة الكاتدرائية فقط في كولونيا. وعلى الرغم من أن هذا شيء مؤسف بالطبع، إلا أن المؤسف أكثر هو أن يزور أحدهم الكاتدرائية دون أن يتسنى له رؤية كل معالمها واكتشاف أسرارها ومفاجآتها. هل كنت تعلم أنه عندما اكتمل بناء الكاتدرائية على الطراز القوطي في عام ١٨٨٠، أي بعد أكثر من ٦٠٠ عام، كان يغلب عليها اللون الفاتح؟ ولم تكن سوداء كما هو حالها الآن؟ وأنهم لو قاموا بتنظيف واجهتها، وهو أمر مستحيل لما يتطلبه من مجهود ضخم وتدعم كامل للمبنى بالسقالات لعدة سنوات، فإنك ستكتشف عندئذ أنها بُنِيَت بحجر رمادي يُستَخرج من جبل Drachenfels (جبل يقع في مدينة Königswinter بالقرب من بونّ) وبالحجر الرملي البني اللون. ولكن اكتست بطبقة من الأتربة والصدأ، وهو ما منحها هذا المظهر الموحد.

وهل كنت تتخيَّل أن هناك تمثال صغير للبابا فرانسيس فوق إحدى المظلات الحجرية إلى يمين البوابة الغربية؟ أو أن الأعضاء الداخلية لملكة فرنسا، ماريا دو ميديتشي، مدفونة أسفل لوح من الرخام الأحمر في ضريح الملوك الثلاثة، تحت أرضية الممشى المسقوف؟ ولو دخلت الجناح الجنوبي وقت العصاري سيغمرك الضوء الملون المتدفق عبر النافذة التي أعاد جِرهارد ريختر تصميمها في عام ٢٠٠٧ مستخدمًا ١١٥٠٠ حجر زجاجي. ولو تسنى لك التخطيط لرحلتك قبلها بوقت طويل، فلا تفوِّت الفرصة واحجز مكانك في جولة فوق سطح الكاتدرائية، على ألا تكون دون السادسة عشر أو ممن يهابون المرتفعات. سنوات داخل هذا المبنى لن تكفينا لاكتشاف كل أسراره.                   

اعتداد بالنفس وروكّ بلهجة كولونية

كثير من الفرق التي تغني باللهجة الكولونية لاقت صدى في جميع أنحاء ألمانيا. لقطة من إحدى جولات فرقة البوب وآلات النفخ النحاسية، كڤِربيت، المكونة من ١٣ عضوًا. كثير من الفرق التي تغني باللهجة الكولونية لاقت صدى في جميع أنحاء ألمانيا. لقطة من إحدى جولات فرقة البوب وآلات النفخ النحاسية، كڤِربيت، المكونة من ١٣ عضوًا. | صورة (مقطع): © پيكتشر آليانز/ هورست جالوشكا/ وكالة الأنباء الألمانية وفي ميدان Offenbachplatz وفوق أحد المباني المطلة على شارع Nord-Süd-Fahrt الرئيسي والمجاورة لمنطقة الترميم المستمر لمسرح كولونيا، ترون رسالة موجَّهة لأهالي كولونيا كُتِب فيها بأحرف يصل ارتفاعه إلى أربعة أمتار: Liebe deine Stadt أو "أَحِب مدينتك!". وجه الفنان مرلين باور هذه الرسالة لسكان كولونيا منذ ١٥ عامًا وناشدهم من خلالها إلى المحافظة على عمائر ما بعد الحرب وتقدير قيمتها، تلك العمائر التي تبدو قبيحة في نظر الكثيرين. ولكن باور، المولود في مدينة جراتس، لم يتوقع أن يلقى شعاره هذا الإجماع. فسكان كولونيا تحديدًا ليسوا بحاجة لسماع مثل هذه الرسالة لأكثر من مرة.

يُذَكِّرنا هذا الشعار، "أحِب مدينتك!" باسم أغنية طرحتها فرقة Cat Ballou منذ فترة طويلة بمشاركة نجم كرة القدم المحلي لوكاس پودولسكي. وفرقة كات بالُّو، هي واحدة من عشرات الفرق الموسيقية الناجحة التي استطاعت أن تحول الموسيقى القائمة على اللهجة الكولونية، أو الكولش، إلى سلعة محلية ثمينة تُصَّدر إلى جميع أنحاء ألمانيا. تعود جذور موسيقى الكولش إلى أوائل السبعينيات، تحديدًا إلى فرقة Bläck Fööss، التي مزجت موسيقى الإيقاع البريطانية والفلكلور الأيرلندي بموضوعات نابعة من وجدان الراينلاند، منها ما هو ساخر، ومنها ما هو عاطفي. ولو ما اعتبرنا أن فرقة بلاك فووس هي رائدة موسيقى الكولش، سنجد أن مشاعر الانبهار بالذات قد سيطرت على هذا النوع من الموسيقى إلى حد الثمالة مع ظهور فرقة Höhner. فهل يعود هذا إلى ما تحمله كلمة Kölsch من معنى مزدوج؟ فهي تشير من ناحية إلى اللهجة الكولونية، ومن ناحية أخرى إلى بيرة Kölsch التي يتم إعدادها محليًا وتتميَّز بتقنية التخمير العلوي التي تعتمد على درجات الحرارة العالية. المؤكد في جميع الأحوال هو أن هذا الطابع لا يزال يصبغ موسيقى الـ Kölsch حتى يومنا هذا.

وقد استطاعت بعض الفرق الكولونية، من أمثال Brings و Kasallaو Querbeat(وهم من مدينة بونّ المجاورة في حقيقة الأمر)، أن تتجاوز بنجاحها حدود الكرنڤال وتلقى صدى في جميع أنحاء ألمانيا. ربما يعود هذا إلى احتياج سكان المناطق الأكثر رصانة في ألمانيا إلى استرخاء وراحة بال أهل الجنوب فوجدوا ضالتهم في حيادية وروقان سكان كولونيا. فهؤلاء يسمون الفساد „Klüngel“ أي "الشللية"، وقاموا بتسجيل "هزة أكتفاهم" الشهيرة التي يلجئون إليها عند تقصيرهم، في بند من بنود "دستور كولونيا" الذي يقرّ المبادئ الأساسية للحياة في هذه المدينة. ويزخر هذا "الدستور" بحكم كولونية كثيرة، منها على سبيل المثال: "Et hätt noch immer mit jot jejange" بمعنى "سيكون كل شيء على ما يرام"، أو " Wat wellste maache?" أي "ليس بيدنا شيء!" بمعنى "استسلم لقدرك!". ولكن، بقدر ما يبدو نمط الحياة هذا جذابًا، بقدر ما يجعل حب المدينة مهمة صعبة نوعًا ما. 

متاحف كولونيا الأكثر تشويقًا... وأكثرها هدوءًا

لقطة من داخل مقهى متحف الفنون التطبيقية؛ واحة هدوء وسط صخب المدينة ومن أجمل الأماكن وأهدأ الأماكن في كولونيا. لقطة من داخل مقهى متحف الفنون التطبيقية؛ واحة هدوء وسط صخب المدينة ومن أجمل الأماكن وأهدأ الأماكن في كولونيا. | صورة (مقطع): © پيكتشر آليانز/ هاكِّنبرج-فوتو-كولن/ راينر هاكِّنبرج تضم كولونيا أكبر عدد من المتاحف العامة الممولة ذاتيًا بين مثيلاتها من المدن الألمانية، وهذا ما تؤكده المدينة على صفحاتها على شبكة الإنترنت. وإلى جانب التسع متاحف التابعة للمدينة، تضم كولونيا عددًا كبيرًا من المؤسسات التابعة لجهات خاصة؛ منها متحف Käthe-Kollwitz، على سبيل المثال، الذي يضم أكبر مجموعة في العالم من أعمال الفنانة كاتِه كالُّوفيتس. اشتهرت كالُّوفيتس بمطبوعاتها الحجرية ذات الطابع الإنساني التي جسَّدت فيها الجوع والمعاناة. ومن مفارقات القدر أن يتصادف وجود المتحف في الطابق العلوي لأحد مراكز التسوق.

كما تضم كولونيا متحفًا للعطور في مبنى فارينا الذي يعد في الوقت نفسه أقدم مصنع قائم للعطور في العالم ومنشأ عطر Eau de Cologne أو ماء الكولونيا الشهير. وتجدون على الجهة المقابلة من مصنع العطور أحد أبرز المتاحف في ألمانيا؛ متحف Wallraf-Richartz الذي يضم لوحات فنية لأبرز الفنانين، من العصور الوسطى وحتى القرن العشرين. وإن كنتم من محبي الفن المعاصر، فعليكم بزيارة متحف Ludwig الذي يقدم لنا مجموعة مثيرة للإعجاب من الفن التعبيري وفن الپوپ. ويضم المتحف أعمالًا كثيرة لپيكاسو من جميع فترات حياته. من الصعب أن ترى هذا الكم من أعماله في أي مكان آخر عدا باريس.

أما أكثر متاحف كولونيا سحرًا وإبهارًا، فتجدها مختبئة في المناطق الأقل شهرة؛ منها متحف الفنون التطبيقية (اختصارًا MAKK) الذي يضم أحد أجمل وأهدأ المقاهي وسط صخب كولونيا برغم معاناته الواضحة والمستمرة بسبب نقص التمويل. وعلى بعد بضع خطوات منه، يبهرك متحف Kolumba أو متحف أبرشية كولونيا بمجرد أن تقع عينيك عليه. أنشأه نجم الهندسة المعمارية، پيتر تسومتور، في عام ٢٠١٧ في موقع كنيسة سانت كولومبا التي دمرتها الحرب العالمية الثانية ولا تزال بقاياها معروضة بالمتحف. وإن كنت تبحث عن الهدوء فلن تجد مكانًا أفضل من مكتبة متحف كولومبا المكسوة بالكامل بخشب الماهوجني.               

ما بين معرض الپوب ومعرض الألعاب الإلكترونية

إن سكان كولونيا سيجدون دومًا سببًا للتنكُّر، حتى ولو لم يكن من أجل الكرنڤال، فهم يحرصون أيضًا على التنكُّر في زي شخصياتهم المفضلة من أجل المشاركة في معرض جايمس كومّ، وهو أكبر معرض للألعاب الإلكترونية في العالم. إن سكان كولونيا سيجدون دومًا سببًا للتنكُّر، حتى ولو لم يكن من أجل الكرنڤال، فهم يحرصون أيضًا على التنكُّر في زي شخصياتهم المفضلة من أجل المشاركة في معرض جايمس كومّ، وهو أكبر معرض للألعاب الإلكترونية في العالم. | صورة (مقطع): © پيكتشر آليانز/ جايزلِر فوتوپرِسّ/ كريستوف هاردت مع ازدهار صناعة الموسيقى وبلوغها ذروتها في فترة التسعينيات استطاعت كولونيا بكبريائها المعهود أن تنتزع لنفسها لقب "عاصمة پوپ". فقد استضافت كولونيا أحد أكبر معارض الموسيقى والترفيه في العالم؛ معرض PopKomm. تُقام فعاليات المهرجان الضخم على طريق كولونيا الدائري في الهواء الطلق وتتخللها مئات الحفلات الموسيقية. وعلى الرغم من أن قطاع الموسيقى كان يمر بالفعل بمرحلة تدهور شديدة وسريعة بسبب الإنترنت والتحميل ومنصات البث، إلا أن رحيل المهرجان عن كولونيا وانطلاقه إلى برلين في بداية الألفية الجديدة قد خلَّف في قلبها جرحًا وشعورًا بالنبذ. وقد التئم هذا الجرح منذ قرابة عشر أعوام عندما بدأت الحشود تتدفق إلى المدينة مرة أخرى في أواخر أغسطس من كل عام للمشاركة في أكبر معرض لألعاب الكمبيوتر وألعاب الفيديو في العالم: معرض Gamescom. وقد وصل عدد رواد المعرض مؤخرًا إلى ٤٠٠٠٠٠ زائر تقريبًا، يتنكر الكثيرون منهم في زي شخصياتهم المفضلة. وهذا الإقبال الكبير يشير في الوقت نفسه إلى توسُّع المعرض عبر المدينة بأكملها.   

القصة وراء جسر مولهايم...

كان مبنى كارلس ڤِرك الكائن بحي مولهايم بكولونيا في الأصل مصنعًا للأسلاك والكابلات الهوائية وكابلات الضغط العالي، إلا أن أرض المصنع تضم الآن مقرًا بديلًا لمسرح شاوشپيل بكولونيا وحديقة كارلسجارتن الاجتماعية. كان مبنى كارلس ڤِرك الكائن بحي مولهايم بكولونيا في الأصل مصنعًا للأسلاك والكابلات الهوائية وكابلات الضغط العالي، إلا أن أرض المصنع تضم الآن مقرًا بديلًا لمسرح شاوشپيل بكولونيا وحديقة كارلسجارتن الاجتماعية. | صورة (مقطع): © پيكتشر آليانز/ هاكِّنبرج فوتو كولن/ راينِر هاكِّنبرج وقف مدينة مولهايم الواقعة على الضفة الشرقية لنهر الراين في مواجهة الدمج مع كولونيا لفترة طويلة إلى أن انضمت إليها في النهاية ضد رغبة الأهالي في عام ١٩١٤. وتم إصدار قرار ببناء جسر مولهايم الشهير كنوع من الترضية والتعويض لمواطنيها عن فقدان استقلاليتهم. وبالفعل، تولى مصنع Carlswerk بمولهايم تصنيع الكابلات الداعمة للجسر بعد أن كان متخصصًا في انتاج كابلات الاتصالات عبر المحيط الأطلسي. ولسنوات طويلة اقتصرت زيارات سكان الضفة الغربية لمولهايم على حضور حفلات موسيقية في ملهى E-Werk أو في مركز Palladium على الجهة المقابلة له، إلى أن اتخذت عدة برامج تلفزيونية من مولهايم مقرًا لاستوديوهاتها، بداية من برنامج هارلاد شميت الحواري ووصلًا إلى برامج شتِفان راب التلفزيونية المتنوعة. ولكن، مع انتقال مسرح Schauspielhaus إلى مقره المؤقت بالمبنى السابق لمصنع كارلس ڤِرك في عام ٢٠١٣ بدأت المدينة تستقبل أعدادًا متزايدة على نحو منتظم. ولم يتوقع أحد آنذاك أن يتحوَّل ترميم المسرح والأوبرا بميدان أوفِّنباخ في وسط المدينة إلى مشروع كارثي وموقع بناء دائم كما حدث في مطار برلين براندنبورج. إلا أن الآثار الجانبية لهذه الكارثة لم تكن جميعها سلبية؛ فقد تحول مصنع كارلس ڤِرك والمنطقة المحيطة إلى بؤرة حيوية تضم ثلاثة مسارح وقاعتي حفلات موسيقية وصالة تسلق شاسعة إلى جانب مجموعة من المطاعم، بطبيعة الحال. ولكني أنصحكم بالأحرى بالذهاب إلى مطعم من المطاعم الكائنة بشارع Keupstraße المجاور الذي يعتبر بمثابة قطعة من تركيا في وسط كولونيا.             

درينك دوخ إنه ميت! (فلنشرب كأسًا معًا!)

تتجلى مظاهر الاحتفال بكرنڤال "دي تولِّه تاجِه" في كل مكان بمدينة كولونيا؛ في الحانات والشوارع والملاهي الليلة، وكذلك من خلال موكب الأشباح. تتجلى مظاهر الاحتفال بكرنڤال "دي تولِّه تاجِه" في كل مكان بمدينة كولونيا؛ في الحانات والشوارع والملاهي الليلة، وكذلك من خلال موكب الأشباح. | صورة (مقطع): © Geisterzug.de يعتبر سكان كولونيا الكرنڤال حدثًا مقدسًا ويرى غالبيتهم أن هذا الاحتفال المفعم بالحيوية والحماس لا يقل مكانة أو أهمية عن كرنڤال البرازيل. قد لا يبدو هذا واضحًا للعالم الخارجي دومًا، فمن يعيشون خارج منطقة الراين يرتبط لديهم الكرنڤال بموكب Rosenmontag أو إثنين الورود والبث المطوَّل للاحتفال عبر التلفزيون فحسب. أما سكان المناطق المحيطة، فيتطلَّعون إلى يوم كرنڤال المرأة (أو Wieverfastelovend باللهجة الكولونية)، الذي يرتبط لدى الكثيرين بالإفراط في الشراب، وإلى بداية موسم مهرجانات الشوارع في تمام الساعة ١١:١١ في ساحة السوق القديم. الأفضل أن تتجنب كلا الفريقين قدر الإمكان، لأن أجواء الاحتفال الحقيقية بكرنڤال Tolle Tage (بمعنى الأيام الرائعة) تنعكس على كل مكان في كولونيا، بدءًا من الحانات، التي يحرص أصحابها على وضع الطاولات بجوار النوافذ فقط ليتسنى للمشاركين في الاحتفال الصعود عليها والتمايل انسجامًا مع أجواء المهرجان، ومرورًا بالشوارع والملاهي الليلة ووصولًا إلى الترام. ويحرص معظم الموظفين على أخذ عطلة للاحتفال بالمهرجان ويمنح العديد من أصحاب العمل موظفيهم أجازة بمناسبة يوم إثنين الورود. ولكل مواطن من مواطني كولونيا مكانًا مفضلًا وأسلوبًا خاصًا للاحتفال. وإذا أردت أن تشارك في المهرجان، فالأفضل أن تتواصل مع السكان المحليين. ولن تجد صعوبة في ذلك في مدينة ودودة ومنفتحة مثل كولونيا. ولكنك لن تتمكَّن من المشاركة لو لم تحرص على ارتداء زي صممته بنفسك بعناية!                 

ما بين صخب تسولپيشر وهدوء راتِناو

من الصعب أن تجد أحدًا من سكان كولونيا لم يقضِ سهرة جامحة في شارع تسولپيشر. إلى جانب البارات والحانات ومطاعم الوجبات السريعة، تتوفر في شارع تسولپيشر أنشطة ثقافية من خلال مسرح ومقهى فيلمدوزِه، على سبيل المثال، أو سينما أوف برودواي البديلة. من الصعب أن تجد أحدًا من سكان كولونيا لم يقضِ سهرة جامحة في شارع تسولپيشر. إلى جانب البارات والحانات ومطاعم الوجبات السريعة، تتوفر في شارع تسولپيشر أنشطة ثقافية من خلال مسرح ومقهى فيلمدوزِه، على سبيل المثال، أو سينما أوف برودواي البديلة. | صورة (مقطع): © پيكتشر آليانز/ إيماج بروكر/ شونينج يربط شارع Zülpicher، الكائن في قلب حي Kwartier Latäng، بين الجامعة ووسط المدينة ويتشابه في ذلك مع حي Quartier Latin الطلابي في باريس من حيث الاسم والوظيفة. وهذا الشارع هو وجهة السهر المفضلة لدى الوافدين حديثًا إلى كولونيا، وذلك لأنه يزخر بكم هائل من المحال قليلة التكلفة، ما بين حانات وملاهٍ ليلية ومطاعم وجبات سريعة. ولكن احتفالات الكرنڤال في شارع تسولپيشر قد تخرج عن السيطرة في بعض الأحيان وتتحول إلى مشهد غير سار. ولذلك يميل الأشخاص والطلاب الأكبر سنًا إلى تجنُّب شارع تسولپيشر مساء أو يذهبون فقط لمشاهدة فيلم في سينما Off-Broadway، وهي إحدى أفضل دور العرض البديلة، وتناول ألذ فلافل في كولونيا على بعد بضع خطوات من السينما في مطعم "حبيبي".

تختلف الأجواء على بعد بضع شوارع من تسولپيشر لتصبح أكثر هدوءًا، تحديدًا حول ميدان راتِناو الذي يضم مجموعة متنوعة من المطاعم، ما بين إيطالية وإسبانية وبروڤية ويابانية وشرق أوسطية.

وفي الصيف يتوافد الزوار على ميدان راتِناو، وخاصة على تلك الحانة الصغيرة المفتوحة التي تُدار من قبل مجموعة من المواطنين المحليين. تستضيف الحانة في حديقتها الصغيرة طلاب من الجنسين وعائلات (لوجود ملعب للأطفال أيضًا) ولاعبي بولينج.

ويمكنكم زيارة المعبد اليهودي بكولونيا الواقع على الجهة الشرقية من الميدان والذي تم بناءه على طراز الرومانسية الحديثة في أواخر القرن الـ ١٩. ويُذكَر أن الجالية اليهودية في كولونيا هي في الغالب أقدم الجاليات اليهودية شمال الألب. ولكن، قبل أن تغادروا مبنى المعبد، أنصحكم بزيارة مطعم Mazal Tov لمأكولات الكوشر. ولكن لا تنسوا الحجز مسبقًا.                             

تراث روماني في ماكدونالدز

لقطة من حفريات قصر الپريتوريوم. تجدون الآثار الرومانية متناثرة في كل ركن من أركان كولونيا تقريبًا. لقطة من حفريات قصر الپريتوريوم. تجدون الآثار الرومانية متناثرة في كل ركن من أركان كولونيا تقريبًا. | صورة (مقطع): © پيكتشر آليانز/ وكالة الأنباء الألمانية/ هورست أوسِّينجر تعود جذور مدينة كولونيا إلى العصر الروماني؛ ففي عام ٥٠ بعد الميلاد وفي فترة حكم القيصر كلاوديوس تأسست المدينة تحت اسم " Colonia Claudia Ara Agrippinensium" أي "مستعمرة كلاوديوس ومذبح قرابين أنصار أجريپينا". ولكنه لن يتسنى لكم مشاهدة المجموعة الهائلة من الآثار الرومانية المعروضة في المتحف الروماني الجرماني في الوقت الحاضر لكونه مغلقًا لأجل غير مسمى بسبب أعمال الترميم. والأمر نفسه ينطبق على قصر Praetorium، الذي كان في الأصل قصرًا لحاكم جرمانيا الصغرى وتم اكتشافه أسفل مبنى البلدية بوسط كولونيا ويُعتَبَر اليوم ثاني أهم مزار روماني في كولونيا. ولكن، في مقابل هذا، لا يزال مركز المدينة مفتوحًا للجمهور وبدون مقابل. فلقد بنى الرومان آنذاك منتدى كبير في وسط كولونيا عند تقاطع أهم طريقين في المستعمرة وحيث يمتد حاليًا اثنان من أشهر شوارع التسوُّق في كولونيا؛ شارعHohe  وشارع Schildergasse. وتجدون آخر شاهد على هذا الميدان الفخم في الدور الأرضي لمتجر ملابس C&A. إذا نزلتم على السلم المتحرك الذي يربط بين الممشى وفرع ماكدلوندز الملحق بالمتجر، وألقيتم نظرة أمام حمامات ماكدونالدز وأسفل السلم، ستجدون جزءًا من قاعدة المنتدى الروماني على هيئة كتلة حجرية من الخرسانة الرومانية أو Opus caementicium. وتم تخليد تاريخ وهندسة المنتدى المعمارية على لافتة في هذا المكان الذي يلتقي فيه تراث ٢٠٠٠ عام بحمام مطعم للوجبات السريعة. لن ترَ شيئًا كهذا إلا في كولونيا!                 

إرِنفِلد بطابع شبابيّ جديد

تعود جذور مسرح آرتِاتر للفنون الأدائية إلى بداية تطور منطقة إرِنفِلد وتحولها لمعقل للثقافة الفرعية. ويقدم المكان مزيجًا فريدًا من نوعه من خدمات الترفيه كمقهى وكمقر للفعاليات المتنوعة ما بين السهرات الراقية والحفلات الموسيقية والعروض المسرحية البديلة ذات الطابع الجريء. تعود جذور مسرح آرتِاتر للفنون الأدائية إلى بداية تطور منطقة إرِنفِلد وتحولها لمعقل للثقافة الفرعية. ويقدم المكان مزيجًا فريدًا من نوعه من خدمات الترفيه كمقهى وكمقر للفعاليات المتنوعة ما بين السهرات الراقية والحفلات الموسيقية والعروض المسرحية البديلة ذات الطابع الجريء. | صورة (مقطع): © ماتياس پورات/ ليلڤيلّ/ artheater.de لكولونيا القديمة طابع شبابي غير متوقع. فلقد انضم لسكان المدينة أكثر من ١٠٠٠٠ شخص تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٣٠ عامًا خلال عام ٢٠١٩ فقط. ولذلك تتجلى الروح الشبابية في حي Ehrenfeld.، حي العمَّال سابقًا، أكثر من أي حي آخر. في الوقت الحالي على الأقل! فلقد أصبح مصير الأحياء أو Veedel كما تُسمى باللهجة الكولونية، مرهونًا بأعمال البناء والتطوير المعهودة. وقد سقطت بالفعل بعض منشآت الحياة الليلة مثل ملهى Underground ومؤخرًا ملهى Heinz Gaul لموسيقى التكنو، ضحية لهذه الأعمال. ورغم ذلك، لا تزال المدينة توفر سبلًا ترفيهية كثيرة ومتفاوتة الجودة. يمكنك أن تقضي سهرة ممتعة في هذا المكان من دون أن تضطر لارتداء ملابس أنيقة. ومن بين هذه الأماكن مسرح Artheater  للفنون الأدائية. تعود جذوره إلى بداية تطور منطقة إرِنفِلد وتحولها لمعقل للثقافة الفرعية. ويقدم المكان منذ عام ١٩٩٨ مزيجًا فريدًا من نوعه من خدمات الترفيه كمقهى وكمقر للفعاليات المتنوعة ما بين السهرات الراقية (القائمة في معظم الأحيان على الموسيقى الإلكترونية) والحفلات الموسيقية المنسقة بعناية شديدة والعروض المسرحية البديلة ذات الطابع الجريء.

وعلى بعد بضع خطوات فقط من مسرح آرتِاتر، تجدون حانة Bumann & Sohn التي حوَّلها أصحابها في عام ٢٠١٧ من ورشة إلى ساحة ممتعة للرقص والشرب بعد أن قاموا بتصميم ديكوراتها الداخلية بأنفسهم. ورغم ما تتسم به الديكورات من طابع جاف بعض الشيء، إلا أن أجواءها الرومانسية الصناعية تجذب إليها الزوار، لاسيما في فصل الصيف. وتستضيف الحانة طوال العام مجموعة مختارة من الفنانين والفنانات والفرق الموسيقية لتقديم فقراتهم على مسرحها الصغير، وقد كانت بالفعل نقطة انطلاق لبعض هؤلاء الفنانين.

وتجدون على الجهة المقابلة لحانة بومانّ ملهى Club Bahnhof Ehrenfeld الذي يمتد أسفل ثلاثة بواكٍ من بواكي محطة قطار إس بان. وقد تخصص هذا الملهى فيما يُسَمَّى بـ "موسيقى السود" بجميع أنواعها، بداية من الچاز والهيب هوب ومرورًا بموسيقى السول ووصلًا للسالسا. وإلى جانب كونه نقطة انطلاق لفنانين أصبحوا فيما بعد نجوم في عالم الراب، استضاف الملهى في مقره، أسفل السكك الحديدية، عددًا من أساطير الموسيقى.                

النافورة المعجزة

تماثيل أقزام هاينتسِل مِنشِن محفورة على النافورة المعروفة بنفس الاسم في كولونيا. تماثيل أقزام هاينتسِل مِنشِن محفورة على النافورة المعروفة بنفس الاسم في كولونيا. | صورة (مقطع): © أدوبي تحدثنا أسطورة كولونيا الشهيرة عن أقزام يتسللون ليلًا لإنجاز كافة الأعمال والمهام التي لم يتمكن أصحابها من إنجازها خلال النهار. ولكنهم لو رآهم أحد من سكان كولونيا سيختفون إلى الأبد. ربما تكون تلك الأسطورة هي السبب وراء قناعة الكولونيين بأن كل شيء سيصبح على ما يرام ما لم تدقق في كل شيء وتشغل نفسك بتفاصيل الأمور. تجدون تلك الأسطورة محفورة في الحجر على نافورة Heinzelmännchenbrunnen الشهيرة والتي يتناسب مكانها أمام أقدم مصنع للبيرة في كولونيا، Früh am Dom، مع هذا المفهوم.


وهناك نوافير أخرى كثيرة في هذا المكان ولكنها لا تحظى بنفس الاهتمام والشهرة؛ منها نافورة صغيرة على الجانب الغربي من الكاتدرائية تُعرَف باسم نافورة الحمام أو Taubenbrunnen. تتميَّز هذه النافورة بمجرى مياهها الذي يتدفق على شكل دوامة تنتهي في بؤرة صغيرة بمركز النافورة. صممها الفنان إدوارد ماتارِه لتكون مكانًا يرتوي منه حمام الكاتدرائية. وقد تم افتتاحها في عام ١٩٥٣ على أنغام أغنية "لا بالوما" (الحمامة) بينما كان وجهاء المدينة يمررون زجاجة شنابس فيما بينهم.

أما نافورة Rheingartenbrunnen، فهي من النوافير التي يمكن للزوار السير عليها. صممها فنان الپوب آرت البريطاني، إدواردو پاولوتسي الذي قام بتصميم الغلاف لألبوم Red Rose Speedway لپول مكارتني. وتعتبر هذه النافورة ساحة مغامرات للأطفال، حيث يمكنهم القفز من حجر لآخر فوق الأشكال البرونزية البارزة التي تذكِّرنا أشكالها بالمنشآت الصناعية.

وهناك نافورة أخرى صممها الفنان ڤولفجانج جودِّرتس تُعرَف باسم نافورة Wasserkinetische Plastik (بمعنى منحوتة الكينتيكا المائية) وتقع بميدان Ebertplatz. ولكنها تُركَت فريسة للصدأ لسنوات طويلة، وتحوَّل المكان بأكمله بسبب انخفاضه عن مستوى الشارع وظلمة زواياه إلى بؤرة إجرامية ومنطقة محظورة. عندئذ فقط انطلقت مبادرة مشتركة بين الحي وأهالي المنطقة وأعادت الحياة إلى النافورة مرة أخرى. وأصبحت النافورة مسبحًا ومزارًا منتظمًا للأطفال الصغار، وصار للميدان منذ ذلك الحين شعبية كبيرة كنقطة التقاء بين أبناء حي أجنِس وحي آيجِلشتاين. إنها ليست مجرد نافورة، بل معجزة حقيقية تفوق أسطورة هاينتسِلمِنشِن خيالًا.