ضم برنامج برليناله للمواهب 2024 عددًا من صناع السينما العربية، من بينهم صانعات شابات من دول مختلفة، كان لكل منهن تجربة مختلفة في المهرجان. اجتمعت بثلاثة منهن: المخرجة الأردنية زين دريعي، المخرجة السودانية فاطمة وردي، والممثلة الفلسطينية ماريا زريق، في جلسة مفتوحة تحدثن فيها عن انطباعاتهم حول المهرجان، ووضع صناع السينما العرب عالميًا.
المشاركة في مواهب برليناله
أحمد: ما انطباعاتكم حول المشاركة في البرنامج؟فاطمة: أرى المشاركة في برنامج المواهب مفيدة جدًا، خاصةً مشاركتي ضمن برنامج محطة الأفلام القصيرة Short Film Station الذي أضاف لي الكثير، انتهيت هذا الصباح من التدريب على عمل عرض تقديمي لمشروعك.
زين: هذه المشاركة من حسن حظك، لأني على العكس شعرت ببعض الإحباط من وجودي في البرنامج دون مشروع، أظن أن الحضور كجزء من برنامج تدريبي أو ضمن سوق الإنتاج المشترك مفيد أكثر من الحضور بشكل مستقل كموهبة.
فاطمة: أعتقد أن الأمر يرتبط أيضًا بالمرحلة في مسيرتك. الكثير مما حضرته هنا جديد عليّ، والأهم هو القدرة على تقديم نفسك للسوق السينمائي الضخم في برلين.
ماريا: تعليقي الوحيد هو تعامل إدارة البرنامج معك كطالب، حتى اللقاءات تُسمى دروسًا، ربما يكون هذا هو الاتجاه العام لكني لم أتوقعه. لكنه إجمالًا امتياز أن يتم اختيارك بين كل هؤلاء المواهب.
أحمد: ما أبرز الفاعليات التي حضرتموها خلال برنامج المواهب؟
زين: لقاء تعشى وتألق Dine and Shine الذي قمنا خلاله بالتعرف على عدد من الشخصيات البارزة، كذلك دائرة المواهب Talent Circle الذي حضره عدد من الممولين.
حضور السينمائيين العرب في برلين
أحمد: عندما حضرت برليناله لأول مرة عام 2014 كان هناك حضور بارز للأفلام العربية، ربما بسبب الربيع العربي الذي كان يشغل العالم كله، الآن أشعر أن حضور السينمائيين العرب أكثر خفوتًا. كصانعات سينما شابات من العالم العربي، هل تشعرون بأنكم مرحب بكم؟زين: في برنامج المواهب لم أشعر بأي تمييز أو عنصرية، بالعكس كانت المساواة واضحة بين الجميع، حتى وسط الوضع السياسي المشتعل حاليًا.
فاطمة: يمتلك السودان الرافدين العربي والأفريقي، وأرى نفسي صانعة أفلام أفريقية بالأساس، وبالرغم من سمعة برليناله باعتباره المهرجان الأكثر استضافة للسينما الأفريقية، لكن عدد المشاركين الأفارقة في برنامج المواهب لا يتجاوز العشرة وهو ما لفت انتباهي. أعتقد أن السينما الأفريقية تحتاج لمزيد من التمثيل.
ماريا: كنت في ألمانيا قبل شهرين، وكنت قلقة من ذكر كوني فلسطينية وسط الوضع العام آنذاك، الآن أشعر بالثقة وسط هذه المجموعة المتنوعة من الفنانين من حول العالم.
عبء الفنان وقضية بلاده
أحمد: كوننا ننتمي لمنطقة مشتعلة من العالم، هل هذا عيب أم ميزة بالنسبة للفنان؟ هل هو مادة خام للأفلام أم تحميل لمسؤولية قد لا يرغب الفنان في تحملها؟ماريا: أغلب الأفلام الفلسطينية في الماضي والحاضر وحتى المستقبل تحكي عن القضية، بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتالي أغلب الأدوار التي قدمتها تتعلق بالقضية. مرات أشعر بالغيرة لرغبتي في تجريب أنواع وأدوار مختلفة، قصة حب كالتي يعيشها كل إنسان حتى في ظل الحرب والاحتلال. أتمنى ذلك لكن أتفهم في الوقت نفسه أن كل فنان يحمل قضيته وشعبه أينما ذهب.
فاطمة: المعيار هو أن تحاول صنع الفيلم المقرب لقلبك عن موضوع تريد طرحه. الفيلم القصير الذي أشارك به في برنامج المواهب عن شابة سودانية مسلمة تعيش في الولايات المتحدة، تموت والدتها ويكون عليها أن تقرر هل تدخل جسدها ليُغسّل على الطريقة الإسلامية أم لا. موضوعي ليس الإسلاموفوبيا أو الاندماج في المجتمع الأمريكي، وإنما عن شعور إنساني عام عندما نفقد شخص نحبه. أحلم أن أساعد صناع السينما السودانيين على التحرر من الشعور بضرورة عمل أفلام عن الموضوعات التي تهم الممولين والمبرمجين الأوروبيين.
زين: تجربتي كانت عسيرة مع فيلمي الطويل الأول الذي أعمل عليه حاليًا وموضوعه عن مرض نفسي، وهو أمر نادر في العالم العربي. وجدت توقعًا بأن يكون الفيلم العربي أو الأردني يتحدث عن الأوضاع السياسية والاقتصادية، عن حقوق المرأة، عن فلسطين، وغيرها من الموضوعات المعتادة. أحاول حكي قصة عن عالم أعرفه، لسنا كلنا في المنطقة العربية نعيش الحرب والفقر الشديد، نحن نعيش في ظروف مختلفة، لدينا قصصنا الخاصة، لا ينبغي أن يكون كل فيلم عن مشكلة عامة أو يحاول تغيير قانون ما. السينما أداة رائعة للتغيير طبعًا، لكن من حقي أن أقرر ألا استخدمها بهذه الطريقة، أريد صنع أفلام عن البشر وليس عن القضايا.
فاطمة: بالمناسبة حتى في الدول التي تمتلك صناعة سينمائية ضخمة كالولايات المتحدة وبريطانيا، يظل صناع السينما المستقلون في حاجة لان يحضروا إلى مهرجان مثل برلين للبحث عن تمويل لأفلامهم. يشعرني هذا ببعض الاطمئنان أن الأمر لا يتعلق بهويتي، بل بكل من يريد أن يصنع سينما مغايرة للسائد في أي مكان. أضف لذلك في حالة السودان إنه لا يوجد تراث سينمائي من الأساس، وبالتالي كل شيء يعد جديدًا، حتى لو تشابهت بعض عناصر القصص مع أفلام أخرى، تظل الشخصية السودانية والبلد التي تحتضن الحكاية جديدة على الشاشة، هذا يزيد التحدي علينا كصناع أفلام، لكنه يفتح المزيد من الأبواب.
اقتراحات وملاحظات
أحمد: هل لديكم تعليقات إضافية حول تجربة مواهب برليناله أو اقتراحات للبرنامج؟زين: ضايقني بعض الشيء عدم السماح لنا بدخول سوق الفيلم الأوروبي في الأوقات الرئيسية، فالهدف الرئيسي هو أن نقابل المشاركين في السوق وهذا لم يتحقق بالسماح لنا بالدخول في المساء وبعد انصراف الجميع.
ماريا: أيضًا في أمسية "تعشى وتألق" كان علينا التنقل فقط بين ثلاث طاولات والجلوس طويلًا مع من يجلسون بالصدفة معنا، ربما لو زادت إمكانية التنقل بين الطاولات سيزيد ذلك من استفادة المشتركين وإمكانية مقابلتهم لمن يضيف لهم. كذلك أرى أن برنامج التمثيل كان في حاجة لأكثر من يومين من الورش التي كانت مفيدة جدًا، لكني شعرت بأنها انتهت سريعًا.
فاطمة: تعليقي سيكون إيجابي عما تأكّد لي هنا، بأنك من الممكن أن تضع خطة وتتخيل أنك ستستفيد بمقابلة شخص بعينه، لكن المقابلة تُحبطك، بينما تقابل خلال المشاركة شخص آخر يبدو بعيدًا عنك تمامًا، لكنه يتمكن من مساعدتك بشكل ما، ربما بتوصيلك بأحد يعرفه أو تقديمك لممثل ما. هذه صناعة غير متوقعة ومليئة بالمفاجآت، فقط عليك أن تدع عقلك مفتوحًا ومستعدًا.
٢٠٢٤ فبراير