خلقت جائحة كوفيد-١٩ وضعَا غير مسبوقِ من الإغلاق والعزلة الاجتماعية والتراجع الاقتصادي في أغلب البلدان حول العالم، وضع تجد الدول والمواطنون على حد سواء مشقة في التعامل معه. ففي الجزائر، فقد الكثير من الناس وظائفهم ولم يعودوا قادرين على تدبير أمور معيشتهم. وحيث تفشل السلطات في تقديم المساعدة يهب المجتمع المدني للعمل.
في الواقع، لا تعاني البلاد من صدمة واحدة فقط بل من اثنتين: تفشي كوفيد-١٩ والتراجع الحاد في أسعار النفط. تحاول الحكومة حماية المعاشات في القطاع العام والإنفاق في الرعاية الصحية. وتبذل كذلك الكثير من الجهود للحد من انتشار مرض فيروس كورونا.
ومع فداحة الأزمة الصحية، وضعت مرونة المجتمع المدني الجزائري وقدرته على المحك، كذلك الأمر. فعلى جناح السرعة خرجت مبادرات المواطنين للعيان في مختلف المناطق الجزائرية وذلك لتعويض قصور السلطات والاندفاع لمساعدة فئات المجتمع المستضعفة والمعرضة للخطر أكثر من غيرها. وساهمت فورة تضامن استثنائية في تعبئة عدة جمعيات وفعاليات اقتصادية خاصة وشبكات الشباب غير الرسمية، والمواطنين الأفراد.
التضامن على الأرض....
في تيزي وزو في منطقة القبائل تنظم مبادرة أس أو أس القبائل (نداء استغاثة: أنقذونا)، بالتعاون مع الشبيبة الرياضية لمنطقة القبائل، حملة لجمع التبرعات والغذاء لدعم المستشفيات والعائلات المحتاجة. حيث يتم نقل كميات كبيرة من الغذاء إلى عدة بلديات في المنطقة ويتم توزيعها من قبل مسؤولين منتخبين محليًا ومجتمعات ريفية لتفادي نزوح المدنيين أثناء الجائحة.وتوزع مبادرة تدعى التضامن الشعبي أطلقتها منظمة كير سور لا مان (القلب على اليد)، الغذاء على العائلات في المناطق الأكثر تأثرًا بالجائحة، بما فيها بليدة. "تهدف هذه المبادرة إلى توفير سلة غذائية أسبوعية إلى العائلات التي عادةً ما تعتاش على أجر العمل اليومي (العمال المياومين) والذين وجدوا أنفسهم محرومين كليًا أثناء الجائحة. كذلك فإن الحليب والحفاضات متوفرة للأطفال بحسب الحاجة"، يقول فارس قادر أفاق، رئيس المنظمة. والجدير بالذكر أن جزءًا كبيرًا من الأيدي العاملة في الجزائر هم موظفون في القطاع غير الرسمي. وهذا من شأنه أن يجعل وضع مئات الآلاف من العائلات صعباً جداً ذلك لأنهم مجبرون على الالتزام بتدابير الاحتواء. يضيف فارس قادر أفاق القول: "لقد تم من خلال هذه المبادرة، تقديم المساعدة إلى ٦٤٠ عائلة: ٤٤٠ عائلة في الجزائر العاصمة و٢٠٠ في بليدة. وتم توزيع ١٨٦٠ سلة غذائية في الجزائر العاصمة وحدها".
وعلى الإنترنت...
هناك العديد من المبادرات الجديرة بالاهتمام في الفضاء الرقمي كذلك. Net3awno (لنساعد بعضنا) هو منبر تعاوني يهدف إلى ربط المنظمات والمجموعات التضامنية والأفراد في الجزائر الملتزمين بالقضايا الخيرية مع ممولين محتملين. وهو يسعى إلى تشجيع الانخراط على الأصعدة المحلية وللاستجابة لاحتياجات معينة لعدة مجموعات سكانية. مبدؤها في العمل بسيط – ما عليك إلا التسجيل وإنشاء حساب (كشخص أو منظمة)، واختيار واحدًا من خيارين: أريد المساعدة أو أحتاج للمساعدة. إذا كنت تريد المساعدة ما عليك إلا القيام بملء "صفحة مشروع" أساسية جدًا وتصف بأكبر قدر من التفصيل حاجتك للمساعدة. أما إذا أردت المساعدة، راجع المشاريع المختلفة القائمة التي يعمل المنبر على ترويجها والتبرع بالغذاء، على سبيل المثال.يقول نسيم بلة، أحد مؤسسي المنبر: "لقد تم إنشاء Net3awno من قبل مجموعة من المتطوعين من الجلفة ووهران ومستغانم والجزائر وباريس. وهي تتلقى الدعم والمساندة من قبل شبكة من الجماعات التضامنية التي تساعد الأشخاص المحتاجين. وتطلق هذه الشبكة المؤلفة من منظمات مستقلة وجمعيات تعاونية وأشخاص على نفسها اسم شبكة Net3awno DZ Network."
Net3awno (لنساعد بعضنا) هو منبر تعاوني يهدف إلى ربط المنظمات والمجموعات التضامنية والأفراد في الجزائر الملتزمين بالقضايا الخيرية مع ممولين محتملين. | ©Net3awno
أي شيء ينفع
بالإضافة إلى جميع المبادرات الآنفة الذكر، يشارك أفراد من شتى الخلفيات الاجتماعية ضمن إمكانياتهم المتاحة. حيث يقدّم الناس شققهم وسياراتهم لفرق العناية الطبية، ويضع أصحاب الفنادق منشآتهم تحت تصرف خدمات الصحة العامة؛ ويبادر الشباب لصنع الكمامات وتوزيعها بالمجّان؛ كذلك يقدم أصحاب الشركات سيارات الإسعاف للمشافي؛ ويحضّر الناس وجبات مجانية للعاملين في مجال الرعاية الصحية؛ ويقوم المتطوعون بالتعبئة لما فيه فائدة الأشخاص الأكثر تضرّرًا؛ كذلك عاد الأطباء المتقاعدون إلى الخدمة. وإذا كان كل ذلك ليس بكاف، فإن المساهمات ترد كذلك من الموقوفين في سجن تيزي وزو الذين يقومون بصنع المرايل الطبية.وبالرغم من الضائقة الشديدة في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي، يُظهر المجتمع المدني الجزائري حيويته وقدرته على التكيف والتعامل مع أزمة كبرى. وليس هناك من شك في أن هذه التعبئة ستتيح للبلاد الخروج بأقل ضرر ممكن.
٢٠٢٠ مايو