لقد أدت الحروب والكوارث المناخية إلى نقص الغذاء في جميع أنحاء العالم. ورغم ذلك، لا يزال بإمكاننا تأمين الغذاء على نحو منصف عالميًا، ولكن فقط لو ما غيرنا من أساليب الإنتاج وسلوكيات الاستهلاك.
لقد زادت تكاليف المعيشة في كينيا زيادة ملحوظة على مدى الأشهر القليلة الماضية. فإلى جانب ارتفاع سعر زيت الطعام، ارتفعت أيضًا أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية، كالحليب ودقيق الذرة. وهذا يعود جزئيًا إلى الزيادات الضريبية الكبرى التي أقرتها الحكومة على كثير من السلع، وذلك في خضم مرور البلاد بأزمة ديون حادة ومحاولاتها المستميتة للبحث عن مصادر دخل جديدة. فقامت، على سبيل المثال، بمضاعفة ضريبة القيمة المضافة على غاز البروبان ليصل إلى ١٦ بالمئة.
تفاقُم أزمة نقص الغذاء بسبب حرب أوكرانيا
ومنذ فبراير ٢٠٢٢ تفاقمت أزمة الغذاء جراء الهجوم الروسي على أوكرانيا. كان لروسيا وأوكرانيا قبل الحرب دورًا محوريًا في تأمين الغذاء العالمي، حيث ساهمتا معًا بنحو ٣٠ بالمئة من صادرات القمح العالمية، و٦٠ بالمئة من زيت الطهي و١٥ بالمئة من الذرة، التي تعتمد عليها كثير من البلدان كغذاء أساسي. وبحسب التقديرات الأخيرة لمنظمة الأمم المتحدة، اعتمدت الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى على استيراد نحو ٤٤ بالمئة، والصومال أكثر من ٩٠ بالمئة، من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا.ومنذ اندلاع الحرب واجهت الدول صعوبات بالغة في استيراد الحبوب وزيت الطهي من أوكرانيا، وارتفعت الأسعار، وفقًا لبنك التنمية الإفريقي، بنسبة ٦٠ بالمئة بسبب نقص السلع. وذلك في فترة ازدادت فيها حاجة الدول في شرق وغرب القارة إلى الاستيراد بسبب نقص الإنتاج جراء موجات الجفاف الشديد.
أمل في احتواء الأزمة
بعد توسُّط الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، بين أوكرانيا وروسيا، أبرمت الدولتان في ٢٢ يوليو ٢٠٢٢ اتفاقًا مع تركيا من شأنه أن يخفف من وطأة الأزمة وإتاحة الفرصة لتصدير ملايين الأطنان من الحبوب من أوكرانيا. ينص الاتفاق على فتح ممر آمن لمرور سفن الشحن من ناحية، وتفتيش تلك السفن للحول دون نقل الأسلحة، من ناحية أخرى. وبموجب هذا الاتفاق غادرت بالفعل أو سفينة محملة بالقمح ميناء أوديسا في الأول من أغسطس ٢٠٢٢، إلا أنه علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كانت الدول ستلتزم بهذه الاتفاقية أم لا.ولكنّ روسيا لم تواجه صعوبة في تصدير المواد الغذائية على مدى الأسابيع الماضية لكونها معفاة من العقوبات. يقول ماتان القائم، أستاذ الاقتصاد الزراعي والباحث في العلوم الزراعية وأحد مدراء مركز البحوث التنموية (ZEF) في بون: "روسيا هي أكبر مصدر للقمح في جميع أنحاء العالم. ويتوافر لديها نحو ١٠ بالمئة من الأراضي الصالحة للزراعة عالميًا." ويسعى الرئيس بوتين حاليًا إلى استغلال ما تتمتع به بلاده من إمكانات استغلالًا إستراتيجيًا، وذلك من خلال السماح بالتصدير إلى الدول الصديقة فقط، أو إلى الدول الخاضعة أو المراد إخضاعها لروسيا. ويؤكد القائم أنه بعد توقُّف روسيا عن التصدير لفترة قصيرة في مارس ٢٠٢٢، بلغت صادراتها الآن أكثر من ٨٠ بالمئة من حجم صادراتها السابق للحرب، ولكن، لبلدان معينة فقط، كما سبق وأشرنا. ولذلك، فإن الخطر الحقيقي يتمثل في انقسام العالم إلى معسكرين، معسكر الدول الصديقة المعتمدة على صادرات روسيا، والعكس.
ارتفاع أسعار الطاقة ينعكس على أسعار السلع
ووسط تخوفات من نقص الطاقة، ارتفعت أسعار الوقود، وسينعكس ذلك بدوره على تكاليف النقل وبالتالي على أسعار البضائع. ولكن الوضع في كينيا، وغيرها من الدول، أكثر سوءًا بكثير بسبب اعتماد إنتاج الأسمدة النيتروجينية الأساسية على غاز الميثان المستخرج من الغاز الطبيعي. ولذلك، نجد أن الحرب قد تسببت في الوقت نفسه في ارتفاع أسعار الأسمدة الصناعية.إن نقص الحبوب في السوق العالمية لا يعود فقط إلى تراجع صادرات أوكرانيا من الحبوب، لأنه في منتصف شهر مايو ٢٠٢١ أعلنت الهند حظرًا شبه كامل على تصدير القمح بسبب الانخفاض الشديد في إنتاجية المحاصيل جراء موجة الحر التي تعرَّضت لها البلاد. مع العلم أن إنتاج هذه الدولة الأسيوية من القمح كان قد بلغ ١١٠ مليون طن قبلها بعام، واحتلت بذلك، بحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، المركز الثاني في قائمة الدول المنتجة للقمح لعام ٢٠٢٠. وأشار القائم إلى أن الضجة التي أثيرت حول هذا الحظر قد أغفلت أن إنتاج الهند من القمح موجَّه في المقام الأول لتغطية احتياجاتها الضخمة، وإلى أنها في سنوات القحط تضطر لاستيراد كل احتياجاتها من القمح. وعلى الرغم من ذلك، كان المجتمع الدولي يأمل في أن تتمكن الهند كدولة مصدرة من تخفيف حدة أزمة نقص الغذاء.
تفاقم الأزمة بسبب الكارثة المناخية
إن حظر الهند لتصدير القمح ما هو إلا مثال آخر على ما سيكون لأزمة المناخ من تأثير جذري على الأمن الغذائي خلال السنوات القادمة. وتجلت أيضًا عواقب أزمة المناخ المهددة للحياة على ذوي الدخول المنخفضة في دول القرن الإفريقي. وامتدت موجات الجفاف الشديد لتهدد غرب أفريقيا أيضًا وبمجاعة نحو ٤٠ مليون شخص.
ودعا خبير الاقتصاد الزراعي تيموثي نچاجي أيضًا إلى تكثيف الدعم المقدم للقطاع الزراعي في البلدان الأفريقية. وأكد أن الاتحاد الأوروبي يدعم بالفعل المشروعات الزراعية في إفريقيا منذ فترة طويلة، ولكن في إطار مصالحه الخاصة. واستشهد في هذا الصدد بصناعة منتجات الألبان التي حرص الاتحاد الأوروبي على تعزيزها، على الرغم من صعوبة تربية الماشية في معظم المناطق الأفريقية بسبب الجفاف. ولذلك، لم تحقق المشروعات الأوروبية في هذه المناطق الهدف المنشود منها. وأشار الباحث الكيني إلى أن تعزيز النقل المعرفي من العوامل الهامة لتحقيق نظام غذاء متكافئ عالميًا. وهذا يسري أيضًا على "الصفقة الخضراء" للاتحاد الأوروبي، التي تهدف إلى تحويل أوروبا إلى قارة محايدة مناخيًا بحلول عام ٢٠٥٠. يسعى الاتحاد الأوروبي من خلال هذه الصفقة إلى وضع معايير غذائية عالمية.
وينبغي على دول أفريقيا أن تعمل في الوقت نفسه على تعزيز إنتاجها من المنتجات العضوية في حالة رغبتها في التصدير إلى أوروبا. لكننا لم نصل لهذه المرحلة بعد، على حد قول نچاجي. يجب على أوروبا أن تشاركنا معارفها حول السبل العضوية لمكافحة الآفات الزراعية بالاستناد إلى تكنولوجيا المعلومات، بدلًا من وضع مزيد من العقبات التجارية أمام الدول الأفريقية. واقترح نچاجي في هذا الصدد أن يتم تعزيز التعاون بين الجامعات الأفريقية والألمانية. فهو واثق من أن الباحثين والباحثات الأفارقة قادرين على الاستفادة مما توصلت إليه ألمانيا في هذا المجال لإيجاد حلول متكافئة وملائمة للأوضاع المحلية، من دون الحاجة إلى تقليد الممارسات الأخرى تقليدًا أعمى.
انخفاض الإنتاجية الزراعية لأفريقيا
إن تراكم الظواهر المناخية المتطرفة ليس هو السبب الوحيد وراء النقص الشديد في المواد الغذائية. فلقد لفت كريستيان بورجِمايستر، أحد مدراء مركز البحوث التنموية (ZEF) بجامعة بون، انتباهنا إلى العامل المتمثل في النمو السكاني المطرد مؤكدًا بنبرة لم تخلُ من الأسف أن زيادة حجم الإنتاج قد عجزت عن مواكبته.وأكد القائم أن هناك دول قادرة على زيادة حجم إنتاجها الزراعي بشكل ملحوظ، لكنه تم إهمال الزراعة وتنميتها تعسفيًا على مدى عقود بسبب اعتماد الدول الصناعية ودول الجنوب العالمي على التصنيع في المقام الأول، وفقًا لنموذج التنمية الذي تم الترويج له عالميًا منذ الخمسينيات من القرن الماضي. وعلق ماتان على ذلك قائلًا: "لم يهتم أحد بالنهوض بالزراعة، بل فقط بكيفية تنشيط الصناعة." وتبين اليوم أنه تصرف خاطئ. كان من شأن العديد من الدول الأسيوية، تعزيز استثماراتها في مجال الزراعة في أعقاب الثورة الخضراء، منذ أواخر الستينيات وفي السبعينيات، لأن العالم كان قد أدرك أهمية الزراعة في مكافحة الجوع والفقر، على حد قول القائم. لكنّ هذا لم يكن بمقدور أفريقيا التي لم باءت الثورة الخضراء بالفشل في معظم دولها.
نحو نظام غذاء عالمي متكافئ
يرى القائم، وغيره من الخبراء، أنه من الممكن إرساء نظام غذاء عالمي متكافئ، حتى في ظل الحروب والكوارث المناخية القائمة. ولكنه يؤكد في الوقت نفسه على أن هذا الأمر يتطلب إضفاء قدر من الاستدامة على السلوك الاستهلاكي. وهذا يعني تقليل الإهدار في المقام الأول، وكذلك تقليل استخدام الحبوب كعلف لتسمين الحيوانات. "أي التقليل من الاستهلاك المفرط للحوم الذي تجلى في الآونة الأخيرة، لاسيما في البلدان الغنية." وأكد في الوقت نفسه، على ضرورة تعزيز الإنتاج الزراعي حيثما تتوافر الظروف الزراعية المواتية، ولكن بأساليب مستدامة وصديقة للبيئة.ودعا خبير الاقتصاد الزراعي تيموثي نچاجي أيضًا إلى تكثيف الدعم المقدم للقطاع الزراعي في البلدان الأفريقية. وأكد أن الاتحاد الأوروبي يدعم بالفعل المشروعات الزراعية في إفريقيا منذ فترة طويلة، ولكن في إطار مصالحه الخاصة. واستشهد في هذا الصدد بصناعة منتجات الألبان التي حرص الاتحاد الأوروبي على تعزيزها، على الرغم من صعوبة تربية الماشية في معظم المناطق الأفريقية بسبب الجفاف. ولذلك، لم تحقق المشروعات الأوروبية في هذه المناطق الهدف المنشود منها. وأشار الباحث الكيني إلى أن تعزيز النقل المعرفي من العوامل الهامة لتحقيق نظام غذاء متكافئ عالميًا. وهذا يسري أيضًا على "الصفقة الخضراء" للاتحاد الأوروبي، التي تهدف إلى تحويل أوروبا إلى قارة محايدة مناخيًا بحلول عام ٢٠٥٠. يسعى الاتحاد الأوروبي من خلال هذه الصفقة إلى وضع معايير غذائية عالمية.
وينبغي على دول أفريقيا أن تعمل في الوقت نفسه على تعزيز إنتاجها من المنتجات العضوية في حالة رغبتها في التصدير إلى أوروبا. لكننا لم نصل لهذه المرحلة بعد، على حد قول نچاجي. يجب على أوروبا أن تشاركنا معارفها حول السبل العضوية لمكافحة الآفات الزراعية بالاستناد إلى تكنولوجيا المعلومات، بدلًا من وضع مزيد من العقبات التجارية أمام الدول الأفريقية. واقترح نچاجي في هذا الصدد أن يتم تعزيز التعاون بين الجامعات الأفريقية والألمانية. فهو واثق من أن الباحثين والباحثات الأفارقة قادرين على الاستفادة مما توصلت إليه ألمانيا في هذا المجال لإيجاد حلول متكافئة وملائمة للأوضاع المحلية، من دون الحاجة إلى تقليد الممارسات الأخرى تقليدًا أعمى.
٢٠٢٢ أغسطس