تستضيف مصر في شهر نوفمبر من هذه السنة مؤتمر كوب 27، وهو المؤتمر الأكثر أهمية بشأن التغير المناخي، ومؤتمر الأطراف الخامس الذي ينعقد في أفريقيا. وسيتطرق المؤتمر إلى الآثار الخطيرة للتغير المناخي التي تواجه العالم. مقال رأي بقلم الناشطة البيئية االمصرية منار رمضان.
تعاني مصر من آثار التغير المناخي لما يربو على عقد من الزمن. حيث يهدد ارتفاع منسوب البحر الساحل الشمالي لمصر. كذلك فإن ملوحة التربة في دلتا النيل، المسؤولة عن إنتاج أكثر من 33% من الأمن الغذائي في مصر. آخذة بالتدهور. وبالإضافة إلى الخلفية السياسية لبلدان حوض النيل، فإن حصة مصر المائية تتضاءل، وهذا بدوره يترك أثره على الفعاليات الزراعية. كما أن الهطول السريع للأمطار الغزيرة، وموجات الحر الشديدة، والظروف المناخية السيئة تضيف مزيدًا من الضغط على الوضع العام.الأمل في السكان: مبادرات القاعدة الشعبية
كوني أعمل مع إحدى منظمات المجتمع المدني التي تعمل مع الأشخاص المتضررين على الأرض، فإنني أشهد كيف أن آثار التغير المناخي تحدث مسبقاً من حولنا، وكيف أن مبادرات القاعدة الشعبية تكافح من أجل إيجاد الحلول.فعلى سبيل المثال، عملت منظمتي مع مجموعتين من صيادي الأسماك، من مدينتين في شمال مصر، حيث أكدتا على أن الظروف المناخية القاسية قد فاقمت من مستوى التلوث الآخذ بالازدياد. وقد لوحظ هذا في تردي نوعية الأسماك وظهور أنواع جديدة على شواطىء البحر الأبيض المتوسط.
هذا، ويقوم صيادو الأسماك والمزارعون بتشكيل لجان قادرة على التكيف مع أزمة التغير المناخي دون انتظار دعم كبير على مستوى الأفراد من الحكومة. وتشكل الإسماعيلية، المدينة المشهورة بأنها أكثر المدن إنتاجًا للمانجو في مصر، مثالاً على ذلك. وقد تضررت بشدة من موجات الحر الشديدة سنة 2021، ما أدى إلى انخفاض كبير في معدل الإنتاج السنوي. وبسبب هذه الخسارة الكبيرة، نظّم المزارعون أمورهم بأنفسهم، ووضعوا ثقة أكبر في معرفتهم التقليدية. فقاموا بتقليم أشجار المانغو بطريقة تحث على الاستطالة، وتركوا مسافات أكبر بين الأغصان. لذلك، عندما ضربت موجات الحر الشديدة المزارع مرة أخرى، كان لدى الأشجار حينها استراتيجية تأقلم: مسافات للتنفس. ويشكل هذا مثالاً رائعاً عن كيفية اقتراح المجموعات ذاتية التنظيم حلولاً لما يواجههم راهناً من تحديات.
جهود كبيرة مبذولة في مواجهة التناقضات
تضافرت الجهود بين المجتمع المدني الأخضر والحكومة مع إطلاق المبادرة الرئاسية " توجّه نحو الأخضر". حيث أدركت وزارة البيئة أن العمل يداً بيد مع الشباب أصبح الطريقة الوحيدة لتحقيق الأهداف الدولية التي تسعى نحو التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر. تم إطلاق الشراكات مع عدة مشاريع شبابية، وشكّل العمل الميداني الذي يشغل القطاع العام ثمرة جميلة تم قطافها من هذا التعاون، وذلك عبر تنظيف الشواطىء العامة، والتحول الأخضر للمناطق، بالإضافة إلى مشاريع أخرى.إلا أن المجتمع المدني المصري لا يزال يعاني من خيبة الأمل إزاء الأفعال العكسية التي تمارسها الدولة من قطع للأشجار في الحدائق العامة، إلى توسيع ممرات المشاة، وتخصيص الشواطىء العامة. وجميعها تشكل الرئة لمدن كبرى عديدة والنافذة الوحيدة لتواصل الناس مع الطبيعة. ومن بين الإجراءات العكسية الأخرى التي اتخذتها الحكومة قطع الأشجار في منطقة هليوبوليس في القاهرة، والتي ثبت أنها حل غير مستدام، بل العكس هو الصحيح. كما زادت الحكومة من الغابات الاسمنتية، وذلك ببناء المزيد من الجسور بحجة أن الهدف هو حل مشكلة السير. على أن الحل لا ينبغي أن يكمن في إزالة المساحات الخضراء لإنشاء طرق أكبر للسيارات، بل في استثمار الأموال في ابتكار حقيقي للبينة التحتية والنقل العام، يكون متاحًا للجميع وبأسعار معقولة. ومن دون شك، فإن تطوير النقل العام سيحسّن من وضع أزمة المرور الخانقة في الشوارع المصرية.
ومن بين الأمور الجوهرية الأخرى أن الدفاع عن البيئة لا يمكن فصله عن العدالة الاحتماعية والاقتصادية، ولا سيما في دولة في حالة تأهب أمني عال لأسباب سياسية مختلفة. لا يمكننا التأكد من أمننا حيث أن النشطاء البيئيين يطرحون أسئلة جذرية. كيف يمكننا أن نستضيف مؤتمر الأطراف السابع والعشرين COP27، ونحن من ناحية نحاسب الدول الملوثة ونطالب بالعدالة المناخية، ومن ناحية أخرى نقوم بإزالة الأشجار من الأماكن العامة كي يتم استبدالها بمشاريع تجارية؟ إن الطبيعة المتناقضة للمؤتمر تثير الشكوك حول شفافية الحدث في تناول القضايا البيئية الحقيقية والمصيرية التي يريد الشباب طرحها على طاولة النقاش. هل سنًرغم كنشطاء على اتخاذ رأي على جانب أكبر من التحيز لا يتناول الواقع والتناقضات؟ هذا هو السؤال الذي لا يزال يفتقد لإجابة.
ما الذي نأمل به كمنظمات مدنية مصرية
منذ آذار/مارس 2022، وحّدت العديد من المنظمات المجتمع المدني المصري. تشاركنا المعرفة حول تمويل الأنشطة المتعلقة بالمناخ، والمشاريع العملاقة التي تنفذها مصرللتأقلم مع التغير المناخي. ولاحقًا، في يوليو، وبالتنسيق مع محور السياسة العامة في الجامعة الأمريكية في القاهرة، قمنا بوضع عدة مطالب نتوجه بها إلى رئاسة مؤتمر الأطراف السابع والعشرين.المطلبان الأساسيان اللذان تضمنهما النقاش هما:
ضمان العدالة المناخية على المستوى الفردي
لا ينبغي إنفاق جزء من التمويل الأخضر من جانب البلدان الملوثة (بكسر وتشديد الياء) على مشاريع البنى التحتية العملاقة فقط (كالتأقلم مع ارتفاع منسوب البحر على سبيل المثال)، بل ينبغي تخصيصه "كأموال لمواجهة الخسائر والأضرار" والتي يتم تقديمها لأشخاص فقدوا منازلهم بسبب الفيضانات والأمطار الغزيرة. يمكن للأموال أن تدعم أيضًا المزارعين الصغار ممن يخسرون محاصيلهم الزراعية بفعل موجات الحر الشديدة، والظروف المناخية القاسية، وندرة المياه. ذلك أن العديد من الفئات الضعيفة المتضررة تقطن مناطق نائية، وفي ظروف اجتماعية-اقتصادية صعبة، وتشكل هذه الفئات حواجز صامدة في وجه التأثيرات الضارة للظروف المناخية. ومن بين الأمثلة على هذه الفئات القبائل التي تعيش على امتداد محافظة البحر الأحمر، المزارعون في قرى النيل الصغيرة، وقاطنو الجزر في أسوان، جنوب مصر. وينبغي استكمال هذا التمويل بالتحول التكنولوجي لتحسين أنظمة الري في المناطق الهشة للحفاظ على المياه، بالإضافة إلى المزيد من المحاسبة والشفافية في كيفية إنفاق الميزانية الخضراء.
مشاركة دراسات حالة ظاهرة التأقلم عند القاعدة الشعبية
كما بدأنا هذه المقالة بتقديم أمثلة عن كيفية اتخاذ المزارعين المحليين خطوات للتأقلم مع موجات الحر الشديدة، فإنه يلزمنا الآن تبادل هذه الأمثلة مع غيرنا من النشطاء الشباب في أفريقيا. ينبغي تبادل المعرفة بين منظمات المجتمع المدني الإفريقية بحيث لا يحتاج أحد إلى صعود السلم من أسفله.
وفي ختام هذا النقاش، إن مؤتمر الأطراف السابع والعشرين على غاية من الأهمية، ليس لمصر فحسب، بل للقارة برمتها. هذا ويحدوني الأمل برؤية جدول أعمال منظمات المجتمع المدني وقد لقي آذاناً صاغية في المنطقة الزرقاء حيث تعقد جميع المفاوضات.
إننا نطالب بالمزيد من التركيز على استراتيجيات التكيف، ووضع حد لمظاهر الإزالة الشاملة للأشجار على الطرق العامة وممرات المشاة، وتخصيص ميزانية أكبر لإنقاذ الفئات الضعيفة تحت عنوان "الخسارة والضرر"، وأخيرًا، مشاركة خبرتنا في الجهود المبذولة للتكيف مع منظمات المجتمع المدني الإفريقية الأخرى. كذلك تشكل الشفافية والمحاسبة مطلباً جلياً آخر.
نأمل أن يتم أخذ هذه المطالب بعين الاعتبار في المناقشات الرسمية في الأيام الإثني عشر القادمة في المؤتمر.
٢٠٢٢ نوفمبر