كانت مسألة "العدالة المناخية" في صلب مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP27 في شرم الشيخ، مصر. فما هي المكاسب الكبرى التي تحققت وماهي الخيبات الكبرى التي نجمت عن هذا المؤتمر؟ تقدم لكم الناشطة البيئية منار رمضان نظرةً ثاقبة عما حدث في مؤتمر هذه السنة وكيف يمكن أن نتابع بدءاً من هذه النقطة.
كانت مسألة "العدالة المناخية" في صلب مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP27 في شرم الشيخ، مصر. فما هي المكاسب الكبرى التي تحققت وماهي الخيبات الكبرى التي نجمت عن هذا المؤتمر؟ تقدم لكم الناشطة البيئية منار رمضان نظرةً ثاقبة عما حدث في مؤتمر هذه السنة وكيف يمكن أن نتابع بدءاً من هذه النقطة.كمراقبة تتابع المفاوضات والأحداث المقررة التي تحصل هذه السنة في المنطقة الزرقاء والخضراء على حد سواء، كانت "العدالة المناخية" في صلب مؤتمر COP27. كانت هذه السنة استثنائية ذلك لأنه تشكل لدي شعور أنه وأخيرًا، لقيت أصوات الدول التي تقف على عتبة الطوارئ المناخية أذانًا صاغية أثناء المفاوضات بشأن الأزمة المناخية وتوزيع الموارد.
لكن دعونا نبدأ بتعريف ماهية المنطقتين الخضراء والزرقاء؟ يتضمن كل مؤتمر للأطراف منطقتين: المنطقة الزرقاء والمنطقة الخضراء. المنطقة الزرقاء هي مساحة تديرها الأمم المتحدة والمكان الذي تتم فيه جميع المفاوضات. وهي تجمع 197 فريقاً، ودبلوماسيًا ومراقبًا تابعًا للمنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام وعارضي البلدان لمشاريع العمل المناخي التي تتم حاليًا في كل بلد، وتدور حلقات النقاش بمشاركة الفرقاء لهذه القصص. كما يجب أن يكون جميع الحضور في المنطقة الزرقاء معتمدين من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية يشأن تغير المناخ (UNFCCC).
المنطقة الخضراء مفتوحة للجمهور. حيث يمكن لأي كان أن يسجل ويدخل إليها. وهذه يديرها مؤتمر مجموعة الأطراف في البلد المضيف (وزارة البيئة) وتستضيف كيانات تأخذ مبادرات لتنفيذ المشاريع الخضراء، من بينها منظمات النشطاء ووزراء الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمنظمات والمؤسسات الأكاديمية.
"إذا لم نكن نحن، فمن؟ وإن لم يكن الآن، فمتى؟"
استخدم الشعار "إذا لم نكن نحن، فمن؟ وإن لم يكن الآن، فمتى؟" في العديد من الفعاليات التي تجري على هامش المنطقة الزرقاء، والتي ركز الفرقاء فيها بشكل رئيسي على العدالة المناخية. عبّر نشطاء من حول العالم عن شكوكهم حول إذا ما كان "يمكن للحلول الحقيقية أن تأتي من لدن مؤتمر للأطراف يهيمن عليه دول شمال الكرة الأرضية" كما يقول الناشط المناخي الكيني، إيريك جوغونا في معرض التوضيح. وهذا ما أكدته أيضًا عائشة صدّيقة، الناشطة المناخية الباكستانية، والتي أعربت عن حزنها لوفاة 1700 باكستاني على الأقل، وتشريد 8 مليون شخص نتيجة الفيضانات العنيفة التي ضربت البلاد أثناء الرياح الموسمية الأخيرة. حيث قالت: "منذ عام 1992، مولت صناعات الوقود الأحفوري جميع اجتماعات التغير المناخي". وكان هذا افتراضاً دقيقاً حيث انه حتى مؤتمر الأطراف هذا كان ممولاً من قبل 25% من الصناعات القائمة على الوقود الأحفوري، من بينها أعضاء جماعات الضغط في صناعة النفط والغاز أكثر منه من قبل مندوبي دول الطوارئ المناخية.لم تركز محادثات تغير المناخ في مؤتمر الأطراف COP27 فقط على درجات الحرارة التي يتوجب علينا التقيد بها، بل ركزت بشكل أكبر على عدد الأشخاص الذين فقدوا حقوقهم والذين طالتهم الآثار السلبية للتغير المناخي كونهم الجزء الأهم في المعادلة. فآثار التغير المناخي لا تسلب الناس مستقبلهم فحسب، بل بدأت فعليًا بسلب حاضرهم الحالي.
يمكن أن تسير الاستدامة والأعمال جنبًا إلى جنب
في جولة في أرجاء المنطقة الخضراء، عمد عدد أكبر من الشركات إلى مشاركة جهودها وخططها المستدامة التي تصوّب باتجاه سلاسل توريد أكثر خضرة وإلى التقليل من آثارهذه الشركات على البيئة. ومن بين الأمثلة المثيرة للاهتمام برزت شركة "ألباين كرييشنز" “Alpine creations”، وهي شركة حصلت على امتياز في الإسكندرية مؤخراً بالتعاون مع "أليكس أباريلز"Alex” “apparels ، حيث تعمل على إعادة تدوير القماش وبيع المنتجات الجديدة للعلامات التجارية العالمية. "إذا كانت الموضة السريعة هي الآن جزء من النظام الاقتصادي وتحتاج إلى تغيير جذري أكبر، فإنها على الأقل لا تستنزف المزيد من المصادر الطبيعية، وتطلق المزيد من الانبعاثات ويمكنها الآن إعادة استخدام مواد نفاياتها"، تقول راشيل ستاركي. مديرة الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية في شركة ألباين كرييشنز. شرحت المبادرة التي يعملون عليها حاليًا لحل مشكلة "فقر الدورة الشهرية". يصف المصطلح نقص اللوازم الخاصة بالدورة الشهرية التي تباع بأسعار معقولة للنساء في البلاد ذات الدخل المنخفض، مما يتسبب في العديد من الأمراض التناسلية. تأتي مجموعة ألباين بحل ذكي باستخدام قماش النفايات لصنع فوط ذكية يمكن إعادة استخدامها بأقل تكلفة وتوزيعها على النساء في القرى. وهم يتعاونون في مصر مع "بنك الكساء المصري" بالتبرع بـ 10 أطنان من الأقمشة المُعاد تدويرها لهذا الغرض.خيبة أمل بشأن التخفيف والإلغاء التدريجي للوقود الأحفوري
في سنة 2015، نصت اتفاقية باريس أنه على الجهود الدولية أن تركز على تحديد ارتفاع درجات الحرارة عالميًا بـ 1.5 درجة مئوية. وفي هذا المؤتمر حولت البلدان الأكثر تسببًا بالتلوث اتجاه المفاوضات نحو زيادة هذا الحد إلى 2 درجة مئوية بدلاً من التقليل من انبعاثاتها. إنه تكتيك في المفاوضات يشوبه الجهل ونحن لن نتفاجأ فيما لو ناقشوا في مؤتمر الأطراف COP28 سنة 2023 زيادة الحد إلى 2.5 درجة مئوية عوضًا عن اتخاذ مزيد من القرارات الملموسة والصارمة لتجريم التلوث والتقليل من الوقود الأحفوري، وليس فقط الإلغاء التدريجي له.علاوة على ذلك، جرت معظم جلسات المفاوضات في غرف مغلقة حيث لم يسمح للمراقبين بالحضور ومراقبة فيما إذا طالب مندوبو الدول بأجندات كانوا فد وعدوا شعوبهم بها أو فيما إذا ما عقدت صفقات أخرى تحت الطاولة. وقد أكد هذا مخاوفنا كنشطاء مجتمع مدني لجهة انعدام الشفافية في هذه العملية برمتها. ومع إدراكنا بأن الحرب الأوكرانية الحالية قد بدأت بالفعل تدفع الدول الأوروبية لإيقاف خططها بالإلغاء التدريجي للوقود الأحفوري، فإن هذا يدفعنا للتساؤل فيما إذا كانت هذه الدول الأكثر امتلاكًا للتكنولوجيا والمال، والتي هي وراء هذه الأزمة المناخية منذ الثورة الصناعية، ستبادر إلى تحمل المسؤولية للتقدم بحلول عادلة وفورية، وإذا كانت لن تقدم على ذلك فمن سيقدم؟ ومن باستطاعته؟
آمال جديدة بشأن الخسائر والأضرار
بغض النظر عن جميع العوامل السلبية، فقد تحقق أخيرًا مكسب طال انتظاره. فقد شكل تأسيس "صندوق الخسائر والأضرار" لمساعدة الدول الأكثر تأثرًا بالآثار المناخية انتصارًا كبيراً ومعلماً بارزاً لتحقق العدالة المناخية. وكان دفع تعويضات للبلدان الأكثر ضعفاً حاجة ملحة على مدى العقود السابقة. على أن هذه المناطق هي الأقل مساهمة في الأزمة المناخية حول العالم، وهي في أغلبها مناطق فقيرة استعمرت في السابق وتعدم القدرة على التكيف مع الفيضانات والعواصف وموجات الحر الشديد والجفاف.ومع شعاع الأمل هذا، علينا أن نكون متيقظين أيضًا مع تعلم الدرس من مؤتمرات الأطراف السابقة. في عام 2015، تم الاتفاق على دفع الدول الميسورة 100 مليار دولار أمريكي سنويًا لبناء مشاريع التحمل والقدرة على التكيف للمناطق المستضعفة الواقعة تحت تهديد التغير المناخي. على أنه ليس غريباً "ألا تفي" الدول الغنية بالتزاماتها. ومع رؤيتنا أن هذا الانتصار يشكل نقطة بداية عظيمة فإننا ما نزال بحاجة إلى طرح أسئلة حساسة ودقيقة مثل "من سيدفع؟ من يحق له استلام هذه الأموال؟ متى وكم هو المبلغ؟" على الرغم من ذلك، فإن مسألة ما إذا كان ذلك قد شكل انتصارًا عظيماً إنما يتوقف على التنفيذ. سيكون التنفيذ فعالاً بوضع جدول زمني واضح جدًا. يجب على النشطاء ومنظمات المجتمع المدني أن تواصل الضغط على حكوماتها للحصول على أجوبة لهذه الأسئلة، ونأمل أن يتم ذلك في مؤتمر الأطراف في السنة القادمة COP28.
ماذا يلي مؤتمر الأطراف؟
كان الانتصار الأكبر لمؤتمر COP27 إنشاء صناديق للخسائر والأضرار التي لحقت بالبلدان التي تشهد حالات مناخية طارئة. وفي حين لم يلحظ أي تقدم في مسألة الحد من زيادة الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية، فإن الدول الملوّثة لم تلتزم حتى بخطة استراتيجية للإلغاء التدريجي للوقود الأحفوري. الأمر ذاته ينطبق على الخطة غير الواضحة التي تهدف إلى إنشاء صناديق من 100 مليار دولار أمريكي مخصصة للتكيف. يجب تنبي هذه النقاط في مؤتمر الأطراف COP28 الذي سيعقد السنة القادمة. نريد ان نرى، ليس فقط الدول الملوّثة، بل كذلك الاقتصادات القائمة على الإنتاج الكبير للوقود الأحفوري الناشئ كدول الخليج وسنغافورة، تساهم وتلعب دورًا هامًا في النقاش.٢٠٢٢ ديسمبر