بينما يتحضر العالم لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (مؤتمر الأطراف)COP28، نرى التوقعات وقد أصبحت واقعاً ملموساً، وتعكس الحاجة الملحة للتعاون العالمي في وجه الأزمات المناخية المتفاقمة. واستنادًا إلى نتائج مؤتمر السنة الفائتة COP27، يجد المجتمع الدولي نفسه على مفترق طرق، إذ قد تساهم القرارات المتخذة في المؤتمر القادم في إعادة رسم مسار المستقبل البيئي لكوكبنا.
شاركت السنة الماضية في أول تجربة لي في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ، حيث حضرت كأحد أعضاء فريق يمثل قطاعاً خاصاً يعمل على تطوير البنى التحتية. وبمتابعتي للقمم المناخية السابقة عن بُعد لقترة طويلة، كنت متحمسةً لاختبارها بنفسي. ولئن لم يتسنّ لي لعب أي دورفي المفاوضات، إلا أن التجربة كانت تجربة ثرة.وبالتوازي مع المفاوضات، كان برنامج المؤتمر مزدحماً بالأنشطة الجانبية، حيث انعقدت الحلقات والمناقشات بخصوص الحراك المناخي. كذلك سنحت للحكومات والشركات الفرصة لعرض حلولها المناخية التي تتناول واقع عالمها. وكان مما يبعث على الإعجاب مشاهدة الجهود الجماعية لجميع القطاعات ورؤية تنفيذ جميع الأعمال على أرض الواقع.
في شهر تشرين الثاني من العام الفائت كانت الأعين بكافة ترنو إلى شرم الشيخ مصحوبة بنسبة عالية من التوقعات التي تأمل أن تأتي القمة بنتيجة ملموسة على صعيد العمل المناخي. اشتملت أجندة المؤتمر على بعض الجوانب التي لم تُحل بشكل كامل في مؤتمرات المناخ السابقة، بينما ترددت على الأسماع عبارات طنانة مثل الخسارة والضرر.
القضايا الرئيسية التي لم يتم حلها
وبالرغم من الإنجازات البارزة في المؤتمر المناخي COP26 في السنة التي سبقتها، وعلى وجه الخصوص ميثاق غلاسكو للمناخ، والذي تضمن أول التزام واضح بتخفيض استهلاك الفحم، إلا أن العديد من القضايا الرئيسية بقي دون حل. وكان من بين نقاط الخلاف الهامة الإنهاء التدريجي لاستهلاك الفحم، والذي لم يتم الاتفاق عليه من قبل الدول، وطرح عوضًا عنه التخفيض التدريجي للاستهلاك.ومن بين القضايا الحساسة الأخرى على الأجندة التمويل المناخي. والذي يشكل الدافع الرئيسي لتنفيذ العمل المناخي. فمنذ تأسيس اتفاقيات باريس للمناخ سنة 2015، لم يتحقق هدف التمويل السنوي البالغ 100 مليار دولار في أية سنة قط.
ومع قدوم المؤتمر المناخي COP27، احتل موضوع الخسارة والضرر مركز الصدارة بتأسيس صندوق الخسارة والضرر، والذي يقدم الدعم المالي للمجتمعات الأكثر تأثرًا بالتغير المناخي. غير أن القطعة المفقودة في الأحجية تمثلت في اتخاذ قرار بشأن مصدر هذه الأموال، حيث لم يتعهد العديد من أكبر البلدان الملوثة للمناخ في العالم بالمساهمة في الصندوق.
ومن بين النجاحات الأخرى كان إطلاق مبادرة التحذيرات الأولى للجميع، وهو إجراء تكيف جوهري يستخدم أنظمة اتصالات متكاملة لمساعدة المجتمعات على الاستعداد للمخاطر الطبيعية.
"إن حقبة الغليان العالمي قد بدأت"
غير أن مؤتمر القمة لم يُنجز الكثير لجهة التخفيف من المخاطر. ولئن أكدت الدول مرة أخرى التزامها بالحد من ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية والتقليل من استهلاك الفحم إلا أنه لم يتم التوصل إلى إجماع حول إلغاء استهلاك كافة أنواع الوقود الأحفوري و التخفيض التدريجي لها. إذ بدلاً من ذلك، تم إدراج شرط تعزيز مبدأ "الطاقة منخفضة الانبعاثات". ما يفتح المجال أمام التأويلات، حيث إن هذا يمكن أن يحمل في طياته الكثير من المعاني، بدءًا بالرياح والطاقة الشمسية وانتهاء بالغاز الطبيعي، والتي تطلق انبعاثات أقل من الفحم. على أن الكثيرين تنتابهم المخاوف من أن هذا لن يساعدنا على البقاء دون حد الـ 1.5 درجة."إن حقبة الغليان العالمي قد بدأت"، حذر الأمين العام أنطونيو غوتيرش في مقرات الأمم المتحدة في وقت سابق من هذه السنة. وليس هذا ينطوي على أية مغالاة – حيث سجلت سنة 2023 أعلى متوسط حرارة عالمية في التاريخ (1.43 درجة مئوية أعلى من مستويات ما قبل الثورة الصناعية وذلك بحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية) ومن المتوقع أن تكون السنة الأكثر حرارة على الإطلاق.
و قد جلب هذا ظواهر مناخية كارثية. ودون أن نذهب بعيداً، ففي السنة الفائتة، شهدت ليبيا فيضانات مدمرة تسببت في وفاة آلاف الأشخاص، في حين يبتلي شرق إفريقيا بحالات جفاف شديدة ويضرب الإعصار فريدي مالاوي وموزامبيق. هناك منطقة هشة مسبقاً، الشرق الأوسط وشرق المتوسط ما فتئت حرارتها تتزايد بسرعة تفوق المعدل العالمي بمرتين تقريباً، مما يتسبب في موجات حرارة غير مسبوقة، وسيفاقم هذا من أزمة المياه، ويؤثر على ملايين البشر القاطنين هناك. هذه بعض الكوارث المهددة للحياة التي تحصل نتيجة مناخنا الآخذ بالتغير.
هذا، ولم يتسبب التغيير المناخي بحوادث مناخية مركبة وحادة فحسب بل إنه يستمر في تهديد جميع مناحي الحياة من الأنظمة الغذائية إلى الاقتصادات برمتها، ما يؤكد الحاجة الملحة للتحرك العالمي نحو التكيف المناخي والتخفيف من آثاره.
يشير تقرير صدر سنة 2022 عن مجموعة الدول العشرين الأكثر هشاشة وضعفاً، والذي يتضمنن 68 دولة نامية معرضة بشكل ممنهج للتغير المناخي، إلى أنه لولا التغير المناخي لكانت هذه الدول أغنى بنسبة 20%. لقد خسرت اقتصادات الدول العشرين الهشة حوالي 525 مليار دولار على مدى العقدين السابقين كنتيجة مباشرة للتغير المناخي.
إن العدل المناخي أساسي للتحرك المناخي الفعال والمرن، في ظل العبء الواضح الذي يقع على كاهل الأقطار الأكثر هشاشة، والتي تتحمل تبعات غير متكافئة. إن العالم الجنوبي يدفع ثمن تقاعسنا. ولئن كان تقاعسنا يساهم في حدوث الكوارث، فإن الأفعال الخاطئة تنطوي على التبعات الوخيمة ذاتها. إن استغلال السكان الأصليين والبلدان الفقيرة هو واقع يثير الحنق والغيظ. فارتفاع الطلب على الكوبالت وسط تحول في الطاقة أدى إلى إساءات طالت عمال المناجم الكونغوليين، الذين يعملون في ظروف مزرية وبفائدة ضئيلة لبلدهم. عند معالجة مشكلة التغير المناخي، يصبح لزاماً تصحيح مظاهر انعدام العدالة هذه توصلاً إلى مستقبل مستدام ومنصف.
في غضون أيام، ستستأنف الإمارات العربية المتحدة ما بدأت به مصر وكل دورة لمؤتمر الأطراف. لكن مع اقترابنا من المواعيد النهائية المحددة، يكون لزاماً علينا التحرك بسرعة.
آمال كبيرة لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين
في الفترة التي تسبق قمة هذه السنة، حاولت مفاوضات مؤقتة قادتها اللجنة الانتقالية التوصل إلى حلول بشأن صندوق الخسارة والضرر، وانتهت المفاوضات بالتوصل إلى قرار بتعيين البنك الدولي كجهة تقوم بتشغيل الصندوق لفترة مؤقتة مدتها 4 سنوات. وبالرغم من غياب ذكر واضح لحجم التمويل، تبقى الآمال المعقودة على مؤتمر COP28 مرتفعة لانتزاع التزامات حازمة من الدول المتطورة بتقديم هذه الأموال.ومن بين محاور التركيز الرئيسة في دورة مؤتمر الأطراف القادمة هو التقييم العالمي الأول من نوعه، وهو نظرة على ما وصلنا إليه حتى الآن في تحقيق أهدافنا. وليس سرًا أننا بعيدون كل البعد بشكل مؤس عن أهدافنا، غير أن هدف التقييم هو قياس التقدم المحرز ووضع خطة لتصحيح المسار.
لقد علا الكثير من الأصوات المنتقدة لتعيين سلطان الجابر كرئيس للمؤتمر، فكونه المدير العام لشركة النفط الوطنية الإماراتية، يثير المخاوف بشأن تضارب المصالح والغسيل الأخضر. ولئن كانت الإمارات قد عمدت إلى زيادة برنامجها الخاص بالطاقة المتجددة، إلا أن خططها لا تنطوي على تقليص استخراجها للوقود الأحفوري في القريب العاجل. إن موقف البلد من الوقود الأحفوري قد يقوّض مصداقية الجابر في قيادة نقاشات غير متحيزة. غير أن خبرته في مجال الأعمال التجارية تنطوي على ميزة قيادة المحادثات المالية المناخية بشكل فعال مما قد يشهد مزيداً من تعبئة القطاع الخاص نحو الحراك المناخي، والوصول إلى رأس مال وموارد تكنولوجية نحن في أمس الحاجة إليها.
يركز برنامج مؤتمر COP28 على أربع نقلات نموذجية: تسريع عملية التحول في مجال الطاقة؛ تغيير شكل التمويل المناخي؛ وضع الطبيعة والناس في قلب الحراك المناخي؛ وحشد الجهود توصلاً لأكثر مؤتمرات الأطراف شمولية على الإطلاق. في الأيام القادمة، سنراقب كيف ستتم ترجمة ذلك إلى أفعال.
على أن هذه المهمة ليست باليسيرة إلا أن الرهانات أكبر من أي وقت مضى. ولتمهيد الطريق نحو عالم مستدام ومرن، علينا البدء بإعادة النظر بالإسهامات المحددة وطنيًا لعام 2030 وتعزيزها، بوضع خطة طريق واضحة تقودنا إلى أهداف "تتماشى مع اتفاقية باريس". إن تعبئة الجهود لجهة التمويل المناخي هو المفعل الرئيسي لعملية تسريع الحراك المناخي الشامل، وهذا إجراء ضروري للانتقال إلى مصادر الطاقة المستدامة، والحفاظ على الأنظمة البيئية، والدفع نحو قدرة الزراعة والأنظمة الغذائية على الصمود أمام العوامل المناخية. ولتحقيق تغيير دائم، يبقى اتخاذ نهج شمولي أمراً بالغ الأهمية – نهج يضع الناس في قلب الحل ونهج يلحظ الترابط بين العوامل البيئية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة. لقد حان الوقت لترجمة التزامنا إلى أفعال ملموسة، والعمل سوية لمواجهة أزمة التغير المناخي، والدفع نحو تنمية مستدامة.
٢٠٢٣ نوفمبر