الأردن

٢٩.٠٢.٢٠٢٤

مدونو برليناله 2024  3 د دينا نصر: "تعلمت لغة الإشارة لأصنع 'سكون'"

ملك ناصر في فيلم سكون. © Baha’ Slieman, Madd Moshawas

هند فتاة صماء تدرب على رياضة الكاراتيه وتنتظر اختيارها للمشاركة في بطولة مهمة، لكن عالمها يتعكر عندما تتعرض للتحرش من قبل مدربها.

يثير فيلم "سكون" للمخرجة دينا نصر أسئلة شائكة حول التحرش بالأطفال خاصة أصحاب الإعاقات. التقيت بها وببتول إبراهيم التي شاركتها إنتاج الفيلم المشارك في قسم الجيل في برليناله، للحديث عن صناعة الفيلم واختياراتها الفنية وتجربتها في برلين. شاركت بتول في الحوار ببعض التوضيحات والتعليقات.
 
 
لماذا اخترت هذا المشروع تحديدًا؟ 

لعدة أسباب، أهمها الموضوع المهم والحساس، خاصةً في مجتمعاتنا العربية. بعض الأعمال تناولت التحرش الجنسي، لكني لا أذكر عملًا تطرق للتحرش الجنسي بالأطفال، مما يؤكد قيمة الموضوع. أضف إلى ذلك التمثيل المحدود جدًا للشخصيات الصمّاء في الأفلام العربية، وبالتالي كل العناصر كانت مهمة بالنسبة لي: الموضوع والشخصية والتمثيل، كلها أمور تجعل من الضروري حكي هذه القصص غير المروية في أسرع وقت ممكن. 
 
الموضوع بالطبع حساس في كافة تفاصيله، كيف تعاملت مع تلك الحساسية؟ 

أخذت وقتي في فهم العالم الذي أدخله. تعلمت لغة الإشارة وبروتوكول التعامل مع مجتمع الصمّ. تعرفت على بطلتي ملك نصّار ذات الأثني عشر عامًا، وهي من أكثر من قابلتهم في حياتي موهبة وإحساسًا، لدرجة أنني أحيانًا كنت أنسى أنها لا تسمع بسبب ذكاءها وتركيزها الشديد. تعرفت أيضًا على سيف الدين صالح، مدرب لغة الإشارة الذي ساعدني على شرح مشاعر وأفكار لم تتمكن مبادئ اللغة التي تعلمتها من توصيلها.    
ملك ناصر بدور هند في الفيلم القصير سكون.
ملك ناصر بدور هند في الفيلم القصير سكون. | ©Baha’ Slieman/ Madd Moshawas
هذا عمّا يتعلق بكون ملك صمّاء، أما عن كونها طفلة فقد كان الهدف الأول هو خلق مساحة آمنة بيننا وبينها، التواصل فيها واضح، يمكنها من خلالها أن تعبر عن قبولها أو رفضها لأي شيء، وأي تفصيلة لا تشعر تجاهها بالراحة كنا نعدلها فورًا. ملك اهتمت بالموضوع وصدمها، لأنها تسمع عن التحرش لكن لم تتعرض له في حياتها الشخصية. ذكاءها جعلها تفهم سريعًا أن المصابون بالإعاقات معرضون أكثر للتحرش بسبب عجزهم عن حكي ما يتعرضون له، وهو ما جعلها تدرك أهمية الفيلم وتبذل ما في وسعها ليخرج بصورة جيدة تفيد مجتمعها. 

بتول: قمنا بعمل قراءة للنص بيننا وبينها مع مدرب لغة الإشارة وحدنا، قبل وجود عائلتها أو مجتمع الصم. كان لدى ملك أسئلة عن مشهد التحرش أجبنا عنها، وكانت رغبتنا أن نلمس مشاعرها الخام قبل أن تتأثر بعلاقتها الوطيدة بأهلها ومجتمعها. ثم دعونا الأهل ليجتمعوا بنديم الريماوي الذي لعب دور المدرب المتحرش، وذلك لمساعدته هو الآخر في الارتياح لأداء هذا الدور الصعب. 
 
كيف كانت علاقتكم بمجتمع الصمّ وهل اقتصرت على تصوير الفيلم؟ 

تمكنّا من دخول عالم مجتمع الصمّ وكذلك أدخلناهم عالمنا، أربعة من المجتمع عملوا معنا كمتدربين في الإنتاج، وتعلموا خبرة صناعة الأفلام، كذلك ذهب فريق الفيلم بالكامل لمركز الرعاية لنشرح للجميع عملية صناعة الفيلم ودور كلٍ منّا فيها. أتمنى أن نكون قد منحناهم الأمل في أن بإمكانهم العمل في صناعة الأفلام، عكس الثقافة العامة التي تحكم على كل صاحب إعاقة بالتبطّل. حاولنا مساعدتهم على حكي قصصهم، أطلقنا منصة رقمية بعنوان "مسموع"، من وإلى مجتمع الصم، يصنعون فيها مواد يشاركونها مع أقرانهم عن الحياة عبر لغة الإشارة. 

قمنا أيضًا بعمل معسكر تدريبي جمع ملك ونديم مع الممثلة سهاد خطيب التي لعبت دور الأم، لمدة شهر تقريبًا تدربوا سويًا واقتربوا من بعضهم البعض، بالإضافة لتدريب الممثلين على رياضة الكاراتيه التي يمارسونها في الفيلم. هذا المعسكر التدريبي أفاد الجميع وعلى رأسهم نحن كفريق للإخراج والإنتاج. 
وتلعب سهاد الخطيب دور مدربة الكاراتيه التي تتحرش بهند التي تلعب دورها ملك ناصر.
وتلعب سهاد الخطيب دور مدربة الكاراتيه التي تتحرش بهند التي تلعب دورها ملك ناصر. | © Baha’ Slieman, Madd Moshawas
تصميم الصوت من أهم عناصر الفيلم، حديثنا عن اختياراتك لشريط صوت "سكون"؟ 

من البداية كان لدينا فهم لضرورة التكامل بين الصورة والصوت. الهدف الأساسي كان الاقتراب من عالم شخصية هند وكيفية استقبالها للعالم صوتًا وصورة، وفهم اللحظات التي تكون فيها متواصلة مع العالم واللحظات التي تنفصل عنه وتنغلق على عالمها الداخلي. قمنا بعمل اختبارات طبية لملك لفهم الترددات التي تسمعها والتي لا تسمعها، كانت مهمة تقنية لفهم منظورها واستخدامه في حكي القصة. ثم جاء دور مصممة الصوت إنزي مالكي التي فهمتنا من اللحظة الأولى. كنا نتحدث معها في مكالمات مدتها ساعتين أو ثلاث، كانت مصممة الصوت الوحيدة التي فهمت هدفي ولم تطرح حلولًا تقنية ورقمية كمصممين آخرين كنت أشعر أن ما يطرحونه عير حقيقي، حتى نجحت إنزي في أخذنا عبر الصوت إلى عالم هند الحقيقي. 
مدون برليناله أحمد شوقي مع بتول إبراهيم (منتجة، في الوسط) ودينا ناصر (مخرجة ومنتجة) في برلين.
مدون برليناله أحمد شوقي مع بتول إبراهيم (منتجة، في الوسط) ودينا ناصر (مخرجة ومنتجة) في برلين. | ©محمد طارق
خلال سنوات من حضوري المهرجان شاركت الأفلام العربية في كل الأقسام عدا قسم الجيل، لا أكاد أذكر مشاركة عربية قبلكم فيه. ما شعورك حيال عرض الفيلم في برلين؟ 

قسم الجيل اكتشاف مدهش، سواء في الجمهور الحقيقي من الأطفال الذين يعبرون عما يشعرون به دون أي فلترة أو اعتبارات مسبقة، أو في الموضوعات الجادة والجريئة التي يطرحها القسم على الأطفال. كنت أعتقد أن "سكون" فيلم ثقيل لن يحبونه لكني فوجئت برد فعلهم وأسئلتهم التي تعبر عن فهم عميق للفيلم. أحب الأطفال ملك بعمق، وعندما كانت تصعد إلى المسرح وتخبرتهم أنها لا تسمع تصفيقهم عليهم تحريك أيديهم إن أرادوا التعبير عن الإعجاب بها، لم يتوقفوا عن تحيتها طوال الوقت. اليوم أرى أهمية قسم الجيل ربما أكثر من أي قسم آخر، رأيت فيه أهمية أن نتحدث مع أطفالنا عن موضوعات مهمة تخص حياتهم، عن الحب والجنس والتنمر، حتى عن الموت، وأنهم عندما يدركون أنك تتحدث معهم بجدية يفاجئونك بقدر الوعي والفهم والاستجابة. 

بتول: كذلك يجب تحية القائمين على البرنامج، على اختياراتهم الممتازة، وعلى احترامهم لنا ولاختياراتنا، حتى عندما قمنا قبل عرض الفيلم بفعل داعم لوقف إطلاق النار في فلسطين كانوا داعمين. لم يحدث أي شيء يعكر صفونا وخرجنا من برليناله بتجربة رائعة.