مصر

٢٢.٠٤.٢٠٢٢

تضامن  5 د مبادرات تبحث عن حلول لظاهرة قطع الأشجار في القاهرة

المبادرة تراث مصر الجديدة
المبادرة تراث مصر الجديدة ©مبادرة تراث مصر الجديدة

 يتعرض العديد من أحياء القاهرة التاريخية لإعادة تخطيط لاستيعاب ضغط المرور، ما أدى لتقليص المساحات الخضراء وقطع عدد من الأشجار. الأمر الذي دفع  محبِّي الأشجار والمدافعين على البيئة إلى البحث عن سبل جديدة للحفاظ على أشجار شوارع مصر الجديدة والمعادي.


بينما كانت حديقة المريلاند التاريخية في منطقة مصر الجديدة، شرقي القاهرة، تتأهب لاستقبال ربيع عام 2015، بدأت جرافات شركة تابعة لوزارة قطاع الأعمال العام في قطع بعض الأشجار، لإقامة مستودع تحت الأرض.

تصدى بعض من سكان مصر الجديدة ومنظمات المجتمع المدني لعمليات التجريف، وقدموا مذكرة لمحافظ القاهرة ووزارة البيئة، وفيما بعد تشكلت لجنة من وزارة البيئة والزراعة لتقييم الآثر البيئي للمشروع، وخرجت نتائج التقييم بوقف أعمال المشروع، والأهم إصدار أمر بترقييم شجر المريلاند الأثري وتسجيله في وزارة الزراعة ووزارة البيئة، لحماية الأشجار.
وفي 2021 عندما بدأت حملات توسيع الطرق في الحي الراقي ذاته، استقطع من الحديقة جزءًا لبناء نصب تذكاري، ولكن الأشجار المرقمة هذه المرة لم تمس، ليست لأنها محمية بموجب القانون والدستور، ولكن لأنها موثقة وتحمل رقمًا مسجلًا في وزارتي الزراعة والبيئة.

من هنا تظهر أهمية تعميم تجربة ترقيم الأشجار لمبادرة "تراث مصر الجديدة"، كما أخبرنا عضو الحملة تامر حسن. فانطلقت في نوفمبر/ تشرين الثاني بالفعل حملة كبيرة تجوب شوارع نهرو وابن المصرفي وشهاب الدين خفاجة وغيرهم، لترقيم وتسمية 341 شجرة مهددة بالقطع.

نظرا لترقيم الأشجار، نجحت المبادرة في إنقاذ أشجار متعددة في حديقة ميريلاند في مصر الجديدة.
نظرا لترقيم الأشجار، نجحت المبادرة في إنقاذ أشجار متعددة في حديقة ميريلاند في مصر الجديدة. | ©مبادرة تراث مصر الجديدة

جاءت هذه المبادرة ردًا على ما تقوم به وحدات محلية تابعة لأحياء القاهرة عامة، وحي مصر الجديدة خاصة، من قطع للأشجار وتجريف للحدائق والمشاتل لتوسيع الطرقات وبناء مشاريع مختلفة.

تجريف على نطاق واسع

وفي جولة عبر صور القمر الاصطناعي التي يوفرها برنامج "جوجل إرث"، استطعنا توثيق حدوث تجريف واسع للحدائق التي تتوسط شارعي المنتزة وزكريا الأنصاري ولحديقة ابن سندر، وغيرهم.
 وعبر الإطلاع على صور "جوجل إرث" في أوقات مختلفة، رصدنا تغييرات كبيرة في حجم المساحات الخضراء بدأت مع صيف هذا العام، ولكن يبدو أن انكماش المساحات الخضراء في مصر الجديدة أخد في التزايد بداية من العام الماضي، فوفقًا لدراسة أصدرها المشروع البحثي التابع للجامعة الأمريكية بالقاهرة "حلول للسياسات البديلة" تم قطع 96 فدان من المساحات الخضراء في  مصر الجديدة في 2020.

يأتي تجريف المساحات الخضراء بالمخالفة لقانون البيئة والدستور في مصر الذي يوفر حماية خاصة للأشجار. فتنص المادة 45 من الدستور على أن "الدولة تكفل حماية وتنمية المساحة الخضراء في الحضر". وتنص المادة 27 من القانون رقم 4 لسنة 1994 على إنشاء مشاتل في كل حي وقرية ورعايتها. كما أن المادة 367 من قانون العقوبات تجرم قطع النباتات والأشجار.

وتعانى مصر عامة والقاهرة خاصة من نسب تلوث عالية جعلت وتيرة تغيير مناخها متسارعة، فوفقًا لتقديرات نشرها البنك الدولي ستتزايد درجات الحرارة في مصر بمعدل من 2 إلى 3 درجات مئوية بحلول عام 2050، ما يزيد من تواتر موجات ارتفاع درجات الحرارة وإزدياد الجفاف.

ومع زيادة أهمية الأشجار في ظل التغييرات المناخية، تم إعداد قانون للتشجير والغابات في 2020، ولكن تأخرت الحكومة في تقديمه لمجلس النواب، ما دفع النائبة سميرة الجزار لتقديم سؤال عن سبب تأخير عرض هذا القانون على المجلس.

ويتماشى مشروع القانون هذا مع إتفاقية باريس التي وقعت عليها مصر. وتنص المادة 5 من إتفاقية باريس على أن تتعهد الأطراف بتوقيف نزع الغابات، وضرورة إدارتها.

ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة لتغير المناخ فأن العلاقة بين إتفاقية باريس والأشجار واضحة إذ أن "الغابات ستكون حليفًا رئيسيًا لمكافحة تغير المناخ وتحقيق الهدف طويل الأجل المتمثل في استعادة التوازن البيئي لكوكب الأرض بحلول النصف الثاني من القرن".

مع ما تمثله الأشجار من أهمية، أتخذت الكثير من بلاد العالم إستراتيجيات أكثر حزمًا بشأن قطع الأشجار، تنطلق أولى خطوات هذه الإستراتيجيات من ترقيم الأشجار لتوثيق وجودها، كما حدث في حديقة المريلاند. وهذا النهج المطبق في دول أوروبية، مثل ألمانيا، ومدن عربية، مثل دبي، ساهم في الحفاظ على الأشجار من عمليات التجريف المتخفي.
ولكن هذا ما لم يحدث في مصر لغياب آلية توثيق معتمدة للأشجار، وفاقم من الأزمة عدم وجود إحصاءات رسمية عن عدد الأشجار في مصر، فأخر إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء والتعبئة في 2018 إلى أن مصر بها 1802 حديقة ومتنزه.

استجابة للمجتمع المدني

يقول تامر حسن، عضو حملة "تراث مصر الجديدة" إن هناك تخوف من توسيع شارع نهرو، مثله مثل الشوارع الأخرى، على حساب المساحات الخضراء، ولحماية الأشجار المهددة في هذه المناطق، تم التفكير في ترقيم الأشجار.

ولم تكتفِ المبادرة بترقيم الأشجار، بل سموا هذه الأشجار بأسماء المشاهير. ويري تامر أن هذه المبادرة أنجع من السير في الإجراءات القانونية لوقف حملات تجريف المساحات الخضراء وتقطيع الأشجار، نظرًا لأن القانون غير مفعل.

ويؤكد لنا تامر أن الحملة حققت نتائجها في عدم الاعتداء على الأشجار المرقمة وأن المزيد من الفاعليات يتم التخطيط لها للحفاظ على الأشجار في المنطقة، مثل البدء في جمع موارد مالية لنقل الأشجار إلى أماكن أخرى بدلًا من قطعها، وذلك باستخدام سيارات مجهزة، فضلًا عن إطلاق الفاعلية السنوية شجرة الكريسماس وما يصاحبها من توعية المواطنين بأهمية الأشجار.

كانت الأنظار قد توجهت بكثافة نحو قطع الأشجار في القاهرة بعد حملة أثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي ضد مشروع مد محور في منطقة المعادي الراقية بجنوب القاهرة، والذي على أثره تم إطلاق وسم "المعادي ترفض المحور".

تقول أسما الحلوجي، من جمعية محبي الأشجار بالمعادي، إن رد فعلهم على محور المعادي بدأت من تفهم وجهة النظر في إزالة التعديات المحيطة بالسكة الحديد التي تقطع منطقة المعادي، وأنهم أعادوا طرح خطة بديلة تتعلق بإحاطة السكة الحديد بحزام أخضر يحميها من التعديات، وهي الخطة التي تم تنفيذها من قبل بإحاطة هذا الشريط بأربعين شجرة لحمايته.

بجانب استخدام الأشجار باعتبارها سياج حماية لهذا المرفق الحيوي، ترى أسما أن شجرة واحدة كبيرة قادرة على توفير أكسجين لأربع أشخاص، ما يعني أن مصر بحاجة إلى 25 مليون شجرة، وهو ما يقتضي الحفاظ على الأشجار وزيادة أعدادها بدلًا من قطعها.

تجتمع مبادرتي "تراث مصر الجديدة" و"جمعية محبي الأشجار" في إيجاد حلول تلبي احتياجات التطوير، وفي الوقت نفسه تحافظ على المساحات الخضراء. فيقول تامر حسين إن المباردة قدمت طلبًا بترقيم أشجار القاهرة ونقلها إلى أماكن أخرى، بدلًا من قطعها، بينما أعادت الجهات المختصة النظر في تخطيط مسار المحور نتيجة لدراسة أعدتها "جمعية محبي الأشجار" تعتمد على ما يسمى "العمران الأخضر" المتمثل في إقامة المحاور حول المدن وليس بداخلها.

بينما تتسع نطاقات قطع الأشجار في مصر لصالح خطط التطوير، تظل أنشطة المجتمع المدني على الأرض محدودة، وتقتصر على الأحياء الراقية التي يتمسك سكانها بالطابع التقليدي لأحيائهم. وتبقى العوائق واحدة تتمثل في سرعة وتيرة المشاريع الذي لا تستطيع المبادرات مضاهاتها، فضلا عن غياب الشفافية في الإعلان المسبق عن المشاريع التي يستلزم تنفيذها إزالة الأشجار والمساحات الخضراء.

من الممكن ان يكون جديرا بالإهتمام

Failed to retrieve recommended articles. Please try again.