مجتمع  3 د في زمن الحرب في غزة، النساء يتصدرن الواجهة لمساعدة مجتمعاتهن

من اليسار إلى اليمين: مها وافي، ضابطة الإسعاف في الهلال الأحمر الفلسطيني، إنعام الآغا المعروفة بأم فتحي، الإغاثة المجتمعية، وعلا كاسب، صحفية وعضو نقابة الصحفيين الفلسطينيين.
من اليسار إلى اليمين: مها وافي، ضابطة الإسعاف في الهلال الأحمر الفلسطيني، إنعام الآغا المعروفة بأم فتحي، الإغاثة المجتمعية، وعلا كاسب، صحفية وعضو نقابة الصحفيين الفلسطينيين. ©egab.co

في خضم الحرب المستمرة منذ 10 أشهر والتي أودت بحياة أكثر من 39  ألف شخص ودفعت ما يقرب من 2.3 مليون من سكان غزة إلى البحث يوميًا عن الضروريات الأساسية للبقاء على قيد الحياة، تواجه النساء تحديات غير متناسبة، ويواجهن النزوح والعنف إلى جانب النقص الحاد في منتجات النظافة وعدم القدرة على الوصول إلى الأساسيات. الرعاىة الصحية. ومع ذلك، أصبحت العديد من النساء ركائز لمجتمعاتهن، حيث يساعدن الآخرين حيثما أمكنهن ذلك، ويقدمن المساعدة التي تشتد الحاجة إليها وينقذن الأرواح. محمد سليمان التقى بثلاثة منهم في غزة.

 

في منزلها الذي تحول إلى مأوى في المواصي بغزة، شمرت إنعام الآغا عن سواعدها، واتخذت وضعية تمكنها من الإمساك بقوة بوعاء الألومنيوم العريض المملوء بالدقيق أمامها. غمرت يديها في المسحوق الناعم، وكانت هذه إشارة لابنتها للبدء في صب الماء، شيئًا فشيئًا، في انتظار ما بين كل قدر وآخر للفتة خفية من والدتها لصب المزيد، بينما تذهب الأم ذات ال 46 عامًا  في عجن العجين.

 تم التوصل لهذا الإيقاع شبه الميكانيكي بين الثنائي من خلال ممرات ذات العمل يوميًا.

 وبينما كانت أصابع الآغا ويديها الخبيرات تعجن العجينة ببراعة للوصول إلى القوام المنشود، كانت عيناها تتحركان بفضول لتتبع تقدم النساء الأخريات الجالسات حولها، كل واحدة منهن تعمل على كميات أخرى من العجين.

 نتاج هذا الجهد الجماعي سيُطعم الآلاف من الناس فيما بعد.

 أصبحت الآغا، وهي أم لستة أطفال، تعتني بآلاف من النازحين في غزة الذين فروا من القصف الإسرائيلي المستمر وعثروا على ملاذ في أرض  الأغا الزراعية في المواصي، المنطقة الساحلية القاحلة في القطاع.

 في خضم الحرب المستمرة منذ 10 أشهر والتي أودت بحياة أكثر من  39 ألف شخص ودفعت ما يقرب من 2.3 مليون من سكان غزة إلى البحث يوميًا عن الضروريات الأساسية للبقاء على قيد الحياة، تواجه النساء تحديات أخرى، ويواجهن النزوح والعنف إلى جانب النقص الشديد في منتجات النظافة وعدم القدرة على الوصول إلى أساسيات الرعاية الصحية والأدوية للنساء الحوامل والأمهات الجدد.

 وبينما يحاول الرجال إيجاد طريقة لإبقاء أسرهم على قيد الحياة، يقع على عاتق النساء - ومعظمهن يمكثن في خيام النازحين - إعادة خلق حياة طبيعية لأسرهن من حيث الغذاء والمأوى والاحتياجات العاطفية والعقلية، رغم الغياب الحاد لكل ذلك.

 في ظل هذه الظروف الاصابة، تتولى العديد من النساء مثل الآغا أدوارًا متعددة، ويقدمن دعمهن ومساعدتهن إلى ما هو أبعد من أسرهن، بخدمة الآخرين أيضًا.

 "ليس لديهم أي شيء: لا ملابس، ولا طعام، ولا منزل، ولا شيء. كان الله معهم.  لقد تركوا كل شيء وراءهم وطلبوا منا المساعدة.  ما كان لنا أن نردهم،” تقول الآغا، المعروفة باسم أم فتحي، مضيفة: “لقد قلنا لهم سنخدمهم بكل ما لدينا، وبفضل كرم الله تمكنا من ذلك”.

 بدءاً من كانون الأول/ديسمبر، لا سيما بعد الهدنة القصيرة والوحيدة في القصف الإسرائيلي المستمر على غزة والذي دام عشرة أشهر، ومع تعرض خان يونس لقصف إسرائيلي كثيف، أعقبه عملية رفح البرية في أيار/مايو والتي أدت إلى نزوح جماعي للنازحين سعيا للمواصي الأكثر أمانا،  قامت أم فتحي وعائلتها بتحويل منزلهم وأراضيهم الزراعية وسقائفهم ودفيئاتهم إلى مخيم للنازحين يستضيف ما لا يقل عن 2500 شخص.

 من الفجر حتى الغسق، تتجول أم فتحي في الأرض الزراعية لتتفقد العائلات.  بينما يتأكد زوجها من أن الألواح الشمسية تعمل بشكل صحيح، وأن المضخات  التي تشغل الآبار لتوفير المياه النظيفة في حالة جيدة، وأن جميع القادمين الجدد يتم استيعابهم، تقوم أم فتحي بتسجيل ما ينقص النازحين من أساسيات غير غذائية مثل الخيام والفرش والحفاضات وحليب الأطفال،  كما تعتني بالنساء والأطفال المنكوبين، وتتواصل مع منظمات الإغاثة لضمان تلبية قوائم الاحتياجات وتسليمها للأفراد الذين تستضيفهم.  وبين كل ذلك، تقوم بخبز حصص يومية من الخبز لإطعام الآلاف المقيمين على أرضها، وتتعاون مع المنظمات الإغاثية في إعداد ثلاث وجبات لخدمة الجميع.

 ثم تكرر الدورة كل يوم.

تقول بتواضع: "هذا أقل ما يمكنني فعله." وتضيف : "كل هذا ليس سوى جزء بسيط مما يحتاجه هؤلاء الناس".  وقالت أم فتحي، “ما لدي لتقديمه محدود مقارنة بما يحتاجه النازحون ولا يكفي احتياجاتهم من طعام وملابس واحتياجات النساء الخاصة”.

كما تزيد قائلة: " “أنا أتعاطف مع الجميع؛  لكن النساء والأطفال والمعاقين لديهم احتياجات خاصة ومن وظيفتي تجاه بلدي أن أساعدهم”.

 

المساعدة الطبية في خضم الحرب

 مها وافي، 44 عامًا، مسعفة وأم، تقضي أيامها في العمل مع الهلال الأحمر الفلسطيني. وبين مهام عملها، وفي نهاية كل يوم من علاج جرحى الحرب، تعود إلى خيمتها في منطقة المواصي حيث تعتني بأطفالها الخمسة.

 هذا، وزوجها مفقود منذ ديسمبر/كانون الأول. فقد اعتقلت القوات الإسرائيلية موظف وزارة الصحة في جنوب غزة أثناء نقل المرضى من الشمال إلى الجنوب بالتعاون مع منظمات الإغاثة.  ولم ترد أنباء عن مكان وجوده منذ ذلك الحين.

 ولذلك تعتمد على ابنتها رهف، 20 عامًا، وابنها حميد، 17 عامًا، لرعاية الصغار.

تضم مها ابنها أحمد البالغ من العمر ست سنوات بين ذراعيها، وتقرب الآخرين منها وهي تقول: " حساسي القوي بالمسؤولية تجاه مجتمعي هو ما يجعلني أستمر"، مضيفة "إن هذه أوقات صعاب وعلينا جميعًا أن نشارك في المساعدة".

 وبينما توضح إن خبرتها في المجال الطبي تتجاوز 24 عامًا، تؤكد مها أنها عاشت حروبًا متعددة في غزة، ونجت من الموت بأعجوبة في حادثة واحدة، ولذلك فهي اعتادت الأمر.

 "هذا لا يعني أنني لا أشعر بالرعب كل صباح عندما أترك أطفالي خلفي، أو عندما أسمع أصوات انفجارات قريبة من مكان إقامتنا. أنا أموت رعبا في كل ثانية" بحسب مها، التي تضيف: “لكن هذا هو الواقع الذي نعيش فيه”.

 توفر مها خدمتها عبر المستشفى الميداني الذي أنشأه الهلال الأحمر الفلسطيني في المواصي بعد العملية البرية في ديسمبر/كانون الأول في خان يونس، بموارد قليلة للغاية وأدوية نادرة.

 وكثيرًا ما تخاطر وافي بسلامتها للقيام بعملها، إذ تعتبر نفسها في مهمة إنسانية، لافتة إلى أنها تشعر بلحظات عجز مؤلمة عندما تسمع أصوات قصف بالقرب من الخيمة التي نزحت إليها عائلتها؛ ومع ذلك، فإنها تعيد تجميع تركيزها بسرعة وتعود لخدمة المصابين.

تقول وافي: “لدي وظيفة خطيرة في زمن الحرب، بالإضافة إلى كوني أماً.  لقد كنت واي الأمر الوحيد لهم طوال فترة الحرب، ولا أعرف أين زوجي". و بابتسامة باهتة على وجهها تضيف: “يتوقع العالم منا أن نعيش حياة طبيعية  في خيمة وصحراء قاحلة”.

 
تؤمن المسعفة أنها تمكنت ببراعة من إنجاز جميع واجباتها حتى الآن. فمن ناحية، تواصل عملها الإنساني والطبي بإصرار لمساعدة المحتاجين، ومن ناحية أخرى تعيل أسرتها أثناء وجود زوجها في السجن، بينما تتعامل مع تحديات النزوح وغياب الأساسيات والاحتياجات.

 "أنا امرأة ولدي مشاعري الجارفة. أبكي وحدي ولكني أصر على التماسك أمام أطفالي لمساعدتهم على المضي قدماً في الحياة بالغم من هذه الحرب البشعة”.

صحفيون في خطر

 وعلى صعيد آخر، تساعد علا كساب سكان غزة على الصعيد الاجتماعي.

 كساب، صحفية وعضوة في نقابة الصحفيين الفلسطينيين، تقضي نهارها في تقديم الدعم الإنساني والفني لمئات الصحفيين في غزة وعائلاتهم.

 تقول: "يؤدي الصحفيون في غزة دورًا لا غنى عنه في هذه الحرب، حيث يخبرون العالم بما لا يعرفه الآخرون لأن ما من أحد آخر يروي قصة غزة الحزينة".

 ومن خلال التواصل بالصحفيين في المستشفى الكويتي في رفح وأماكن أخرى في القطاع، تستمع كساب عن كثب إلى مشاكلهم، سواء كانت تقنية أو إنسانية أو غير ذلك، ثم تستخدم شبكتها الواسعة لربطهم بأولئك الذين يمكنهم تقديم المساعدة.

 وتنشط بشكل خاص في تقديم المساعدات للصحفيين الشباب الذين ليس لديهم دخل ثابت لمساعدة أسرهم خلال الحرب والنزوح الذي طال جميع العاملين في المجال الإعلامي. 

 كما تزور عائلات الصحفيين الذين قتلوا بنيران إسرائيلية طوال الحرب، وأولئك الذين أصيبوا، وتقدم لهم الدعم المعنوي والمالي.  وحتى الآن، هناك ما لا يقل عن 108 صحفيين من بين 39 ألف فلسطيني قتلوا في الحرب.

 
عال كساب، صحفية وعضوة في نقابة الصحفيين الفلسطينيين

عال كساب، صحفية وعضوة في نقابة الصحفيين الفلسطينيين | © محمد سليمان

 وقالت: "كان العديد من هؤلاء الصحفيين هم المعيلين لعائلاتهم التي تكافح الآن من أجل البقاء على قيد الحياة في هذه الحرب المروعة"، موضحة أنها قادرة على ربطهم بهيئات الإغاثة، أو القيام بمهمات لأولئك الذين لا يستطيعون ذلك.

تضيف كساب: "نحن جميعا عائلة واحدة.  وقد أظهرت هذه الحرب أن مصائرنا واحدة. لذلك من الضروري أن ندعم بعضنا البعض. رجل أو امرأة، لا يهم." ثم ختمت كلامها قائلة: "على كل من يقدرعلى تقديم المساعدة أن يفعل ذلك".


تم إنتاج هذه المقالة بالتعاون مع إيجاب.