الممارسة الفنية وهجرة (العُمال)
غالبا ما تنطوي الهجرة، والتي تشهد انتقال الأشخاص عبر الحدود الوطنية، على لغة جديدة ومعايير وقيم مجتمعية مختلفة، وفي بعض الحالات تغيير في النظام السياسي. كل هذه الحداثة يمكن أن تثير في البداية مشاعر الاغتراب، تمامًا كما يمكن أن يُنظر إلى المهاجرين أنفسهم على أنهم غرباء. يمكن للفن، في مفهومه كـ "جماليات الهجرة" التي تشكلت بفعل الهجرة ومن خلالها، التفكر في هذا الأمر والمساعدة في جعل الجهات الفاعلة في الهجرة أكثر وضوحًا وصوتها أكثر سماعًا. وهذا لا ينطبق فقط على الأعمال التي أبدعها المهاجرون، ولكن أيضًا تلك الأعمال التي تتناول موضوع الهجرة. وعليه فإن الهجرة تصف تجربة الأطراف ذات الصلة في تغيير الأماكن، وفعل الهجرة نفسه، كما تصف أيضًا ممارسة ثقافية أو فنية - وبالتالي فهي بمثابة مَورِد للمجتمعات. وكما كتب المُنظِّر الثقافي ميكي بال حول هذا الموضوع: " تُبرز الهجرة، بهذا المفهوم، حقيقة أن المهاجرين (كأفراد) والهجرة (كعمل يؤدَّى بالإضافة إلى كونها حالة تُعاش أو يُعاش فيها) هم اليوم جزء من أي مجتمع، وأن وجودهم هو مصدر لا جدال فيه للتحول الثقافي". تُغير الهجرة المجتمعات وتترك بصمة فورية على المساحات الحضرية، فتتشكل، على سبيل المثال، أحياء جديدة ببنيتها التحتية الخاصة ومساحاتها الاجتماعية. يصف دوغ سوندرز هذه الأحياء بأنها مُدُن داخل المدينة، ويطلق عليها اسم "مُدُن الوصول"، وهي مناطق سكنية تظهر من خلال التراكم والفصل وغالبًا ما تكون خاصة بمجتمع مهاجر واحد، حيث ما يبحث عنه سكانها هو القرب من بعضهم البعض والألفة والتبادل. وغالبًا ما يَنظُر عامة الناس إلى هذه الأحياء على أنها مناطق مشكلات ودليل على الافتقار المزعوم للقدرة على التكيف مع مفاهيم الحياة الجديدة. وتسمح مدن الوصول هذه، كأنها تحت عدسة مكبرة، بملاحظة التغيير المجتمعي والثقافي، حيث يمكن العثور على العلامات الأولى لمجتمع الهجرة في السياقات الحضرية لمدن الوصول.
نادرًا ما تكون نسبة المهاجرين (حوالي 87٪ من السكان) إلى السكان المحليين في أي مكان آخر في العالم غير متكافئة كما هو الحال في الإمارات العربية المتحدة، حيث تستقطب الإمارات عددًا كبيرًا من العمال المهاجرين من دول مثل الفلبين والهند وباكستان وتنزانيا وكينيا، ويعمل معظمهم في صناعة الإنشاءات، أو كعمال منزليين أو في السياحة. وحتى في يومنا هذا فإن مستويات معيشة العديد من العمال المهاجرين منخفضة للغاية، وهناك مجتمع مزدوج وغير شفاف إلى حد ما بين السكان المحليين الأثرياء والعمال المهاجرين الذين يعيشون في ظروف محفوفة بالمخاطر. وقد جلب هؤلاء (المهاجرون) معهم إلى الإمارات لغات وأديان وقواعد اجتماعية وممارسات ثقافية مختلفة. تسلط الأعمال في معرض "Migration & Culture" الضوء على عمليات الشد والجذب فيما بين ماضي وحاضر ومستقبل الهجرة إلى الإمارات، حيث الغناء والرسم والرقص والتصوير الفوتوغرافي والأفلام هي أشكال التعبير المستخدمة في البحث عن المألوف خلال انبعاث الجديد بشكل مستمر.
أحيانا ما تكون جذور الهجرة محل التركيز، مثلما هو الحال في عمل سابا قيزيلباش بعنوان "من جبل علي إلى جودار" والذي يستكشف الصلة بين دبي وباكستان ويشير إلى الهجرة العكسية الباكستانية. يقوم عمل قيزيلباش التفصيلي من الجرافيت بالجمع بين مينائي جبل علي الإماراتي وجودر الباكستاني من خلال تصوير المسار البري في طبيعة تخيلية. تُرى جودر كأنها دبي الجديدة في المستقبل وكمحور للنقل ورابطة مع الصين التي مولت هذا المشروع. وبهذا المفهوم تستخدم قيزيلباش وسيلة الرسم التقليدية لطرح موضوع تنقل العمال ورؤوس الأموال الحالي والمستقبلي ضمن ممر جغرافي أوسع (طريق الحرير).
يمثل العمال المهاجرون الفلبينيون جالية كبيرة أخرى في الإمارات العربية المتحدة. تعرض مصممة الرقصات إيسا جوكسون احتياجاتهم الترفيهية من خلال الإشارة إلى وسائل الترفيه الشعبية مثل الكاريوكي والفيديوكي. الكاريوكي والفيديوكي هما تعبير في شكل نص وصيغة مسموعة ومرئية لارتباطهم اللغوي والموسيقي ببلدهم الأم. كما يرمزان في الوقت نفسه إلى أشكال الخيال وهيكل الجالية في سياقات حياتهم الحالية والمستقبلية. تستكشف جاكسون في أعمالها الزمن، ومجددًا قوانين الرقص ذات الصلة بالجنسانية في صناعة الترفيه والأنشطة الترفيهية، مع التركيز بشكل خاص على الفلبين. تتأمل جاكسون في السياقات والظروف الاجتماعية التي تسمح لأشكال التعبير المادية بالظهور والترسخ بما في ذلك الهجرة. أما مساهمة محمد سومجي في معرض "Migration & Culture" فهي مُكرسة للأنشطة الترفيهية للمهاجرين من جنوب شرق آسيا في دبي. يعمل سومجي، الذي وُلد في تنزانيا ونشأ ويعيش في دبي، في التصوير الفوتوغرافي ويستخدم تقنية في الحركة تُحمل بالقرب من الجسد. إن التصوير الفوتوغرافي امتداد لرؤية المصور ووسيلة ترجمة بين الموضوع المُصوَّر والمُصوِّر، بين الصورة والجمهور. إن التصوير الفوتوغرافي في هذا السياق هو أيضًا وسيلة مستخدمة على نطاق واسع في الحياة اليومية من قبل المجتمع الذي يصوره المصور. فالصور الفوتوغرافية على الهاتف الذكي هي سجل للخبرات، وبالتالي فهي تمثل ألبوم رقمي للذكريات. وفي الوقت نفسه، يعد التعامل مع البيئة المباشرة للفرد من خلال التصوير الفوتوغرافي طريقة لتحديد موقع الفرد في الواقع الحالي. بعبارة أخرى، لا تقتصر الهجرة كممارسة جمالية على وجهات النظر الخارجية الفنية لسياقات المهاجرين أو الفنانين الذين لديهم تجارب الهجرة الخاصة بهم، بل يتم التعبير عنها أيضًا بشكل مستمر في ممارسة التصوير الرقمي للمهاجرين أنفسهم.