الوصول السريع:

(Alt 1) إذهب مباشرة إلى المحتوى (Alt 2) إذهب مباشرة إلى مستوى التصفح الأساسي

حكي أكل #01

في أول لقاء من "حكي أكل" قمنا بإستضافة المصمم الشهير "مارتي غيشه" ليحدثنا عن الغذاء كعنصر أساسي في التصميم من ناحية تاريخه، الركائز الأساسية لما أصبح الآن فناً بحد ذاته، ودور وأهمية مبادئه، وبعد تقديمه للأساس النظري لفن تصميم الغذاء سينتقل للحديث عن تجربته الخاصة في التعامل مع الأطباق والعروض وخطط العمل والمشاريع، المتعلقة بالتصميم والغذاء. 

الطعام كمادة للتصميم

 

انطلاقًا من كونه مصممًا صناعيًا، بدأت رحلة "مارتي غيشه" مع تصميم الغذاء في التسعينيات من القرن الماضي. طارحًا من خلال عمله السؤال الجوهري، ما معنى أن نتعامل مع الغذاء كأي منتج آخر يتم إنتاجه بكميات ضخمة ومستمرة، بغض النظر عن طبيعته المؤقتة؟ باتخاذه التجربة والتأمّل منهجًا له، فمن الممكن والمرجّح لعمله أن يُحدِث نقلةً ذاتِ أهميّةٍ بالِغةٍ في عالم تصميم الغذاء.

اتخذَ "غيشه" رسم "ألفريد بار جونيور" البياني "فن التكعيب والتجريد" (١٩٣٥)، محطة انطلاقٍ لعمله، حيث خطَّ "بار" في رسمه البياني مصادر الفن الحديث وكيف تطوّر. ليوضح "غيشه" مصادر تصميم الغذاء وكيفية تطوّره في رسمين بيانيين في (٢٠٠٧) و (٢٠١٧)، خاطًّا التسلسل الزمني لعمله في العقدين الأول والثاني. يرتكز رسم "غيشه" البياني بشكل أساسي على ما يُطلق عليه "إكس ديزاين"، وهو مصطلح قام بصياغته محاولًا تجاوز القيود والضوابط المتعارف عليها في التصميم.

ومن أول منتجات "غيشه" القابلة للأكل وأكثرها شُهرة هو "سبامت" (١٩٩٧)، حيث لا يزال يقوم بتطوير هذا العمل منذ أكثر من ٢٠ سنة، وهي وجبة كتالونيّة خفيفة تتكون من الخبز والبندورة وزيت الزيتون والملح. بعد ملاحظته لمدى صعوبة تناول الأكل خلال العمل على الحاسوب، حول "غيشه" هذه الوجبة الخفيفة لقضمة واحدة، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف احجام حبات البندورة لتتناسب مع اختلاف أحجام الأفواه. وكانت سلسلة أعماله "تكنو تاباس" التي تتضمن "سبامت" بمثابة استجابةٍ لنُهوض عالم الإنترنت، وما ظَهَرَ من تصرفاتٍ جديدة معه، لدرجة أنه أخذ بعين الاعتبار إمكانية استهلاكها تحت الماء. وفي عمله "تاباس باستا" (١٩٩٧)، حوّل "غيشه" الباستا لتصبح قضمات تؤكل بالأصابع بدلًا من الشوكة لتَسْهُلَ مشاركتها وغَمْسَها في الصلصات المختلفة.

اضطر "غيشه" لسلك مسارٍ فنيّ، حيث أنه لم يلقى الاهتمام الكافي في عالم التصميم، فأصبحت مساحة العرض فضاءً لاستكشافاته وتجاربه. وكان "معمل سبامت" (١٩٩٧) أول عروضه الأدائية. وجاء ذلك نتيجةً لإصرار قيّم المعرض على تنفيذ العملية أمام الجمهور، في وقت لم يرغب "غيشه" بالقيام بهذا العمل بسبب عدم اهتمامه بالطبخ، أو كما يقول "لم يكن لديّ أدنى فكرة عن الطبخ ولست مهتمًا بتعلمه". لكن، وبمساعدة عدد من أصدقائه، قام بتأدية عرضٍ ارتجاليٍ حي ليقوموا بتحضير ٥٠٠ قطعة على طريقة "سبامت" عاملين كخطٍ إنتاجي. 

بعد أن لاقت العروض الأدائية حيّزها في عالم التصميم بفضل أعمال "غيشه"، انتقل للعمل بطرُقٍ تفاعلية، ففي عرض "كاريوكي الأطعمة" (٢٠٠١) في برشلونة، قام بتسجيل فيديو وعرضه لزوار المعرض لإرشادهم على كيفيّة صنع قضمة الـ"سبامت" الخاصة بهم. ومن أعماله "خزنة البذور" (٢٠١٠) حيث تحفظ البذور، و"آي كيك" (١٩٩٨) حيث تظهر على الكعكة المكونات بنِسَبها المختلفة، وهي أعمال تتطلّب لتعليمات جانب إتقان إنتاجها، ففي معظم الحالات يكون ابتكار أنماط جديدة "هو شيء غير بديهي ويصعب الترويج له" يقول "غيشه".

تطورت أعمال "غيشه" لتصبح أدائية تفاعلية بنّاءة في نفس الوقت، وجاء ذلك تبعًا لتجاربه المختلفة مع النماذج التجارية. فعلى سبيل المثال، جاء مطعم "منشأة الطعام" (٢٠٠٥) بمثابة نقلة نوعيّة، حيث كان يعمل كمحطة مركزيّة، مستوحًا من ألوان منصة "غوغل". لم تحتوي "منشأة الطعام" على مطبخ أو مكان مخصص لتحضير الطعام، وبدلًا من ذلك، كان يتيح للزائرين تنظيم عمليّة الطلب من ١٥ مطعمًا مختلفًا تعمل فقط على توصيل الطعام. أما "مطبخ لابين كولتا سولار" (٢٠١١) فكان من أبسط المطاعم من ناحية التصميم المعماري، حيث أنه يتكون من رقعة طلاء بيضاء على الأرض في الهواء الطلق، معتبرًا ما بداخلها مساحة المطعم الداخلية التي تحتوي على طاولات ومطبخ يعمل عن طريق الطاقة الشمسية.

أقام "غيشه"، مُحتفيًا بأعوامه العشرين في العمل في تصميم الغذاء، "مشروع ذي إكس ديزاين بار" (٢٠١٥ - ٢٠١٨)، جامعًا حبه للتصميم الداخلي وتصميم الغذاء في مكانٍ واحد، معبّرًا عن العلاقةً بين الخيال والتكنولوجيا والتصميم. قام "غيشه" بطباعة جميع مقتنيات هذه الحانة وطباعة تصميمها الداخليّ، بواسطة تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، شيئًا فشيئًا، ومن ثم انتقل لطباعة الطعام. كما مثّل عدم اعتماد هذه الحانة على دخول الزائرين، التدخّل الفنّي في كيفيّة طرح النماذج التجارية.

لكن، لم ينته "غيشه" من طباعة تصميم الحانة الداخليّ في الوقت المحدد، وكانت تقنية طباعة الطعام لا تزال متأخّرة أكثر مما تصوّر. ففي عام ٢٠١٧ قام بطباعة أول توليفة رقميّة بمبدأ "سبامت" التي تدعى بـ"سبامت الرقمية"، واضعًا خطوته الجديدة في رسمه البيانيّ "اوكتافي روفس" (٢٠١٧)، بدءًا من عام ١٩٩٧ مع مفهوم "سبامت" المبدئيّ، وصولًا لعام ٢٠٣٧. ويضع مشروعه التأمليّ، "الغذاء الرقمي" (٢٠١٧)، توقّعًا مستقبليًّا "بانتهاء اعتماد الغذاء على الزراعة والتقاليد المجتمعيّة، إنما سيصبح الاعتماد على الفكر التصميمي والمعماري" يقول "غيشه".

بعد عملٍ دام عقدين زمنيّين في تصميم الغذاء، والتجارب التي لا تُحصى، والفشل في بعض الأحيان، فإنّه من غير الممكن تتبع تجارب "غيشه" على المنتجات المأكولة، إلا عن طريق الكتب والتوثيقات التي قام بجمعها. إن عدم الثبات يتماشى إلى حد كبير مع روح "غيشه" الحقيقية، حيث أنه دائمًا ما يتعامل مع إمكانيات التصميم بمرح وتمرّدٍ ومن منظور واسع، ففي حال تعاملنا مع أيٍّ من مشاريع أو أعمال "غيشه"، علينا دائمًا تذكر مقولته الأكثر شهرةً "أنا أكره الأشياء المحسوسة".
 


عن المتحدث

مارتي غيشه

مع خبرة لا تقل عن خمسُ وعشرون سنة في مجال فن تصميم الغذاء، يعتبر مارتي غيشه ريادي في هذا المجال، بدأ مسيرته في ميلان وبرشلونة كمصمم داخلي وصناعي، ولكنه يشير إلى نفسه "كمصمم سابق" للاعتراض على القيود التقليدية المفروضة على المصممين. من خلال نظرته المرحة غير التقليدية، يسعى غيشه إلى العمل مع الغذاء كأداة للتصميم مع مراعاة نطاقاته وطريقة عرضه.

قام بنشر عدة كتب حول مبادئ هذا المجال، حصل على عدة جوائز لمساهماته في عالم التصميم، وعرضت أعماله حول العالم في أماكن مثل معرض الفن المعاصر في نيويورك;، ومركز بومبيدو في باريس. قام بتأسيس برنامج فن تصميم الغذاء في كلية البوليتكنيك في ميلانو في عام 2014، ويعمل كمدرس هناك، فيما يتنقل في عمله بين برشلونة وبرلين.