عند الحديث عن المرأة في الخليج ودورها في بناء الأسرة والمجتمع سيكون من الإجحاف البدء بالحركات النسائية المنظمة التي تشكلت بداياتها في خمسينات القرن الماضي بشكل مؤسسي. فالمرأة، وقبل انبلاج فجر التعليم، مكنّت نفسها وأسرتها اقتصادياً وقامت بأدوار عدة من موقعها في المنزل خلف كواليس المجتمع الذي كان يمجّد رجاله لخوضهم الأشغال الشاقة خارج المنزل لكسب المعيشة، فيما كانت المرأة، بصمت، تؤدي الدور النمطي في القيام بالأعمال المنزلية ورعاية الأبناء والأسرة.
وعلى هامش ذلك كانت تقوم بأعمال تدرّ دخلا يساعد في رفع معيشة الأسرة، كالخياطة والمتاجرة في شكلها البدائي وغير ذلك من الخدمات التجميلية البسيطة في ذلك الوقت. ومع ذلك، فقد أبقاها المجتمع في الصف الخلفي متذرعاً بالتقاليد تارة، وبالدين تارة أخرى، وبالطبيعة البشرية التي يزعم أنها تمنح الرجل تفوقاً جسمانياً وعقلانياً على المرأة. وامتد هذا التمييز المجتمعي إلى واضعي القوانين، فأسقطوا الكثير من حقوقها كفرد في المجتمع لابد من أن يتمتع بحقوق المواطنة الكاملة، وفي بعض الدول فرضت عليها الوصاية طيلة حياتها كأي إنسان قاصر لم يبلغ سن الرشد الذي يؤهله لاتخاذ قراره بنفسه. وفي تناقض غير مفهوم، برغم اعتبار المرأة مخلوقاً أضعف، فإن غالبية القوانين التي تسعى المرأة لتغييرها لا توفّر الحماية التي تتطلبها خصوصية المرأة، وتنال من أمانها الاجتماعي والاقتصادي. من هنا لم يكن هناك بد من أن تنتفض المرأة لحقوقها فانطلقت شرارة الحراك النسائي منذ منتصف القرن الماضي، وقادت البحرين دول الخليج في ذلك بتأسيس "جمعية نهضة فتاة البحرين" عام 1955 كأوّل تجمع نسائي مرخص رسمياً ويعنى بشؤون المرأة.وما هذه المقاومة الشديدة التي تواجهها المرأة في مطالبات التغيير، سواء من قبل المشرعين أو صانعي القرارات، إلا انعكاس للخوف السائد من اختلال ميزان السيطرة من الرجل إلى المرأة وكأن كل مكسب للمرأة تقابله خسارة للرجل، بعيداً عن مفاهيم التنمية الحديثة التي تؤكد أهمية أن يساهم كل فرد بقدراته لتنمية المجتمع، وأن أي إبعاد لطاقات أي من هؤلاء الأفراد، نساءً أو رجالاً، سيكون خسارة للمجتمع قبل أن يكون خسارة للمرأة التي يقع عليها التمييز.
هياكل الحراك النسائي على مر الزمن
شكّل تنظيم الجهود وهيكلة العمل التنظيمي الخطوة التالية لانفتاح المرأة الخليجية على العمل النسائي في العالم العربي حولها، والذي كان قائماً منذ نهايات القرن التاسع عشر.
واتخذ الحراك النسائي شكلا أكثر وضوحاً في البحرين والكويت كنتيجة لسبقهما في بدء تعليم البنات، ولتأثرهما بالحراك النسائي العربي وبالكتابات التي كانت تصدر عن الناشطات والناشطين.
ففي البحرين بدأ التعليم مبكراً، فترك بصمته الواضحة في تشكل طبقة ناشطة من الفتيات تقدمن بالمجتمع البحريني بخطوات واسعة مقارنة بجيرانه في الخليج. فالمدرسة غير النظامية الأولى للبنات تأسست عام 1899 على يد زوجة القس زويمر. وبرغم أن لهذه المدرسة طابعها التبشيري، إلا أن عدداً من الفتيات جلسن في فصولها قبيل بدء التعلم النظامي في البحرين عام 1928.
ومع حلول منتصف القرن الماضي، كانت الفتاة البحرينية قد قطعت شوطاً في التطور وانغمست في الأدوار المؤثرة اجتماعياً خصوصاً من خلال الإعلام والصحف التي تأثرت بالإعلام العربي، ويذكر كتاب المرأة البحرينية في القرن العشرين لمؤلفتيه الباحثتين الدكتورة سبيكة النجار وفوزية مطر "أن البحرين شهدت في الخمسينات انفتاحاً على الحركة النسائية العربية في مصر والشام، وعلى كتابات مثقفي ذلك الوقت، رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين، والرائدات هدى شعراوي ومي زيادة وغيرهم ممن لهم أثراً في الحركة النسائية. وكان المجتمع النسوي يتفاعل مع الأحداث النسائية الدائرة في الخارج كما أشارت صحيفة "القافلة" الأسبوعية آنذاك إلى ذهاب ثلاث من الأوانس في العطلة الصفية لدراسة نظم الجمعيات والمؤسسات الثقافية تمهيداً لإنشاء مؤسسات مشابهه في البحرين."
وتميّز الإعلام في هذه الفترة بالجرأة، كما أنه أسهم بشكل كبير في تقديم المرأة كعضو ذي رأي في المجتمع، عندما فتح المجال لأول مرة لكتابات نسائية تميزت بالجرأة في تناول قضايا المرأة المتعلقة بالزواج والأسرة، وبحث واقعها ونظرة المجتمع لها، وقيود التقاليد كما انتقدت رجال الدين الذين يستخدمون الدين ستارة لمحاربة المرأة. وفي تلك الفترة برزت الأختان بدرية وشهلا خلفان بالإضافة إلى موزة الزايد، كأهم نماذج للأقلام النسائية التي تفاعلت وأثرت ليس في البحرين فحسب، وإنما في دول الخليج المحيطة حيث كانت توزع الصحف. تميزت الأختان بالجرأة في تناول حقوق المرأة السياسية والاجتماعية، وحقها في العمل، وكانت بدرية أول من نادى بضرورة سن قانون للأسرة، أو ما أسمته قانون الطلاق لحماية الزوجة والأطفال، ودعت للمساواة بين الجنسين. أما شهلا خلفان، فكانت كتاباتها تدل على معتقداتها الماركسية حول قضايا المرأة وتدعو للمساواة ورفع الوعي السياسي للمرأة لتشارك في الحركة الوطنية، ودعت إلى ربط الحركة النسائية البحرينية بالحركات النسائية في العالم. وفي المقابل كانت الكاتبة موزة الزايد الآتية من بيئة محافظة نموذجاً آخر للمرأة الواقعة في صراع بين النزعة التحررية والتكوين المحافظ الذي تنتمي إليه، فتارة تدعو لتحرر المرأة بالعلم وتارة تتراجع وتدعو لتقنين تعليم المرأة بما يفيدها في حياتها، وأن تترك السياسة والعلم والفلسفة للرجل، وتارة تحذر الرجال من خطورة حرمان المرأة من حقها، الأمر الذي قد يؤدي بها الى الثورة.
وفي الخمسينيات تواكبت الحركة النسائية مع الحركة الوطنية، وكانت المرأة في سعيها لمواكبة الحركة الوطنية تتقدم بخطى ثقيلة، تبحث عن أدوات لكسر قيودها التقليدية والاجتماعية. وفي المدارس نبتت البذرة الأولى للعمل النسائي المنظم بمساعدة المعلمات العربيات الوافدات. ففي أول مدرسة لتعليم البنات أنشئت جمعية مساعدة اليتيم. أما "نادي السيدات" فكان أول تجمّع نسائي تأسس عام 1953 من سيدات المجتمع الأثرياء المتعلمات، ولكن أدى ترؤسه من قبل زوجة المستشار البريطاني بليجريف، رمز الاستعمار، إلى نفور القادة الوطنيين منه، وشنوا أعتى الحملات الإعلامية ضده، ودعوا لإنشاء جمعية نسائية مشابهة لجمعيات المرأة في مصر ودول الشام، فأنشئت "جمعية نهضة فتاة البحرين" عام 1955، وبذات الاسم الذي أطلق على جمعيات المرأة في تلك البلدان. وسنرى فيما بعد تبنيه من قبل الجمعيات النسائية في معظم دول الخليج.
وفي عام 1960 أنشئت جمعية رعاية الطفل والأمومة بعضوات من الأسرة الحاكمة والطبقة الغنية. وركزت الجمعيتان على العمل الخيري ومحو الأمية ورعاية الأطفال، حتى السبعينات عندما تغير خط "نهضة فتاة البحرين" بعودة عضواته الجامعيات من القاهرة والكويت وبيروت بحماسهم الوطني والمطلبي.
وفي عام 1970، أنشئت "جمعية أوال النسائية"، بعضوات من الطبقة الوسطى وغالبيتهن موظفات ممن تلقين دراستهن في الخارج، والتصقن بالحركات الطلابية والسياسية هناك، فنشطن في العمل المطلبي الحقوقي النسوي.
وفي العام نفسه أنشئت "جمعية الرفاع الثقافية الخيرية" من عضوات من الموظفات وخاصة المدرسات. كانت الجمعية في بداية تأسيسها قريبة إلى حد ما من توجهات "أوال"، إلا أنها ركزت فيما بعد على العمل الخيري الرعائي، خاصة بعد حل المجلس الوطني، وإصدار قانون أمن الدولة، حيث أضحى التحرك لأجل حقوق المرأة يُفسر على أنه عمل سياسي. وفي عام 1974 أنشئت جمعية النساء الدولية من قبل نساء ينتمين إلى الطبقة التجارية العليا، ومن زوجات الدبلوماسيين.
ويبلغ عدد الجمعيات النسائية في البحرين حالياً نحو 21 جمعية تأسس أغلبها في مطلع الألفية في المرحلة التي أطلق عليها مرحلة الانفتاح السياسي وازدهار الحريات، وهو الوقت الذي أنشئ فيه المجلس الأعلى للمرأة كمؤسسة رسمية تعنى بشئون المرأة. ثم تأسس عام 2006 الاتحاد النسائي للمرأة بعضوية الجمعيات النسائية. واستفادت البحرين من منهاج بيكين منذ 1975 والنسخ التالية، فأصبح العمل النسائي أكثر تنظيماً، ووضعت الاستراتيجيات بناء عليه، كما ساعد التوقيع على "السيداو" على نضج المطلب بدأب الاتحاد النسائي على كتاب تقرير الظل الأهلي ليتلمس المطالب الحقيقية بدلا من تجميل الحقائق أمام المجتمع الدولي.
وفي الكويت، التي انتظمت فيها الفتيات على مقاعد المدرسة في الأربعينيات، شهد العمل النسائي مبادرته الأولى في مطلع الستينيات على يد كويتيات تأثرن بالحركة النسائية العربية، وطالبن بإنشاء نادٍ لـ"المرأة الكويتية" لتنظيم جهود تمكين المرأة للقيام بأدوارها ووضع أطر قانونية لذلك، لكن الفكرة ووجهت برفض المجتمع والسلطات لحداثة فكرة النادي، فعدلت المجموعة نفسها الطلب إلى إنشاء جمعية باسم "الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية" وأشهرت عام 1963، لتمثل الطبقة التجارية أو البرجوازية، وتركز على الأنشطة الخيرية ودعم القضايا العربية. وقبل ذلك بأيام أشهرت "النهضة العربية النسائية" التي غيرت اسمها إلى "جمعية النهضة الأسرية " عام 1971، إثر تراجع المد القومي، لتمثل الطبقة المتوسطة التي اهتمت بقضايا المرأة، كالتعليم، ومشكلات الطلاق، وتعدد الزوجات. وفي عام 1974، أنشئ الاتحاد النسائي الكويتي الذي دمجت تحته الجمعيتان بالإضافة إلى "نادي الفتاة" الذي تأسس في تلك الفترة. إلا أن هذه الخطوة عجلت بتفكيك هذه المؤسسات إذ انسحبت "الجمعية الثقافية"، ثم حُلّت "جمعية النهضة"، وفي عام 1977 تم حل الاتحاد النسائي بقرار من وزارة العمل. وفي العقد التالي، مع المد الإسلامي، تأسست جمعيتا "بيادر السلام" و"الرعاية الإسلامية"، كما أنشئت "الجمعية الكويتية التطوعية النسائية" لخدمة المجتمع" إثر الغزو العراقي للكويت. وفي عام 1994 أعيد بعث الاتحاد النسائي بدعم حكومي ورئاسة قرينة ولي العهد، ليضم الجمعيات تحت مظلته، ولكن دوره اقتصر على التمثيل الخارجي والتنسيق بين الجمعيات.
تقول فجر الخليفة، وهي كاتبة وناشطة سياسية كويتية:" في البدايات كان الحراك النسوي مقتصراً على طبقات معينة لا سيما البرجوازية، وبالتالي كان الحراك متمركزاً حول هموم واحتياجات هذه الفئة ولا يقلل هذا من قيمة ما فعلنه، فحرق فاطمة حسين للعباءة كان فعل عظيم برمزيته برمزيته، ولكن هناك أخريات ظللن حبيسات المنزل والقبيلة ومحرومات من التعليم فكانت المشكلة أنهن لم يتمكن من اختراق الطبقات الدنيا أو الأقل حظاً، ولذلك فإن أفضل الحملات التي تعنى اليوم بقضايا النساء هي حملات مستقلة لا علاقة لها بمؤسسات المجتمع المدني، مثلاً.
وفي الإمارات العربية المتحدة التي بدأ التعليم فيها عام 1953، حظيت المرأة باهتمام القيادة، وبدأ إنشاء الجمعيات النسائية لاستكمال مظاهر الدولة الحديثة، وأيضاً لتقديم الخدمات الرعائية في إمارات الدولة حديثة النشأة مثل التدريب الحرفي والتعليم والتوعية الأسرية. وفي حين يرد اسم جمعية المرأة الظبيانية كأول جمعية نسائية أسست عام 1973 بعد الاستقلال، إلا أن أستاذة الإعلام، الناشطة حصة لوتاه، تلفت أنها كانت من مؤسسات "جمعية النهضة العمانية" عام 1967 أي ما قبل الاستقلال. وتقول لوتاه:" كنت حينها في الثانية عشرة من عمري، كنا ومن معي أكثر نضجاً من أعمارنا الفعلية، وكنا أكثر حماساً للعمل التطوعي، لم يكن ترفاً فقد ركزنا على التوعية والتعليم ومكافحة المخدرات، وكنا منفتحين للعمل المجتمعي المشترك مع الرجل في الأندية". حالياً يحظى الاتحاد النسائي الذي تأسس عام 1975، وترأسه قرينة الأمير، والجمعيات التي تأسست فيما بعد، بالدعم الكامل من الحكومة، وكأنها مؤسسات حكومية أكثر منها جمعيات أهلية.
وفي عمان، برغم نشاط المرأة العمانية في الكفاح المسلح بقيادة جبهة تحرير ظفار، ثم الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي التي أدرجت قضايا المرأة ضمن برامجها، إلا أن الجمعيات بشكلها التنظيمي لم تنشأ حتى 1971، عندما تأسست "جمعية المرأة العمانية" في مسقط عام 1972بعودة العمانيات اللاتي تلقين تعليماً عالياً في الدول العربية، ثم تلى ذلك انشاء 38 جمعية تشبه إلى حد كبير مثيلاتها في الإمارات في أهدافها المتمثلة في التوعية، ومحو الأمية، والتدريب الحرفي للنساء، وهي تعمل بتنسيق تام مع مديرية شؤون المرأة والطفل في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
وتقول الناشطة العمانية حبيبة الهنائي المقيمة في برلين: "في الوقت الحاضر، لا يوجد حراك نسائي على أرض الواقع في عمان والجمعيات الموجودة أشبه بالدوائر الحكومية. ولا توجد جهة تتبنى مطالب المرأة العمانية". وفي عام 2012 شكلت الهنائي، المتزوجة من ألماني والتي تقود مطالبات منح المرأة جنسيتها لأبنائها من الزوج الأجنبي، وتستخدم ابنها حافظ نموذجا للطفل المحروم من مزايا جنسية والدته، مجموعة على الفيس بوك باسم "الفريق العماني لحقوق الإنسان" الذي ضم 4000 عضواً. إلا أن هذه المجموعة أغلقت فيما بعد.
وفي قطر، تغيب الجمعيات النسائية الأهلية، وبرغم إنشاء المجلس الأعلى لشؤون الأسرة الذي ترأسه قرينة الأمير عام 1998 للاهتمام بقضايا المرأة والأسرة، إلا أنه حلّ عام 2014. وبحسب إسراء المفتاح، الأستاذة بجامعة قطر وطالبة الدكتوراه، فإن حملات وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر وسيلة التعبير الشعبي عن المطالب النسائية.
وفي السعودية التي لا يوجد بها أي نوع من الجمعيات أو المؤسسات المدنية النسائية، تشكل تيار “النسوية" وهو المسمى الأشمل للمجموعات والحركات النسائية الحقوقية. وتقول نورة الدعيجي، طالبة الدكتوراه السعودية في جامعة هارفارد في ورقة بحثية بعنوان "قراءة في تحولات الحركة النسوية السعودية" :أن النسوية السعودية تطورت في الفترة من 2011 وحتى 2018 إلى حركة مستقلة، مشيرة إلى أنه برغم أن التحركات النسائية لا مؤسسية في السعودية إلا أن حملات تشكلت وهي مكونة من شبكات متماسكة من الناشطات المتمسكات بالمواطنة الكاملة. وترى أن ما تحقق للمرأة السعودية هو نتيجة المطالبات التي تبنتها النساء من خلال الحملات على مدى السنوات، ومنها قيادة السيارة، وحق الترشح والانتخاب للمجالس البلدية. وأيضا كانت وسائل التواصل الاجتماعي هي وسيلة هذه الحملات للتعبير والمطالبة.
وسائل وأدوات رقمية
ولم تعد الجمعيات النسائية بهيكليتها المعروفة، وقائمة الموافقات التي يجب أن تحصل عليها كي تؤدي دورها، مهمة للمطالبة والدفاع عن قضايا المرأة. فقد فتح الباب على مصراعيه على الفضاء الالكتروني لتصل أصوات المرأة بضغطة زر واحدة إلى كل مكان على الكرة الأرضية مما مكن المرأة الخليجية من أن تحصل على المناصرة من كل جهات العالم، كما اختصرت قضاياها في وسوم تطلقها في الفضاء الإلكتروني مثل #حقها لقضايا المرأة في البحرين، و#حقي_كرامتي في السعودية، و#مالها_بديل وحقوق_المرأة_القطرية في قطر، وفي الكويت أطلق وسم #حملة_إلغاء_المادة_153 التي تعفي قاتل زوجته أو ابنته بدواعي الشرف، من العقاب وكذلك وسم #مركز_إيواء_المعنفات. تقول هدى الساهي، طالبة بحرينية مهتمة بالشأن النسائي الخليجي تحضّر للدكتوراه في إيطاليا: “يوفر الفضاء الالكتروني مساحة واعدة للمرأة من أجل إعادة تعريف الأدوار الأبوية بإعادة النظر في الثقافة الاجتماعية، كما يمنح الفرصة لتكثيف المشاركة السياسية بتوقيع العرائض، التبرع وكذلك الإعلان وتمرير المعلومات للقضايا المحلية والعالمية من الجهاز الشخصي في المنزل".
حقوق اكتسبت ومطالب على الطريق
تتشابه المطالب النسائية في دول الخليج الست، برغم اختلاف تناولها وتفاوت توفّر الأدوات والمنظمات النسائية التي تقود الحراك من أجل تحقيقها. ويتمحور أغلب المطالبات بتحقيق المواطنة الكاملة للمرأة كغاية قصوى، فيما ينشغل الحراك في كل دولة بعدد من الملفات التي يرى أهمية كبرى لتناولها لما لها من أثر مباشر على جودة حياة المرأة. أهم المكتسبات التي حققها الحراك النسائي هو الحقوق السياسية، فقد حصلت المرأة على حق التصويت والترشح للشورى في عمان عام 1994، وللبلدية في قطر عام 1998. وفي السعودية حصلت المرأة على حق الترشح والانتخاب للمجالس البلدية عام 2015. أما للبرلمان فكانت البحرين هي الأولى في الخليج التي منحت المرأة حق الترشح والانتخاب عام 2002. تليها الكويت التي منحت المرأة حق الترشح والانتخاب في الانتخابات البرلمانية عام 2005.
وفي حين يتصدر قانون الأحكام الأسرية الأجندات النسائية في الخليج، فإن المطالبات بهذا القانون أو تطويره يتجلى أكثر وضوحاً في البحرين والكويت. وتعود المطالبات الموثقة في البحرين إلى 1982، عندما تشكلت لجنة الأحوال الشخصية من عضوات الجمعيات، وتواصلت المطالبات الحثيثة حتى صدر الشق السني عام 2009، ثم بعد ذلك بثماني سنوات صدر الشق الجعفري، فتمت المصادقة على قانون الأسرة الموحد الذي يهدف إلى تحسين الوضع القانوني للمرأة عندما يتعلق الأمر بمسائل الزواج وحضانة الأطفال والميراث والطلاق.
تقول نادية المسقطي، رئيسة جمعية نهضة فتاة البحرين: "لا يزال القانون بحاجة للمزيد من التطوير لصالح المرأة". وتشاركها الرأي، فجر الخليفة فيما يتعلق بالمزيد من التطوير لقانون الأحوال الشخصية الكويتي.
كما تحظى مطالبة مساواة المرأة بالرجل في شأن منح جنسيتها لزوجها وأطفالها باهتمام الناشطات في البحرين، والكويت، وقطر، والإمارات، وعمان مع اختلاف الدفع بهذه المطالبة والإلحاح على السلطة. ففي الكويت تشكلت مجموعة "كويتيون بلا حدود" من نساء متزوجات بأجانب عام 2011، ولا يزال يجذب هذا الموضوع مؤسسات المجتمع المدني وتنظم ندوات تغطيات إعلامية وتنادي باستخدام نظام النقاط كما هو مطبق في السعودية، كالولادة والتعليم ومدة الإقامة وغيره. ومن المستغرب هنا حرمان المرأة من منح جنسيتها لزوجها وأبنائها في الوقت الذي تعاني فيه بعض هذه الدول من انخفاض نسبة المواطنين الأجانب، وتسعى لرفع معدلات الخصوبة لدى الأسر المواطنة!
وبالإضافة إلى الملفات المشتركة فإن لكل بلد خصوصيته. ففي البحرين تقول بدرية المرزوق، رئيسة الاتحاد النسائي البحريني: "أن أجندة الحراك النسائي الحالية تشمل تعديلات قانون العنف الأسري الصادر عام 2015 الذي كان أيضاً من ثمار المطالبات، وتغيير مادة بقانون العقوبات التي تعفي المغتصب من جريمته إذا ما تزوج ضحيته، ويضاف إلى ذلك ملف الكوتا في البرلمان، وملف العمل والبطالة إذ تصل نسبة الإناث نحو 83% من العاطلين عن العمل.
وفي الكويت تقول فجر الخليفة إن الأجندة النسائية تشمل حق الزواج بدون وليّ ذكر، حق السكن، مأوى للمعفنات، قانون العنف الأسري، مساواة الميراث، إلغاء مادة إعفاء قاتل الزوجة أو البنت بدافع الشرف.
وعلى الاجندة العمانية، ترى الناشطة الهنائي أهمية قصوى لسن قانون يجرّم ختان الإناث، قتل الشرف، مساواة المرأة بالرجل في الدية، وفي التقاعد.
وفي قطر، تقول إسراء المفتاح إن هناك مطالبات في قطر لتحسين وضع المرأة العاملة عن طريق توفير مرافق وساعات عمل تناسب المرأة والأم العاملة.
وفي السعودية، يتصدر إلغاء نظام الولاية، الذي يعيق حرية وحركة المرأة في مناحي عدة، اهتمام الناشطات السعوديات وغيرهم.
معوقات وتحديات
كما تتشابه المطالب، تتشابه أيضاً المعوقات في دول الخليج. فقد اشتكت معظم الناشطات من التضييق على الحريات الذي يفرضه قانون الجمعيات ويقيّد نشاطاتها. وعن قطر تقول إسراء المفتاح: "قانون الجمعيات هو ما يعيق تكوين الجمعيات وأيضاً يعيق أي حراك مجتمعي منظم"، وتؤكد على ذلك فجر الخليفة من الكويت مشيرة إلى أن سطوة السلطة التنفيذية تتمدد على المجتمع المدني الذي يقاوم بصعوبة، وتقول: “لا يوجد حرية مطلقاً، والهامش الصغير تقلص حتى بتنا في هامش الهامش، وبعد حراك 2010، اشتدت قبضة وزارة الشؤون الاجتماعية وصار التهديد واضح بلا مواربة."
أما المسقطي فيعتريها القلق من انصراف جيل الشباب عن العمل التطوعي في البحرين، إذ لم يعد الهم المجتمعي موجوداً عند هذا الجيل، ولم تعد قضايا مجتمعه تهمه، وتقول:" نحن في الجمعيات النسائية نسمع صدى أصواتناعندما نجتمع أو نعقد ندوات حول الموضوعات المهمة". أما حصة لوتاه، فترى أن العمل التطوعي النسائي فقد حس الشارع الذي كان يسيره، وأصبحت اهتماماته تصدر بأوامر حكومية. وفي إشارة إلى الهيمنة الحكومية على الجمعيات تقول: “المنتخب يريد أن ينجز ويرفع المكتسبات، بينما المعيّن عينه على المنصب وعلى رضا من عيّنه في هذا المنصب"، وتصف الجمعيات بأنها أصبحت خالية من شيء جذري يشغلها ولم تعد لها حركة مطلبية. أما هدى الساهي، فترى في السلطة الأبوية، والقمع المجتمعي أبرز معوقات الحراك النسائي في الخليج. وتلفت أيضاً إلى قلة الدعم المالي، وغياب التغطية الإعلامية التي قد تسلط الضوء على أهمية النشاط النسائي والتأثير الذي قد يحدثه. لوتاه تطرح تحدياً غير تقليدي وهو العولمة الذي قد يضطر المرأة للابتعاد قليلاً، والنظر لقضاياها ومطالبها من منظور اجتماعي أوسع، ذلك لأن العولمة من سماتها أن تحدث تشوشاً وقلقاً في الفرد، مما يجعله يفكر في ذاته أكثر من مجتمعه، وعلينا أن ننتبه إلى خصوصية مجتمعاتنا، ونبتعد عن الصورة المستوردة التي يود العالم أن يرانا عليها، وهو ما قد يغرى أصحاب القرار لاتخاذ قرارات قشرية لنبدو شعوباً أكثر حضارية أمام العالم. ويشاركها الرأي، الباحث والكاتب الكويتي، محمد الرميحي في ورقة بعنوان " تمكين المرأة الخليجية" حين يرى في الحديث عن العولمة "أن قضية تمكين المرأة لا ينظر اليها في نطاقها الضيق، أي من حيث العلاقة بين الجنسين فحسب، ولكنها قضية ذات أبعاد تنموية ومجتمعية شاملة، الهدف ليس تصحيح أوضاع النساء ولكن لابد أن يتم ذلك من خلال رؤية بديلة لمجتمع ينظر للمستقبل في إطار محلي، وإقليمي، ودولي.
٢٠١٩ أبريل