النجاة في عالم الفن  2 د د. شهير ماجد ميخائيل: من أخصائي جراحة العظام إلى فنان متفرغ

دكتور شهير ماجد ميخائيل
دكتور شهير ماجد ميخائيل ©خاص

دكتور شهير ماجد ميخائيل فنان ملتزم ليس فقط بإبداع الفن، ولكن أيضًا بالاستدامة. بدأت علاقة شهير بالخشب في طفولته. يستخدم الأخشاب الطافية من حطام السفن التي يجدها في البحر ويحولها إلى أشياء فنية جميلة وعملية. منذ 10 سنوات، اتخذ قرارًا شجاعًا بأن يصبح فنانًا متفرغًا وترك وظيفته كجراح عظام. تحدثت معه جنين عباس عن مشواره.

كيف أصبحت فنانا؟

يمكنني أن أبدأ بسرد قصتي. عمري 47 سنة، ولدت ونشأت في الإسكندرية. أنتمي إلى عائلة من الأطباء، كلهم من جهة والدي، ولدي ميل قوي نحو الرياضيات. ورغم أنني فضلت دراسة الهندسة المعمارية، إلا أنني تقدمت بطلب إلى كلية الطب. لقد لعبت نشأتي في العجمي، وسط الطبيعة والتحفيز، دورًا مهمًا في تشكيل اهتمامي بالفنون الخشبية. في ذلك الوقت، كانت العجمي مكانًا آمنًا للغاية، بشاطئ رملي أبيض. لقد عشنا حياة طرزان الطبيعية.

بعد الجامعة، حيث درست طب العظام، انتقلت إلى جراحة العظام بسبب تشابهها مع النجارة. لكن انتهى بي الأمر في طب العناية المركزة، وهو مجال لا يناسب طبيعتي العملية. شعرت بخيبة أمل، واستسلمت وأجريت اختبار المعادلة في إنجلترا. ورغم الصعوبات عدت إلى مصر بعد عامين ونصف وحصلت على الماجستير في جراحة العظام واشتغلت  كطبيب عظام.

دفعتني الحياة الصعبة التي عاشها الطبيب في مصر إلى استكشاف الأعمال الخشبية كهواية. إن تشجيع أصدقائي والمعارض الناجحة جعلني أدرك إمكاناتها التجارية. بعد ثلاث سنوات من العمل كفنان إلى جانب عملي كطبيب، اتخذت قرارًا شجاعًا بترك الطب والتفرغ الكامل للنجارة. لقد مر ما يقرب من 10 سنوات منذ أن كرست نفسي بالكامل لشغفي.
ما الذي يميزك كفنان؟

أعتقد أن ما يميزني كفنان هو الظروف الفريدة التي شكلت هويتي. لقد نشأت في أسرة إسكندرية محافظة، محاطًا بالأطباء، ولكن مع أب شغوف بصيد الأسماك والنجارة. بالإضافة إلى ذلك، عرّفني جارنا، الذي كان يحب الخشب في حالته الخام، على أشكاله المختلفة وتقنياته الحرفية. كنت أنحدر من عائلة تتمتع بثقافة فكرية قوية، ولا سيما بفضل جدي عالم الرياضيات اللامع، وكانت طفولتي محفزة للغاية. لقد كان الأمر محفزًا بشكل لا يصدق: كان والدي يعمل في الخشب، وكان ابن عمي يعمل في مجال الإلكترونيات، وصديق آخر يعمل في الخشب والسيارات القديمة. قادني هذا التعرض إلى استكشاف العديد من الأنشطة العملية، وقد سمح لي نشأتي في ورشة عمل في العجمي باكتساب المهارات والذوق في الصناعة اليدوية.

وما زلت أعمل في هذه الورشة. في الواقع، أنا أعيش في العجمي.

ماذا كان رد فعل والديك عندما قررت التخلي عن مهنتك كطبيب لتصبح فناناً؟

لم أتخذ هذا القرار بين عشية وضحاها. لقد قاومت ممارسة مهنة الطب خلال سنتي الثانية والثانوية في الكلية. حتى بعد عودتي من إنجلترا، لم أعد أرغب في متابعة الطب، لكن والدي استمرا في تشجيعي. على الرغم من أنني أكملت بنجاح درجة الماجستير في جراحة العظام وأثبتت نفسي كطبيب كفؤ وقيم، إلا أن مهنة الطب لم تكن تحفزني. بعد أن نشأت في الطبيعة وبجوار البحر، بدت العودة إلى الحياة الحضرية بمثابة كابوس. لقد نصحني والداي بمتابعة مسيرتي الطبية، لكنني وصلت إلى نقطة الانهيار. وعلى الرغم من أنهم لم يكونوا سعداء، فقد انتهى بهم الأمر إلى قبول قراري ودعمه، على الرغم من الصعوبات المرتبطة ببيئتهم.

كيف تصف أعمالك الخشبية وأعمالك الفنية؟

عملي في الخشب غير تقليدي للغاية، ويمتد على الخط الفاصل بين النحت والأعمال الخشبية التقليدية. أعمل بشكل رئيسي مع الأخشاب الطافية، والتي يأتي أكثر من 80% منها من قوارب الصيد، وغالبًا ما تأتي من أفريقيا. هذا النوع من الخشب، المتين والجميل، يميز عملي عن الأعمال الخشبية الكلاسيكية. لقد علمت نفسي كل التقنيات التي أستخدمها اليوم، لمواجهة التحديات الفريدة التي يفرضها خشب القوارب. يتطلب العمل بأشكال غير منتظمة وبدون سماكات ثابتة وبأسطح غير مسطحة طرقًا مميزة.

هل تعتبر أعمالك الخشبية بمثابة أثاث؟

أسميها "الفن الوظيفي الأخضر" بسبب طبيعتها المعاد تدويرها. من خلال إعادة استخدام النفايات، أقوم بتحويلها إلى قطع ليست متينة وجمالية فحسب، بل عملية أيضًا. أنا فخور بنفسي في صنع الأثاث الذي يجمع بين الجمال والراحة والتصميم المراعي للصحة. واستنادًا إلى خبرتي الطبية، أتأكد من أن الكراسي توفر دعمًا كافيًا للظهر وراحة في الجلوس.

هل يمكنك كسب العيش من خلال فن النجارة الخاص بك؟

يكاد يكون كافيا. أحافظ على الأسعار معقولة، مع الأخذ في الاعتبار أن إنشاء كل قطعة يستغرق شهرين. إن تحقيق الجودة والتصميم المدروس والاهتمام بالتفاصيل التي تميز عملي يستغرق الكثير من الوقت والجهد. على الرغم من أنني أقوم بجمع الأخشاب الطافية بنفسي من الشواطئ وشواطئ البحر، إلا أنني أحيانًا أضطر إلى نقلها لمسافات طويلة ثم استعادتها بنفسي. تستغرق عمليات الإعداد وتقديم الطعام والتشكيلة وقتًا طويلاً. اكتساب ما يكفي من الخبرة والصبر أمر ضروري. لقد ذكرت أنه يكاد يكون كافيا لكسب لقمة العيش. هل يمكن أن تخبرنا المزيد؟

في البداية قمت بتعديل الأسعار لتكون أكثر راحة من الناحية المالية، ولكن بداية التضخم الكبير أدت إلى تآكل القيمة الحقيقية. لا أستطيع زيادة الأسعار بشكل متناسب بسبب خطر جعل القطع غير في متناول العملاء. وعلى الرغم من تعديلات الأسعار، فإن الزيادة يتم امتصاصها من خلال ارتفاع تكاليف المعيشة.

كيف تكمل دخلك؟

اشترى والداي شقة كان من المقرر في البداية استخدامها كعيادة. أنا الآن أستأجر هذه الشقة، التي توفر لي دخلاً ثابتًا، وإن كان متواضعًا، من الأصول العائلية. بكل صدق، دعم الأسرة بهذا الدخل سيكون أمرًا صعبًا بسبب الجهد المكثف والالتزام الذي يتطلبه عملي. أستطيع أن أفعل ذلك لأنني أحبه، وهذا الشغف هو الذي يجعلني أستمر.