قصّة قصيرة غنيّة بالأفكار للكاتبة الشّابة إنجي أشرف.
لانهايةكَتبتُ هذه الكلمة على قُصاصةِ ورقٍ وأنا شاردة الذّهن، كلمةٌ كان من شأنها الإفصاح عن الكثير والكثير. فكّرتُ بهذا لبرهة من الزمن. استولت هذه الكلمة على كمٍ هائلٍ من الحالمين على مرِّ كلِّ العصور في تاريخِ البشريّة. ففي الحضاراتِ القديمة للفراعنة والرُّوم والإغريق وغيرهم كانت هي أحد أهمّ المواضيع المتداولة في أساطيرِ تلك الشعوب. تعدد الآلهة ويوم الحساب والعذاب اللّامنتهي أو الرّحمة اللّامنتهية. لقد وجدوا دائماً سبيلاً لجعل ما يُعتقد بأنّه فاني أزليّاً غيرَ قابلٍ للفناء.
سواءً استحسنا الفكرة أم لا فإنّ المُعطيات تدلُّ على أنّ بعض الخصائصِ البشريّةِ لا تتغير إطلاقاً وغير خاضعةٍ لعاملِ الزّمن، وذلك ما يثبت في نهاية المطاف بأننا ننتمي لنفس الجّنس. لهذا فنحن مازلنا وحتّى يومِنا هذا متشبِّثين بشدّة بفكرة الخلود ذاتها، غير أننا نتعامل معها بما يقتضيه الزّمن الحالي الّذي نعيشه. فلاشك بأنّك ترى في كل مكان تقريباً كيف أنّ النّاس يَخِطّون أسماءهم أو أسماء أحبائهم وأرائهم على ما يخطر وما لا يخطر بالحسبان كجدران البيوت والصّروح والأدراج وحتّى أيضاً على أبوابِ المراحيض العّامة. أو عندما تفتح كُتبكَ المدرسيّة القديمة فتكتشف بأنّ زميلةً لطيفةً لكَ في الصّف كانت قد قامت قبل عشر سنوات بكتابةِ جملةٍ مُفادها بأنّ "فلانة كانت هنا وهي هائمة بكXOXO ". تفتح كتاباً مدرسياً آخراً وتجدُ أيضاً قسماً كاملاً حولَ اللاّنهاية، ذلك الموضوع المعقد الّذي عَرفتهُ في مراحل الدّراسةِ متمثلاً بأحرف lim ورقم 8 المرسوم بشكل أفقي تحتها. إنّه نفس الرّقم 8 الأفقي الّذي لربّما سوف تهديكَ إيّاه صديقتكَ المفضّلة يوماً ما على شكلِ قلادة في سلسلة بمناسبة عيد ميلادكَ كدلالةٍ على صدّاقةٍ أبديّة. وبعد ذلك تذهب إلى المنزل وتدوّن ما جرى في دفتر ملاحظاتك السرّي جداً، أو ما يدعى بدفتر اليوميات، كي تتمكّن في وقت ما فيما بعد عندما تُعاودَ فتحَ الدّفتر من تذكرِ كَم كان هذا اليوم رائعاً لا ينسى. ولَعلك سوف ترفق صورة إلى النّصِّ الّذي كتبتهُ، اختراعٌ آخر يَخدمُ فكرةَ المُحافظةِ على ديمومة هذه اللّحظة في الحياة.
أخبرتني مرّةً أحد الصديقات بأنها تود اقتناء كلبٍ كَي يكونَ لديها أحداً ما يحزنُ عليها عند مماتها. ما قصدته بهذا القول كان بالتأكيد بغرض السّخريةِ ولكنني وقتها لَم أقوى على الضّحكِ حول ذلك. وقد تذمر صديق آخر ولعنَ اليوم بأكمله لأنّ خطيبته كانت قد تركته فقط لأنّهُ نسيَ الذّكرى السّنوية لارتباطه بها وذلك كان يَعني لها أنّهُ نَسيها هِيَ شخصياً ولم يعُد يكنُّ لها الحبّ.
لنكن صريحين مع أنفسنا: فنحنُ كلّنا نُنكر النّهاية ونموت ونحن مازلنا حتى النّهاية مصرّين على نفيها، كلٌ على طريقتهِ، فالبعض من خلال السلطةِ والمال والبعض الآخر من خلال العلم والبحث وآخرون كذلك من خلال الأطفال والعلاقات. لا أحد على الإطلاق يريد الاختفاء خلف هذا السّتار الحالك السّواد قبل انتهاء العرض. وفي بعض الأحيان يرفض النّاس التّواري خلف السّتار حتى عندما يحين انتهاء العرض. لا أحد يريد المغادرة وخاصّة دون تركِ أثر خلفه، أكثر ما يمكن تشبيه ذلك بانزعاج الأطفال الجنونيّ عندما يقوم شخص ما بالدّوسِ على آثار أقدامهم التي تركوها خلفهم على الشّاطئ أو على الثّلج. ولكن حتى لو لم يقم أيّ شخص بالدّوس عليها فسوف تجرِفُها الأمواج حتماً أو ستمحيها الرّياح بطريقها... إلى الأبد.
نعم، نحنُ نتمسك بالبقاء... نريد أن نبقى طالما نستطيعُ ذلك، طالما البحرُ بلا أمواج والشّتاءُ بلا رياح. ولكن هذهِ المقولةُ لا توحي بفترة طويلة، أم ماذا؟ لا، إنها حقاً لا توحي حتى بأن ذلك وقت كافي أو قابل للإدراك. ولكن هناك بعض النّاس ممن لا يحتاجونَ أكثرَ من ذلك على الإطلاق. بعض النّاس يمكثون دائماً كجزءٍ لا يتجزّءُ من هذه اللّحظة الغير قابلة للنسيان في ذكرياتنا وذلك بغضِّ النّظر عن طولِ الفترةِ الّتي عاشوها حقيقةً في حياتهم. بعض من النّاس يكسرُ كلَّ قواعدِ الطبيعة ويعيشُ إلى الأبد. هم من يتذكرهم المرء باستمرار ويكونون بهذا خالدين أحياءَ في هذه الذّكرياتِ المميّزةِ...
لامنتهيين.