شيماء محمود: "سيزيف" توثق حكاوى محمد عبلة
يكاد يكون كل ما تمر به فى طفولتك هو العامل الاساسى لتشكيل شخصيتك واختياراتك هذا ما استشرف به الفنان محمد عبلة حديثه قائلا: كان الرسم فى طفولتى شيئا تلقائى لدرجة اننى كنت ارسم على "جلاليبى" البيضاء ورغم بساطة امى الا انها كانت تدعمنى قدر المستطاع حتى وإن كان ذلك بالدعاء فقط او بشراء بعض ادوات الرسم البسيطة واهم واكبر شئ انها كانت تخفى عن والدى رسومى حتى لايمزقها نظرا لقناعته انها مضيعة للوقت، وقد التحقت بالمدرسة وفى استطاعتى قراءة أخبار الجرائد فى حين ان زملائى مازالوا يخطوا خطواتهم الاولى نحو معرفة الحروف ، وبسبب هذه الفجوة ظهر علىّ التمرد من خلال محاولتى للهروب من المدرسة الى ان إقترحت "ميس ليلى" ان تأخذنى لغرفة الرسم ، وهناك اكتشفت عالم اخر عن الفصل المدرسى الكئيب ، والتى بالتبعية عكفت فيها لسنين.
المراهق متعدد المواهب
رُزق فناننا بالوعي منذ الصغر ليساعده فى اختياراته ليكمل الطريق ليشير حول تلك المرحلة قائلا : حملت لقب فنان المدرسة في مراحل التعليم الأساسية والإعدادي وثانوي .وفي المرحلة الثانوية زاد شغفى بالقراءة عن الفنانين العالميين، وبدأ تكويني المعرفي والفني يتسع ، ورغم ان نصف حياتى كانت فى الشارع الا انها كانت تنقسم بين استعارة الكتب من عربية عم "ونان" مقابل قرشا اسبوعيا او ممارستى لهوايات اخرى كالتمثيل والقاء الشعر لدرجة اننى اسست فرقة مسرحية مع اصدقائى لتقديم عروض مسرحية بالشارع .
ظل الاب المتشدد رافضا هواية ابنه باعتبارها مضيعة للوقت مشددا على وجوب التحاقه بالكلية الحربية، لم يقبل فناننا ان يتخلى عن حلمه ، حتى بعد تقديم الاوراق للكلية سعى لسحبها حتى يلتحق بحلمه "كلية الفنون الجميلة" ، وتعمد إخفاء ذلك عن والده حتى اكتشفه بالصدفة حين تفاجأ به على احدى الارصفة بمحطة القطار ، ليتذكر عبلة قائلا: سحبنى والدى من المحطة الى البيت ودار شجارا متواصلا لمدة يوم ونصف كانت نتيجته انه قاطعنى طوال 5 سنوات الكلية ، ومنعنى من دخول البيت، ولذلك سعيت للعمل فى العديد من الحرف لتوفير نفاقات المعيشه طوال سنين الكلية ما بين نقاش وعامل وبائع متجول ، ساعيا لاجتياز تقدير امتياز سنويا للحصول على 15 جنيها منحة المتفوقين فى الجامعة، ولم يتراجع الا بعد ما عرف من احد اقاربى ان هناك خبر عنى باحدى الجرائد بمناسبة اقامة اول معرض لى .
الباحث عن المتاعب
وتستمر رحلة الإبداع والروحانية وعلاقتها بالحالة النفسية للفنان محمد عبلة ،لنفرض تساؤل هل عليه أن يكون حزيناً أو مرهقاً كي يترجم معاناته على شكل إبداع ؟ هذا ما اجاب عليه فناننا من خلال حكايته بعدما حصل على منحة دراسية فى إسبانيا شاملة كل التكاليف المعيشية قائلا: كنت مطمئنا للغاية، وعشت فترة من الاستقرار، ذلك جعلنى لا استطيع الرسم وكان لابد أن أرمي نفسي للمجهول، لذلك قررت ترك المنحة وأسبانيا، وأن أعمل من جديد بائعا متجولا للورد ورسامًا فى الشارع بطريقة المقص والكاريكاتير فى باريس بعدها سافرت الى المانيا، واقيم اول معرض شخصى هناك وحققت نجاحا كبيرا لدرجة اننى استطعت تأجير مرسم والكسب من الفن فقط، وكانت هذه الفترة هي فترة انطلاقتي الحقيقية لاسافر بعدها لاستكمال دراسة الفن فى النمسا وانا مدرك قيمة الحرية وقدرتي على تنفيذ أفكاري.
إكتشاف جديد من رحم كل الم
احدى جوانب طبيعة شخصية الفنان محمد عبلة هى قدرته على التعامل مع العقبات وتحويلها إلى انعطافات جديدة في مسيرته الفنية ليستحق لقب "فاقد الشئ يعطيه ببذخ" ، واكبر دليل على ذلك توثيقه لما تخلف عن حريق مرسمه بمبنى المسافر خانة، حيث كانت نقطة انطلاق جديدة ان يرسم يوميا ليعوض كل ما فقده من اعمال، وان يأخذ مرسما فى جزيرة فى وسط النيل حتى يحاوطه الماء من كل اتجاه، وان يسعى لاقامة مركز الفيوم للفنون فى عام 2006، كأول اكبر متحف كاريكتير فى الوطن العربى وكمدرسة لتعليم اساليب الفنون المختلفة. علق عن كل هذه المساعى قائلا: اولا الرسم هو متعتى الكبرى ومن غيره اشعر بعدم توازن وحتى وان كان به معاناه الا انه امتع معاناه، وفاجعة حريق انتاجى جعلنى اسعى للرسم اكثر حتى اصبحت انتج كل يوم لوحة ، أما عن مركز الفيوم للفنون فأنا مؤمن بدور الفنان بتثقيف وتقديم العون لشباب الفنانين سواء بالمعلومة او بالتوجيه للطريق السليم، وبذلك نستطيع ان نعطى ما حُرم جيلنا منه.
فنان بدرجة مواطن
تكريم عن جدارة
تلك الرحلة الثرية جعلت اسم محمد عبلة يستحق عن جدارة ترشيحه للحصول على وسام جوتة لدوره الثقافى المؤثر فى خدمة التبادل الفنى والثقافى بين البلدين ومبادراته ونشاطاته الفنية المؤثر فى مصر ، وسعى محمد عبلة لتوثيقها من خلال معرض " سيزيف" ضمن فعاليات الاحتفال بحصوله على وسام جوتة، ليسرد لنا عبر الوسائط المختلفة، سلسلة متواصلة لحكايته تستند في جانب كبير منها إلى أرشيفه الشخصي ومجموعة مختارة من أعماله.