تطويع موسيقي لشعر أحمدي خاني من قبل عازف التار والملحن دانا محيي الدين
الشعر والموسيقى، شكلان قديمان ومستمران للفن أثرا وألهما بعضهما بعضا على مدى التاريخ. من خلال دمجهما وعن طريق تطويع الشعر بألحان موسيقية مثلا، تُؤطر الكلمات في سياق جديد فتكتسب بذلك معنى وقيمة جديدين.
من شلوڤه صاما
تمكن الموسيقي الكردي وعازف التار والسيتار دانا محيي الدين من نقل هذه الصلة القوية بين الشعر والموسيقى من خلال تطويعه لشعر أحمدي خان وذلك خلال حفل مع المغني رياض عثمان في ماي 2023 المنظم من قبل معهد جوته العراق في السليمانية. كان دانا شغوفا بالموسيقى منذ نعومة أظافره وقد ساعدت نشأته في كنف عائلة فنية على أن تكون الموسيقى جزءا لا يتجزأ من حياته. يصف دانا كيف كانت الموسيقى جزءا دائما من كيانه وجوهره، إذ رافقته خلال لحظات الفرح والحزن وكانت مصدرا لا ينضب للهدوء وراحة النفس بالنسبة له. نما ارتباطه واعجابه بالموسيقى مع مرور الوقت أكثر فأكثر، مما دفعه لأن يصبح موسيقيَّ تار وسيتار.
تعود نشأة آلة التار الي المناطق الفارسية، ويرجع تاريخ إستخدامهافي مناطق مثل: سنا و كرماناشاه و أورمية التي تقع اليوم ضمن حدود إيران إلي اوائل القرن العشرين، وقد كان العديد من المطربين الأكراد البارزين في القرن العشرين على دراية بعزف هذه الآلة مثل سيد علي أصغر كردستاني وعلي مردان وحسن زيريك ومحمد ماملي وناصر رزازي وآخرون. من الأسباب التي يذكرها دانا والتي تجعل آلة التار حسب رأيه مناسبة لمرافقة الشعر الكلاسيكي هو تأثر العديد من الشعراء* الشاعرات الكلاسيكيين*ات في الأدب الكردي في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بالصوفية، حيث اكتشف هؤلاء الشعراء* الشاعرات مفهوم رحلة الروح نحو التوحد مع الذات الإلهية وقاموا بتصوير توق الباحث إلى تجاوز حدود العالم المادي. بشكل مماثل يؤمن الموسيقي أنه خلال عزفه لآلة التار فإنه يجتاز حدود عالمه المادي وقد أثارت هذه الصلة بين الأدب الصوفي وآلته الموسيقية اهتمام عازف التار لاكتشافها أكثر.
لقد كان إدراج الصوفية في قصائد خاني جزءا ملهما لدانا محيي الدين ليؤلف مقطوعات موسيقية استنادا إلى أعماله. علاوة على ذلك فإنه يذكر حس خاني الوطني القوي وخصوصا مناصرته للغة الكردية. كتب خاني باللغة الكردية في أوقات لم يكن لهذه اللغة العديد من القراء ولهذا السبب فإنه يُعتبر ناشطا في هذا المجال. يحرص الموسيقي من خلال عمله على تعزيز السلام والاحتفاء بالموروث الموسيقي الكردي الثري وبذلك يعتبر نفسه ناشطا أيضا.
خلال عملية التأليف يكتب دانا الإيقاعات والملاحظات حول الموسيقى التي يود إنشاءها، ثم يقوم بالارتجال أو ما يعرف أيضا بالتمديد الموسيقي. خلال هذه العملية يؤلف الموسيقيون مقطوعاتهم بناء على إبداعهم وتجاربهم مع الإيقاع. يشرح دانا كيف يستلهم خلال عملية الارتجال من بيت شعري ويجعل هذا البيت أساسا لمقطوعاته الموسيقية. كما يؤكد فضلا عن ذلك الصلة الوطيدة بين الشعر والموسيقى، إذ يؤمن أنَّ كلا الصنفين ينتميان إلى عالم واحد: العالم القادر على ملامسة قلوب وأرواح الناس.
يعتقد دانا أن الموسيقى الصادقة والتي يحس بها كل من الفنان والمستمع هي الموسيقى التي تظل في ألباب وأفئدة الناس لقرون من الزمن. ونظرا لاعتباره كذلك الشعر أحد أنقى الوسائل الأدبية القادرة على نقل معنى الصدق فإن مزيجا من الاثنين يمكن أن يكون وسيلة قادرة على تخليد وتأبيد الموسيقى والشعر.
تتجلى قدرة الموسيقى على تطويع الشعر خصوصا في القصائد القديمة والكلاسيكية والتي تُبث فيها الحياة من جديد عند اقترانها بالألحان الموسيقية وبالتالي الحفاظ على الموروث الثقافي. وفي نفس الوقت يمكن للموسيقى أن تكون بمثابة جسر ثقافي يمَّكن الناس من التواصل مع تجارب الآخرين بشكل أعمق معززا بذلك الانفتاح والتعاطف. تخلق جهود دانا محيي الدين في إعطاء نفس جديد لقصائد خاني الكلاسيكية وذلك من خلال المقطوعات الموسيقية التي أداها مع المغني رياض عثمان أفقا جديدا لفهم الجمهور للشعر مساعدة في الوقت نفسه على توسيع تقديرهم للتنوع الثقافي.