تصميم الطعام كمهنة و ريادة
غالبًا ما يخطر في أذهاننا، عند التفكير بتصميم الطعام، المطاعم والطهاة وعلماء الغذاء، لكن هل من الممكن لجامعي الأطعمة البريّة ومُربيي النحل وحتى الموسيقيين أن يكونوا جزءًا من عمليّة تصميم الطعام؟ باختصار، تجيب "فرانشيسكا زامبولو" بنعم، متحديةً ما يعرّف، من قبل مجال صناعة الأغذية الحديث، بشركات الغذاء، ومتيحةً إمكانيّة التعاون والتقاطع بين المجالات المختلفة. يتمحور عمل زامبولو على كيفيّة تغيير مسَار شركات الغذاء من التصميم من أجل الفرد إلى التصميم من أجل المصلحة المجتمعيّة.
تجادل زامبولو أنه بإمكان شركات الغذاء تقديم حلول ابتكاريّة، وذلك من خلال اتخاذ تصميم الطعام كمنهج فكري. وتطرح السؤال المهم، ما هو تصميم الطعام؟ فبرأيها "ليس هنالك تعريف واحد لتصميم الطعام، فهي عمليّة بحد ذاتها". تُصَوِّر زامبولو في رسمها البياني "ما هو تصميم الطعام"، ستّة تخصصات فرعيّة لتصميم الطعام على شكل دوائر، تحيط تلك التخصصات الفرعيّة دوائر أكبر، وهي: تصميم الأغذية الناقد، وتصميم النظام الغذائي، وتصميم الأغذية المستدامة. وتكمن أهميّة هذا الرسم الكبيرة في تعزيز الطبيعة متعددة الجوانب لتصميم الطعام، وتوفير مجموعة مهمّة من الاعتبارات لمُصممي الأغذية والشركات.
على الرغم من توضيحها لكل من الفئات الفرعيّة، إلا أنها تؤكّد على أهميّة وحتميّة ما بينها من تقاطُعات. ويُعتبر "منتدى العشاء" مثالًا على المشاريع التي تُظهر التداخل بين تصميم تناول الطعام وتصميم مساحة الأكل، حيث يُقام العَشاء في منشأة سابقة لمخلّفات الطعام، وتُصَمّم تجربة تناول الطعام عن طريق استخدام أطعمة كان من الممكن لها أن تعتبر مخلفات لولا ذلك. وعلى الرغم من إهمال تصميم مساحة الأكل، إلّا انّه تخصّصًا مهمًا، وهو عمليّة تصميم المساحة التي تحدث فيها عمليّة الطَبخ وتناول الطعام. بينما يركّز تصميم تناول الطعام على تصميم ممارسة تناول الأكل، وتعتبر المصمّمة "ماري فوجيلزانغ" رائدةً في هذا المجال.
إن أكثر فئات تصميم الطعام أُلفةً هي فئة التصميم بالأطعمة، كما تطلق عليها زامبولو، حيث يتخطّى الطُهاة وعُلماء التغذية، في هذه الفئة، حدود فنّ الطَهي. فمن ناحية، يعمل مصممون مثل "مارتي غيشه" في تصميم المنتجات الغذائيّة، مبتكرًا تصاميم قابلة للأكل يمكن إنتاجها بكميّات ضخمة، ومن أعمال غيشه، "أليسي، خزنة البذور" وهو وعاء لتخزين البذور، يتخذ البذور كحاويات للمعلومات الغذائيّة. ومن ناحيةٍ أخرى، فلا علاقة للتصميم من أجل الطعام بالتصاميم القابلة للأكل، وإنما يتمحور حول تصميم أدوات لها علاقة بالتحضيرات وبعمليّة تجهيز الطعام، مثل أدوات المائدة.
تدعونا زامبولو في الفرع الأخير، تصميم خدمة الطعام، للتفكير في ما وراء المطاعم، فتقول: "ليس دائمًا ما يكون التصميم واعيًا بشكل تامّ"، فإن المخابز وعربات الطعام وحتى البقّالات تشترك، ولو عن غير قصد، في تصميم الطعام. لكن، إن تعمّد إشراكها، فمن الممكن أن تُحدِث أثرًا وابتكاراتٍ ملحوظة. فمثلًا، تملك رائدة الأعمال "ميلينا جليمبوفسكي"، واحدةً من أولى محلات البقالة الخالية تمامًا من التغليف. بينما يقوم "مشروع ذا ريال جنك فوود" على بيع أطعمة منتهية الصلاحيّة بأسعار يحددها الزبائن بأنفسهم.
يمكن للمصممين والشركات، من خلال ما تدعوه زامبولو بتصميم الأغذية الناقد، تحدي المفاهيم والقواعد وثقافة المادّة المتعلّقة بالطعام. فعلى سبيل المثال، يمكن تقديم مشكلة تصميم الأغلفة السيّئة كتحدٍ وكفرصةٍ يمكن لشركات الغذاء اغتنامها. ويقوم الفنان والفنانة الأدائيّة أو مصممي الطعام، "سونيا ستوميرر" "ومارتن هابلسرايتر" المعروفين أيضًا بإسم "هني آند باني"، بإثارة أسئلةٍ هامّة حول المخلفات الناتجة عن الملصقات غير الصحيحة في محلات البقالة، من منحى تقاطعي بين الفن والتصميم.
كما يوفِّر تصميم الأغذية الناقد، الفرصة لشركات الغذاء لتقييم ما يمكنهم إحداثه من أثر على تصميم النظام الغذائي. فيقوم مطبخ "نمليّة" على التدخّل في النظام الغذائي الحالي، جالبًا معًا مجموعةً من المنتجين الزراعيّين في شبكة قصيرة، عن طريق وعاء من المربّى. وتسلّط شركة "أغروبوليس" الضوء على أهميّة دعم الاقتصاد الدائري، وليس فقط التدخّل في أنظمة الأغذية، وذلك من خلال خلق اتّصال مباشر بين عمليتيّ إنتاج واستهلاك الطعام، حيث تقوم "أغروبوليس" على إنتاج حدائق عاموديّة يمكن تركيبها في أي مكان لإنماء أي من المحاصيل المطلوبة.
من خلال التفكير بما يعنيه الاقتصاد الدائري، يمكننا الاستدلال على إمكانيّة أن يكون التصميم أكثر من مجرّد "صنع واستهلاك ثم إتلاف المنتجات" كما تقول زامبولو. وبالنسبة لها، "كلّما كان التصميم أصغر فهو أفضل" كما يوصي "ديتر رامز".
تدفع زامبولو شركات الغذاء للاستفادة من التفكير التصميمي، وذلك للنظر في كيفية معالجة بعض أكبر تحدياتنا الغذائيّة بشكل مستدام. وتتركنا مع السؤال الجوهريّ: ما الذي يعنيه، بالنّسبة للمستقبل الغذائي، إن توقفت الشركات عن التصميم للأفراد، وبدلًا من ذلك كان تصميمها موجّهًا للمجتمع؟
فرانشيسكا زامبولو باحثة في مجال تصميم الغذاء ومستشارة ومدرسة. حاصلة على درجة الدكتوراه في نظرية التصميم المطبقة في تصميم الغذاء، وهي مؤسسة المدرسة الإلكترونية لتصميم الغذاء. قامت بتطوير منهجية التفكير في تصميم الغذاء، كفرع خاص بالغذاء من الفكر التصميمي، ونظمت العديد من المؤتمرات الدولية حول الموضوع. وعملت كمدرسة في جامعة لندن متروبوليتان، وجامعة أوكلاند للتكنولوجيا ، والآن في مدرستها الإلكترونية.