الحياة خارج حدود المدن تبهرني… لطالما تساءلت، كيف تبدو؟
على الرغم من أنّ عائلتي جاءت من مجتمع ريفيّ، إلّا أنّ ملامح المدينة تغلّبت عليها، واستطاعت البنية المجتمعيّة للمدينة، السيطرة على الشكل العام لأسرتي والعديد من الأسر اليمنيّة التي جاءت من الأرياف، واستطاعت خلق مجتمع جديد… مجتمع يفتقر إلى ملامح الريف وهدوء الطبيعة وطيبة أهلها.
على الرغم من مرور أكثر من 8 سنوات على الصراع المسلّح في اليمن، فقدنا فيها الكثير من الأشياء - أنفسنا كذلك - إلّا أنّ الريف لم يفقد شعوره، ولم نفقد الراحة التي ما زلنا نشعر فيها هناك. لم يفقد أبناء الريف حماستهم للعمل في مزارعهم، ولم يفقدوا نشاطهم الدائم وقدرتهم على الغناء، كرمهم، قوّتهم، ملابسهم الملوّنة، كذلك لم يفقدوا تماسكهم.
في كلّ مرّة أزور فيها قريتي، أشعر وكأنّهم لم يغادروا بيوتهم قطّ، إلّا لمزارعهم، جلسات العصريّة، ومواقفهم القبليّة. لا زلت لا أستطيع أن أخفي انبهاري من تماسك هذا المجتمع الريفيّ، لذا، وفي المرّة الأولى التي قرأت فيها كلمة "تضامّ"، لم تخطر في بالي إلّا حياة الريف، قصص الأجداد، وحياتهم في منزل واحد، قطعة جغرافيّة واحدة، أغنية واحدة، يردّدونها دائمًا. حاولت من خلال هذه الصور، عرض التباين في المجتمع الريفيّ، وترابط أبناء الريف بالأرض والحيوان وبعضهم ببعض، من خلال عين ثالثة، تنظر إليهم من خلف حاجز زجاجيّ، وهو الذي لطالما اعتبرته حاجز المدن وتعقيداتها.
صادق الحراسي؛ مسؤول ثقافيّ، كاتب/ حكواتي وفنّان بصريّ مقيم في صنعاء، اليمن. حاصل على درجة البكالوريوس في الهندسة المعماريّة من جامعة صنعاء. نُشرت أعماله الأدبيّة تحت عنوان "صراع: الأدب الجديد في اليمن"، بالإضافة إلى "مائة نصّ لمائة كاتب" وأعماله الفنيّة في "مقال مصوّر: شارع المطاعم" لمجلّة "المدينة". يَعتبر صادق التصوير هوايته التي يستطيع من خلالها التعبير والتجريب في مواضيع مختلفة مثل الذاكرة والهويّة والانتماء، كما يهتمّ بالتراث الثقافيّ والفلكلور اليمنيّ، ويحاول إظهاره في إنتاجاته الإبداعيّة والفنيّة. يعمل في الوقت الحاليّ مديراً تنفيذيًّا لمؤسسة "Yemen Art Base"، كما يعمل منسق مشاريع في مؤسسة "رموز".