حكي أكل #06

 تقوم مصممة الطعام ماري فوجيلزانغ بتسليط الضوء على تصميم الطعام كرابط اجتماعي.

 في عصر يقضي فيه غالبية البشر الذين يعيشون في المدن وقتهم في مشاهدة ولمس الشاشات، يشعر الناس بأنهم بعيدين عن بعضهم البعض، وقد أدى كوفيد - 19 إلى تسريع هذا الأمر.

كيف يمكننا استخدام عدسة إبداعية على الغذاء للإيجاد طرق جديدة للتواصل بطريقة عاطفية؟ كيف يمكن أن يساعدنا التصميم والتفكير الابداعي على الاتصال بالعالم الحي مرة أخرى؟ كيف يمكننا إعادة ربط حواسنا ببيئتنا، بالاخرين ولكن في الغالب بأنفسنا مرة أخرى؟ 

تصميم الطعام كرابط اجتماعي

تسألنا "ماري فوجيلزانغ" بكل صراحة، هل فعلًا نَحتاج الطعام والتصميم؟ حيث تستكشف من خلال عملها مدى تأثير الطعام والتصميم على تصرفات الناس وتعاملاتهم، وهي تؤمن بإمكانيتنا على تخيّل ما هو غير محسوس بعد من خلال التصميم، وإمكانيتنا على التواصل من خلال الطعام مع شريحة أكبر من العالم. هي رائدة في مجال تصميم عمليّة الأكل، وغير مهتمّة بتصميم الطعام، "فالطعام مصمم بطريقة مثاليّة بفعل الطبيعة"، لكن فعل "الأكل" هو ما يحمل إمكانيات التصميم بالنسبة لها. وتذكرنا بإننا نساهم أيضًا في تشكيل الغطاء النباتي من خلال تصرُّف الأكل.
بدأت تجاربها مع تصميم تجارب الأكل، في وقت لم يُعتبر فيه تصميم الأكل نوعًا رسميًا من أنواع التصميم. في عام ٢٠٠٥ وعلى غير رغبتها، طُلب منها استضافة عشاء عيد الميلاد من قبل مؤسسة تصميم في أمستردام، فقامت بعملٍ أسمَته "عشاء التشارُك"، حيث قرّرت إعادة تكوين عناصر عيد الميلاد الشعائريّة بشكلٍ كامل، لتفادي ما هو مبتذل في مُناسبةٍ مصمّمة أصلًا.

تدعوا الحاضرين دخول المائدة برؤوسهم وأيديهم من خلال قماشةٍ بيضاء، مُسقطة من السَقف متداخلةً في المائدة، لتعزلهم عن ما تبقّى من الغرفة، "جميعهم على تواصُل، فإن تحرّك أحدهم، تحرّكت القماشة" كما تقول فوجيلزانغ. أما في طوكيو، فقد صممت العشاء ذاته، لكن في هذه المرّة، كان الحضور أكثر تحفّظًا ورسميّةً في البداية. فمن خلال فرصة المشاركة وإحلال فوضى جماعيّة، يُزال الضغط والتوتّر الناجمين عن مشاركة مائدةٍ مع غُرَباء. كان من المهم لفوجيلزانغ، تجربة طرق متعددة لخلق صِلَةٍ بين الغُرَباء، وجعل التواصل ما بينهم أكثر مَرَحًا. 
تؤمن فوجيلزانغ بصعوبة حصر الأثَر المُراد من تجربة أكل، لكن يمكننا من خلال هذا النوع من التجارب، فهم ما يمكن حقًّا أن يقوم به الأكل. فأعادت عن طريق"الذكريات القابلة للأكل"، صنع وصفاتٍ كانت تُحضَّر خِلال الحَرب العالميّة الثانية في هولندا، أثارت ذكريات من عاصروها، ممّا جعل مِن الأكل أداةً لسَردِ الحِكايات، وأتاح للناس مشاركة قصصهم وحِكاياتِهم. وتقول فوجيلزانغ: "إن القدرة على الشم والتذوّق، هي ما يسمح لنا بتجاوز جزء المعالجة في أدمغتنا، لنتّصل بالجانب العاطفي جدًّا من أنفسنا".

“قطرة Teardrop" هو تركيب فني صُنع من الحبال والقطّارات، بهدف تشجيع التفاعُل المَرِح بين شخصين. صنعت فوجيلزانغ هذا العمل مريدةً تصميم تجربة أكل من الممكن لها إثارة ذكريات الطفولة عن طريق التصرفات الطفوليّة البريئة، فتقف فاتحًا فمك ليطعمك الشخص الآخر. وفي محاولة أخرى للتأثير على تصرفاتنا، صنعت "كتلة Volume" وهي سلسلة من الأجسام المصمّمة للحد من رغبتنا على الإفراط بالطعام، فحين توضع هذه الأجسام في أطباقنا، تعطي لعقولنا إشاراتٍ صُوريّة دقيقة عن كميّة الطعام الفعليّة التي نقوم بتناولها.

تتساءل فوجيلزانغ عن ما إن كنّا نقوم بالإنتفاع من حواسّنا بشكل حقيقيّ، خلال تجارب أكلنا الحاليّة، فإن حواسّنا هي ما تعطينا القدرة على التواصل مع الآخرين. تتمحور تجربة "زوجان من الأشياء الصغيرة" الحسيّة، حول حاسّة التذوّق؛ طريقة اختبار ألسنتنا وافواهنا للطعام، حيث تَسعى محاولةً اكتشاف المشاعِر التي يمكن للأكل تحفيزها، وذلك عن طريق عزل جميع حواسّنا الأخرى. وقد تركت هذه التجربة لدى البعض شعورًا من الانتماء والذاتيّة، بينما نَفذ البعض منها متزعزعين.

تُسلّط فوجيلزانغ الضوء في تجربة "رَعي حَضَري Grazing City Scapes"، على عَزلِنا من قبل السِياقات الحضريّة عن تجارب الطعام الحسيّة واللمسيّة الحقيقيّة. فمن خلال هذه التجربة متعدّدة الحواسّ، التي تعتمد على اللمس والحميميّة والتواصل، تدفعنا في تجربة الأكل هذه، للاعتماد فقط على شفاهنا في تناول الطعام الموضوع على قواعد زجاجيّة، وعدم الاستعانة بأطرافنا المتبقّية، حيث تعتبر الشفاه أكثر الأجزاء حساسيّة في أجسامنا، فهي تحتوي على أكثر من مليون نِهاية عصبيّة.

يكشف العدد الهائل من أعمال فوجيلزانغ مدى إمكانيتنا على تعلّم أشياء أكثر من خلال فعل الأكل، فهي تستكشف أيضًا، من خلال تجاربها المستمرّة مع تصميم أفعال الأكل، إمكانيّة الطعام على توطيد العلاقات بين الناس، واستِحضار الذكريات والعواطف.


عن ماري فوجيلزانغ 

تستلهم ماري فوجيلزانغ عملها من أصل الغذاء وآداب السلوك والسياسة والتاريخ و ثقافة الغذاء. لهذا السبب ترى نفسها كأول "مصممة أكل" في العالم. هدفها في عملها هو إلقاء نظرة على سياق وخلفية الغذاء والأكل لخلق تجارب. تعمل فوجيلزانغ على خلق تجارب جديدة للمطاعم بالإضافة إلى تصميم المنشآت الفنية وتنظيم المعارض حول الأكل والطعام والتصميم.