٤ نوفمبر ٢٠١٩ | نارين بيديدا
شعبوية بلا شعب




لأصدقاء والصديقات الأعزاء ...

بالاطلاع على هذه الأحاديث المفيدة وعلى إسهامات الكتاب والكاتبات من جميع أنحاء العالم وجدت سؤالا يطرح نفسه إن كانت الهند ديمقراطية ليبرالية ذات شكل حكومي ممثل يمكن اللجوء إليها من هجمات الشعبوية المنتظمة؟ لكن عليّ أولا التساؤل إن كانت الهند أمة واحدة – مثل الشكل المعروف للأمم في البرازيل أو مصر أو المجر – لأنه أليس ذلك ما يكوّن في جوهر الأمر جميع تلك الديمقراطيات التي نتناقش بشأنها هنا؟ كلما حاولت تناول تلك التساؤلات الأولى أعود دومًا إلى السؤال الثاني مجددًا.


في أولى الانتخابات البرلمانية بالهند فاز حزب المؤتمر لنهرو ببرنامجه على سلطة الاستعمار وأنصاره السريين – مالكي الأراضي وكانزي الأموال، كان حزبًا مدعمًا من قِبل مالكي الأراضي وكانزي الأموال، في الانتخابات اللاحقة في الخمسينيات والستينيات اتسعت قائمة أعداء البلاد لتشمل أولًا باكستان ثم بعد ذلك الصين، مع احتفاظ بريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأمريكية بمكانهما الدائم، في السبعينيات تصدت أنديرا غاندي لأغنى الأغنياء الذين كانوا يتحكمون في تجارة الغلال، في السوق السوداء وفي تجارة التهريب، خلال كل هذه المدة لم يقل السخط المحق بتاتًا على "اليد الأجنبية" (المقصود بها القوى الأجنبية التي تحاول بطرق متآمرة وماكرة متعددة "زعزعة استقرار الهند" وذلك برشوة سياسيّ وسياسيات المعارضة أو العاملين والعاملات في مجال النشر أو جماعات النشاط الإجتماعي المدني أو تخريب مشاريع الدفاع والصناعة أو التحريض على الثورات إلخ.).

النقطة الهامة هنا هي أن انتخابات الهند كانت شعبوية الطابع بالفعل، بعضها أقل، بعضها أكثر، أهم ما ركزت عليه دائمًا كان "الجاريب" (الفقراء)، " الآم آدمي" (الناس البسيطة) ضد الأغنياء، الأعداء داخل وخارج البلاد، الجيران "الإرهابيين" والجماعات "الإرهابية" المدعومة من قِبلهم.

لماذا تشبه الانتخابات دومًا ميلودراما تتسم دائمًا بنقاشات غير موضوعية بين متنافسين ومتنافسات ومؤيديهم ومؤيداتهم، ولا تفسح المجال لنقاشات حول مضامين سياسية، بشرط ألا يتم الزج بحجج من تحت المنضدة؟

Family Disputes in Parliament
graphicrecording.cool

التساؤل عن سبب مشابهة المناظرات الانتخابية في الهند للمشادات الأسرية التي لا تريد الانتهاء أبدا يمكن الإجابة عنه بأنها في حقيقة الأمر هكذا بالضبط: مشادات أسرية، منذ أولى الدورات الإنتخابية امتلكت الطبقات العليا التي تمثل نحو ١٥٪ من الشعب ٦٥-٧٥ % من مقاعد البرلمان بشكل دائم، لو لم يتم تخصيص حوالي ربع المقاعد من أجل "من لا يجوز المساس بهم" السابقين، والمنتسبين لقبائل معينة والشعوب الأصليين في جميع الأقاليم لبلغت تلك الحصة في المتوسط ٨٥-٩٠ ٪.

إن لم تذكّر هذه الأوضاع فعلًا بعصر التمييز العنصري في جنوب إفريقيا فسوف تؤدي نسبة تمثيل هذه الطبقة في "الأعمدة الأخرى للديمقراطية"، أي القضاء والإعلام مهمة الإقناع في النهاية.

السؤال التالي يفرض نفسه بقوة: لماذا أو كيف يتم جذب الأغلبية غير الممثلة، أي حوالي ٩٠-٩٥٪ من الطبقات والقبائل الهندية للدخول في هذا المشهد، ربما لأنه لابد أن يكنس أحد ما تخلفه الأفيال من أجل إعداد السيرك للعرض التالي، أو ربما لأن في الهند يشعر من يشهدون المشادة الأسرية  أنهم متورطون أيضا فيها رغم أنهم لم يحصلوا على أي قطعة من الكعكة المتعارك عليها.

 ربما تبدو الإجابتان ساخرتان، لكن بعد ٧٠ عام و ١٧ دورة من الانتخابات البرلمانية يبدو أننا نعيش في حيرة ثابتة أو مستمرة، قبل سبعين عام قال الفيلسوف الاجتماعي، المصلح السياسي وأبو الدستور الهندي بيمرارو رامجي أمبدكار:
 

الديمقراطية في الهند هي فقط الطبقة الخارجية لما تم تأليفه معا ليكوّن الأرض الهندية التي تعتبر في الأساس غير ديمقراطية.

دكتور ب. ر. أمبدكار، إبادة الطبقية

يبدو هذا القول معبر عن الوضع الحالي أكثر من أي وقت مضى، وأريد التساؤل مرة أخرى لماذا أو كيف تجذب الطبقات العليا الأغلبية غير الممثلة للدخول في هذه المهزلة؟ يمكن ضمان مشاركتهم فقط بطريق واحد، يتساءل يوسف رخا: أليس الشعبويين في الحقيقة هم أصحاب البيج ماك والكوكا كولا في السوق السياسي؟


Poisonous bribe
graphicrecording.cool

بذلك يمكن شرح الموقف على أجزاء، يفوز في العادة أكثر المرشحين قدرة على إقناع الناس في الدعاية الانتخابية، توضيح آخر تقدمه حقيقة أن مرشحين ومرشحات الطبقات العليا والناخبين والناخبات الهنود من الطبقات  الأدنى على مستوى القرى يتعهدون ما يسمى بعلاقة-رعاية-الزبائن، وهي تشبه كثيرًا العلاقة التي كانت بين السيد الإقطاعي وعبيده في الأزمنة الماضية، يهتم المرشحون والمرشحات بتزويد أفراد الناخبين والناخبات بخدمات عامة ويقومون برشوة آخرين بمنتهى البساطة بالأموال السائلة والخمور إلخ.

الشيء الوحيد المؤكد الذي تقدمه الحكومة لهؤلاء الناس هو صوتهم في الانتخابات، من أجل الحصول على أية خدمات أخرى عليهم الاعتماد على علاقة ترجع للعصور الوسطى مع ممثليهم وممثلاتهم المنتخبين من الطبقات العليا، يختلف شكل هذه العلاقة حسب الولاية أو المقاطعة، ففي الولايات التي تحظى بخدمات عامة أفضل تنظيمًا مثل التعليم، الصحة و اختلافات هيكلية معينة كتوزيع الأراضي يُظهر الناخبون والناخبات إرادة أكبر وحرية أعلى نسبيًا في التخلص من أغلال تلك العلاقة غير العادلة.  
 

لماذا يهتم المرشحون والمرشحات من الطبقات العليا بأصوات الناخبين والناخبات من الطبقات الدنيا إن كانوا سوف يفوزون في الانتخابات في جميع الأحوال؟

لأنه وإن مثل ميلاد المرء في طبقة عالية شرطًا أساسيًا إلا أنه لم يعد يكفي كميزة لضمان فوز مرشحين ومرشحات معينين والفضل في ذلك يرجع أيضا إلى الديمقراطية بعض الشيء، لابد أن يتنافس المرشح أو المرشحة مع آخرين وأخريات من الطبقات العليا من أجل الحصول على منصب، لهذا السبب لابد من استخدام أصوات الناخبين وليس السيف كما كان في أزمنة سابقة لتحقيق الفوز.

يتم إذن ممارسة الديمقراطية بغض النظر عن مواطن ضعفها الكثيرة بالأخص على مستوى القرى والمقاطعات، وبنسبة أقل على المستوى المركزي أو الحكومي الإتحادي أو القومي، حيث تعتبر هناك بالأحرى مهلهلة كتجربة أداء بلا معنى في صورة هتافات قوية تقطع المشهد من حين إلى آخر، فكرة رام مندير في أيودهيا لا تنبع من قرية بل ولدت في دلهي، (أيودهيا هو محل ميلاد الشخصية الأسطورية حسب رواية البراهمة السلفيين، يعتقدون أنه سكن في الماضي معبدًا للإله رام تم تدميره من قِبل قيصر المغول بابر من أجل بناء مسجد، تحول خلال العقدين الثلاثة إلى الأربعة السابقين إلى مركز للهيمنة الهندوسية والعنف الطائفي)، من الواضح أن الاستنتاج الساخر بإضفاء مظهر الأمة على مملكة مكونة من معسكرات متنافسة لعائلات الطبقات العليا سوف يضعف الأمل بشكل واضح في هياكل ديمقراطية ذات تأثير على مستوى القرى والمقاطعات، ذلك لأن المركز يمتلك وسائل وصلاحيات أكبر بشكل واضح، بعد الاستقلال تم استبدال لندن كقلب للإمبراطورية بدلهي. 

في نهاية الأمر يكمن السبب في أن الحكام الهنود قد ورثوا عام ١٩٤٧ إمبراطورية، كتب مارك توين عن ذلك: ثمانون شعب يتحدثون ثمانين لغة يسكنون هذه الأرض، يبلغ عددهم ثلاثين ملايين نسمة.

المقصود من كلمة  "الأرض" الهند، لكن ما هي الأرض؟ بالنسبة لأغلب مراحل تاريخها لم تكن أكثر من كتلة من الأرض، كانت بمنتهى البساطة الهند أو إندين، الأرض التي تقع خلف السند أو الإندوس، حتى هذا الاسم لم يصنعه أناس ممن يعيشون في شبه القارة، إنما يرجع حسب مصادر عديدة إلى الفرس القدامى أو اليونانيين أو العرب أو البريطانيين وهكذا، لكن يمكننا من خلال هذه المحاولات المختلفة لهؤلاء الذين منحوها اسمها ممن لا صلة عرقية لهم بها أن نستنتج دائما أن الهند في أغلب مراحل تاريخها هي مجرد كتلة من الأرض أو كانت هكذا كما سبق ولاحظنا، يمكن للمرء هنا أن يقابل ثمانين شعب أو ثمان مئة، ٦٠٠ لغة، ٦٠٠ طبقة، وقبائل عديدة.

لاحظ المحارب القديم في نشاط حقوق الإنسان والعالم في مجال الداليت، بوجا تاراكام أن واضعي الدستور الخاص بالحكومة الجديدة بالهند غير قادرين على الإجماع على اختيار اسم واحد للدولة، في نهاية الأمر، هكذا ذكر، تم قبول تعبير "الهند" أي بهارتا"، بالنسبة له تعتبر أنها "فكرة غريبة أن الأعضاء (بالاجتماع المنعقد لوضع الدستور) ظلوا حتى لحظة اختيار اسم الدولة منقسمين، لا يوجد في العالم أجمع في أي مكان دولة تحمل اسمين في جملة واحدة."

اسمان: أحدهما بهارتا، اسم إحدى الشخصيات من الأساطير البراهمية لم يسمع بها الغالبية العظمى من الهنود بعد، الاسم الآخر الهند، مشتق من تنويعات خاصة بتسمية نهر السند الذي ينبع من التبت ويجري حاليا في باكستان وليس في الهند قبل أن يصب في البحر العربي.

بالإضافة إلى ذلك لا يصح إغفال أن البريطانيين قد نقلوا السلطة (على إمبراطوريتهم) إلى  الطبقات المهيمنة في الهند وأصبح هذا الأمر منذ فترة الانتقال من قرن للتالي إحدى أهم المهام الملقاة على عاتقهم، كانت هناك مشكلة واحدة فقط أنهم لم يعلموا لمن ينبغي عليهم نقل السلطة، أي شعب ينبغي أن يتم إطلاق سراحه إلى الحرية؟ بالتزامن مع ذلك كانت الطبقات العليا في جدل مستمر أي وجه جامع يمكنهم إظهاره للهند.

يقول المؤرخ البريطاني بيري أندرسون: في صورتها الحالية لم تشكل شبه القارة أبدًا في عصور ما قبل الحداثة وحدة سياسية أو ثقافية متجانسة، عبر مراحل واسعة من التاريخ سيطرت على مناطقها عدد لا يحصى من الممالك متوسطة الحجم لمختلف العوائل. 

"الهند كفكرة"، هكذا استكمل حديثه، "هي اختراع أوربي بالأخص وليس محلي، كما يوضح الاسم نفسه، لا يوجد في أي من لغات الهند الأصلية مصطلح الهند أو ما يعادله، فالكلمة اليونانية المنحوتة التي ترجع إلى نهر الإندوس كانت تسمية دخيلة لشبه القارة أطلقها الأوربيون في القرن السادس عشرعلى سكان الهند بوصفهم "جميع المواليد بأرض مجهولة"، ولذلك أطلقوا أيضا اسم " الهنود الحمر" على ساكني قارة أمريكا".

بعد إجلاء البريطانيين من البلاد تكونت الهند من محصلة ٥٨٤ إمارة إقطاعية (من ضمنها كشمير) كان للبريطانيين فيها السيادة العليا لكن لم يكن لديهم سلطة حاكمة مباشرة، كذلك من مقاطعات مارسوا فيها سلطة حاكمة مباشرة، كيف يمكن لمثل هذه الطبيعة السياسية المكونة من مراكز حكم عديدة أن تصبح أمة واحدة؟

يصف عالم الإجتماع جناني ألوزيوس كيف أنشأت النخب التقليدية خلال زمن الاستعمار وبعده قومية دون أمة في الهند.

في المقاطعات التي سيطر عليها البريطانيون كانت الطبقات العليا التقليدية التي تقودها البراهمة من أوائل المتعاونين مع حركة الاستعمار، على الوجه الآخر تحولت  الطبقات الحاكمة في الإمارات الإقطاعية الخاضعة للبريطانيين ولكنها ليست تابعة لهم إلى حلفاء طبيعيين، تألفوا هنا أيضا من قبائل الطبقات العليا المنتمين لديانات متباينة. 

بادرت هذه النخب المحلية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين بشن نوع من حملات الإصلاح في السياسة، المجتمع، الثقافة والدين استمرت إلى يومنا هذا أيضا، وذلك من أجل نشر فكرة الهند المتخطية لحدود الزمن المغلفة بطابع "الشعور بالوحدة"، يلاحظ أندرسون أنهم أطلقوا دائما تعبيرات مجازية من أجل تعزيز "فكرة الهند"، مثل "استمرار العصر القديم، وحدة التعددية، قوة – ديمقراطية، علمانية التعدد الطائفي".

"لقد صنع البريطانيون الهندوسية" يقول ألوزيوس، لاحظ أمبدكار التالي:

باديء ذي بدء لابد من الإشارة إلى أن المجتمع الهندوسي هو أسطورة، اسم هندوس نفسه لفظ أجنبي أُطلق على  أبناء البلد من المسلمين من أجل تمييز أنفسهم ]عنهم[، لم يرد أي ذكر لهذا اللفظ في أي مصدر باللغة السنكريتية قبل غزو المسلمين، لم يكن هناك شعور بضرورة وجود اسم يجمعهم لأنهم لم يكن لديهم تصور ماذا يعني تكوين مجتمع، لا يوجد ما يسمى بمجتمع الهندوس في حد ذاته.

مثل تسمية الهند نفسها تعتبر الديانة الهندوسية ذات أصل أجنبي، حتى بداية القرن التاسع عشر لم تحظ تسمية هندوس بتقدير كبير ولم تستخدم أيضا لوصف ديانة، الاستشراق والاستعمار كانا كافيين للبراهمة كأساس لتصنيف الآلاف من المذاهب الدينية المحلية التي تمارسها الطبقات والقبائل الدنيا، تنويعات مختلفة من الديانة الجديدة التي تحمل اسم الهندوسية من أجل الارتقاء إلى مستوى من يقومون بحمايتهم، بدأ هنا توجه خاطيء للغاية يُعني بالانتقاء الدقيق لنفس المعايير التي يقيّم الأوربيون بها الديانات والتوجهات العقائدية.

بهذه التصنيفات المعيبة وغيرها دعم البريطانيون النخب المحلية مرة أخرى في إثبات "تفوقهم" الثقافي وبه في نهاية الأمر أيضا أحقيتهم السياسية في السلطة، منذ تلك اللحظة لابد أن يصبح التصور السائد عن الهند هو أنها أمة واحدة، ديانة واحدة ونظام اجتماعي واحد، السؤال المطروح إن كان بالهند في أي وقت مضى طبقية اجتماعية مثل نظام الطبقية المسمى بالفارنا كان ولا يزال مختلف عليه (المقصود من ذلك شاتورفارنيا، النظام الإجتماعي المكون من أربع فارنا المقسم وفقًا لبعض التفسيرات حسب "قيمة" البشر: البرهمن، رجال الدين على قمة الهرم؛ يتبعهم الكشاتريا، المحاربين، الفايشيا، طبقة التجار والسودرا، طبقة الخدام – يتكون اليوم نظام الفارنا من ٤٠٠٠، البعض يقول ٦٠٠٠ طبقة أو جاتي (فئة) مقسمة حسب الأصول التي ينحدر منها البشر)، لكن الطبقات العليا للبراهمة اهتمت في القرنين المنصرمين ببناء مجتمع طبقي مشابه لا يتمتع بالمساواة.

Hope and Despair
graphicrecording.cool

بينما تعبر كافة الطبقات العليا في الهند عن احتياجهم الملح لاعتبارهم أمة […] تتأرجح الغالبية من الطبقات الدنيا بين مراحل الأمل والحيرة.

من غاندي مرورا بنهرو وشخصيات أخرى كثيرة من الماضي القريب وصولا إلى أمارتيا سين وشخصيات أخرى عديدة من الزمن الحالي يعلن الجميع نفس الرسالة: أنه كانت هناك هند واحدة وسوف تستمر أيضا واحدة دومًا، ولابد من التذكير مجددًا بأنه: كما تم تحديد تسمية الهند من الخارج فإن أيضا صورة الهند كأمة المرسومة من قِبل الحكام، الأدباء، العلماء وغيرهم المنحدرين بلا أي استثناءات من الطبقات العليا معدة بالأحرى للخارج، وللداخل أيضا من أهل البلاد الذين لا يشاركونهم الرأي.

 بينما تعبر كافة الطبقات العليا في الهند عن احتياجهم الملح لاعتبارهم أمة، ذلك لأنهم لا يريدون في عصر  الأمم المتحدة أن يعتبروا مملكة تمثل ما قبل الحداثة، تتأرجح الغالبية من الطبقات الدنيا بين مراحل الأمل والحيرة، الأمل في أن يصبحوا الأمة التي تحدث عنها أمبدكار:

بالنسبة لي نتعلق بإيماننا في أن نكون أمة بوهم كبير، كيف يمكن لشعب مقسم إلى آلاف الطبقات أن يكون أمة؟ كلما أدركنا مبكرًا أننا حرفيًا بالمعنى الاجتماعي والنفسي لم نصبح أمة بعد كلما كان ذلك أفضل لنا، لأنه فقط وقتها سوف ندرك ضرورة أن نبني أمة وأن نتبنى أفكارا جادة بشأن الوسائل والطرق التي نستطيع بواسطتها بلوغ هدفنا.

كان أمبدكار هو من أدخل المثل العليا "الحرية، المساواة والأخوة" كأسس هامة وملهمة في الدستور، أكثر من غاندي، نهرو وآخرين كثيرين كرس جهده في الهند من أجل قيم المساواة لعصر التنوير رغم أنه بحسب ما أدلى  هو نفسه من معلومات قد استلهم أفكاره من بوذا ونظريته سانجها أكثر من الثورة الفرنسية وأوربا، لم يمثل أمبدكار فقط وجهات نظر واحتياجات من "لا يجوز المساس بهم" السابقين، ذلك لأنه هو نفسه كان واحدًا منهم بل مثّل أيضا الأغلبية من جميع الطبقات الدنيا، حتى عندما كان عليه تمرير مسودة الدستور عبر جميع العوائق الكبيرة والصغيرة التي وضعتها  "القوى التقدمية" من الطبقات العليا في طريقه حجر عثرة، تلك التي وصفها بقوله أنها "أفكار اجتماعية محافظة وقوى سياسية متطرفة".

هل تحتاج الهند إلى "نخبة ثقافية"؟

تمتلك الدولة بالفعل نخبة، بوجود البراهمة كان هناك دائما مثل تلك النخبة، وخلال القرنين الماضيين تم كذلك استيعاب الطبقات العليا حديثة النشأة من مختلف المقاطعات داخل تلك النخبة "القومية"، وذلك بفضل  توزيع الحق في امتلاك الأرض بمختلف المقاطعات، ذلك الذي شرعه البريطانيون بالأساس لصالح ١-٥ طبقة (بإهمال من ٢٠٠ – ٤٠٠ طبقة في كل مقاطعة)، علاوة على ذلك يبدو التصور الخاص بنخبة ثقافية مجتزئة من السلطة السياسية والاقتصادية شديد الفجاجة. 

 بعد نظرة قصيرة على الإسهامات المتبقية ومقارنة مصطلحات الديمقراطية، الحكومة الممثلة والقيم الليبرالية نخلص إلى رؤية جديدة، هناك على الأخص سؤال: هل الهند أمة؟ الآن، ربما تكون الهند كوكبًا آخر.


~نارين بيديدا (كوفير)