المدرسة والتطرُّف
لائق للحياة... بالحوار تتم مجابهة العنف بالمدارس

Gewaltfreie Schule
Foto: Islam Safwat © Goethe-Institut

إتاحة المجال للطلبة للتعبير عن مشاعرهم من خلال إستخدام ثلاثة كروت وهي الكارت الأحمر للحالة النفسية السيئة، واللون الأخضر للحالة النفسية الجيدة، أما إذ كان الشعور مبهما فيتم إستخدام اللون الأصفر، إذا الفرصة متاحة دائما لمُشاركة الطلاب مشاعرهم والأهم من ذلك هو التعبِير عنها.
 

من كتبت آية نبيل

"كروت التعبير عن المشاعر" هي إحدي الأدوات التي تم التعريف بها أثناء الورشة التدريبية التي نظمها معهد جوته الألماني بالقاهرة خلال الفترة من ۱٤-۲۳/٤/۲۰۱۹، تحت شعار" لائق للحياة لائق للإختلافات ". والتي شارك فيها عدد ۲۱ من الأخصائيين النفسيين والإجتماعيين العاملين في المدارس الحكومية المصرية، والتي إستهدفت إمداد المعلمين بأساليب جديدة تمكنهم من مواجهة العنف والسلوكيات غير الإيجابية لدى الطلاب.وعليه يصبح المتدربون بنهاية الورشة مؤهلون لنشر أساليب التربية الحديثة في مختلف محافظات الجمهورية.

ينظم معهد جوته بالقاهرة هذه الورشة للعام الثاني علي التوالي بالتعاون مع معهد بريمن للعلوم التربوية وعلم النفس ووزارة التربية والتعليم المصرية في إطار برنامج " الحوار والتقدم في شمال أفريقيا والشرق الأوسط " بدعم من وزارة الخارجية الألمانية.                                           وبالتوازي مع فاعليات الورشة الرئيسية تم هذا العام تنظيم ورشة متقدمة " ماستر كلاس "والتي ضمت عدد ۱٤ متدرب من الأخصائيين النفسيين والإجتماعيين الذين شاركوا في الورش التدريبية السابقة في عام ۲۰۱٨ ثم قاموا بعدها بتدريب مايزيد عن ٦٠٠٠ متدرب آخر في مايقرب من ۱٨ محافظة مصرية، ويهدف "الماستر كلاس" إلي عرض نتائج التدريبات التي قام بها المتدربين لإكتساب طرق أكتر تطورًا لتطبيق البرنامج في المحافظات المختلفة وتقييمه ويليه التخطيط لإستكمال نشر هذا الوعي التدريبي في كافة ربوع مصر.

الآليات التقليدية غير مجدية:

على مدار سنوات من العمل كموجة للتربية النفسية في مدارس محافظة جنوب سيناء، كانت سحر أحمد، تواجه سلوكيات طلابها غير الإيجابية و العنيفة تجاه بعضهم البعض من خلال طرق تصفها "بالتقليدية" كما كانت نتائجها في أغلب الأحيان غير مجدية ،. إلا أن بعد مشاركتها في الورشة، تبدل الأمر. تقول سحر: "أصبح الآن لدي أدوات واضحة أستطيع إستخدمها لإدارة الفصول بشكل مختلف مع طلابي، بل لدي الان شغف لنقل كل ما تعلمته إلى الزملاء في محافظتي، لتعم الإستفادة علي الجميع ".
وعبر أيام الورشة السته ، تلقت سحر مع زملائها المشاركين، أسس جديدة للأساليب التربوية الخالية من العنف لتنظيم جلسات مع الطلاب وفقًا لمنهجية برنامج "لائق للحياة"، التي تشتمل علي تعلم نماذج التواصل بين الطلبة ، من إدارة الحوار ، كفاءة التغذية الموضوعية الراجعة وكذلك التحديات الثقافية المختلفة، مما يمنح الطالب فرصة التعبير عن رأيه في مساحة آمنة وعدم كتم مشاعره وفقا لقواعد منظمة، كما يتم إمداد المتدرب المشارك بالورشة بأساسيات بناء الجلسة وتنظيمها وحسن إدارة الوقت و وضع القواعد المنظمة والعواقب المترتبة عليها في حالة مخالفتها.
وقد ناقش المتدربون خلال الورشة أمثلة من المشكلات المستهدف مواجهتها مثل عدم القدرة على إدارة الذات والسلوكيات الغير إيجابية والعنف وكيفية تقويمها وتعديلها بصفة مستمرة.
كما أوصى قائد ورشة العمل - هولجر هيجكوتر - المشاركين بالحرص على ألّا تكون جلساتهم شبيهة بما يحدث في الحصص المدرسية التي إعتاد عليها الطالب وذلك عن طريق المزج بين الأنشطة البدنية (الإحماء) والإسترخاء وكذلك تغيير نظام جلوس الطلاب داخل الفصل، بحيث يصبح علي شكل دائرة واسعة بدلًا من الصفوف الضيقة و عدم إستخدام أيًا من ألفاظ العقاب المعتادة في المدرسة داخل الفصل، والتي نصح بإستبدالها بكلمة "عواقب"، والتي تحمل في طياتها معنى أكثر ايجابية على حد قوله.
يقول هولجر: "أعتقد أن المتدربين المصريين لديهم حافز كبير للتغيير، وزيادة مساحة التعبير لدى الطلاب في المدارس، والكثير منهم أستطاع تطويع العوائق التي واجهها لصالحه، كما أن مقابلتي مع المتدربين السابقين من جديد وعرض تجاربهم يساعدني كثيرًا على فهم أكثر للمجتمع المصري، مما يساعدني على التعامل مع مشكلات و تخوفات المشاركين الجدد، وكذلك تطوير البرنامج في كل مرة يتم تنفيذه هنا".

بيئة صعبة ولكن يمكن تطويعها

في مدرستها الحكومية للفتيات بمحافظة الجيزة، طبقت ماجدة عيد، الأخصائية الإجتماعية، برنامج "لائق للحياة" عقب مشاركتها في التدريب العام الماضي. وفي اليوم الختامي للورشة التدريبية "ماستر كلاس" هذا العام، عرضت ماجدة تجربتها ضمن تجارب زملاؤها من الأخصائيين الإجتماعيين وهو نفس الأمر الذي قام به الأخصائيين النفسيين حتى يتسنى للأستاذ/ هولجر تقييم تجاربهم ووضع ملاحظاته عليها.
كانت ماجدة تواجه أي سلوك غير مألوف وعنيف من طلباتها فيما سبق عبر إلقاء المحاضرات، لكنها كانت تشعر أنها وسيلة غير فعالة أو كما تعلق هي قائلة: "كنت ألاحظ أن الفتيات تشعرن بالملل، لكن بعد الورشة تغير الأمر، ولم تعد الطالبات يسأمن حديثي معهن، بل أصبحت أكثر قدرة على التعامل مع كلًا منهن على حدة وليس مجرد كلام نظري".
وتضيف: "بدأت أحاول الحصول على صلاحيات أكثر، ووقت كافي لعقد جلسات للطالبات، حيث قوبلت بالتعنت في البداية، لأن مسؤولي المدرسة لم يدركوا بشكل كامل هدف البرنامج أو جدوى تطبيقه ، لكن بمرور الوقت أصبحت أجد الحيل التي تجعلني أطبقه كما أقنعهم أن ذلك في صالح الطالبات وليس تضييع لوقتهن".
وقد ساعد البرنامج ماجدة على أن تكتشف العديد من المشكلات التي كانت تعاني منها طلباتها و لم تلحظها من قبل، أما بعد البدء في تطبيق الجلسات أصبح بمقدورها وضع حلول إيجابية لمساعدتهن.

التعبير عن المشاعر والأفكار بطريقة صحية 

من أهم مايميز البرنامج سهولة تطبيقه وإعتماده على طرح حلول مختلفة و بدائل إبداعية مبسطة وغير مكلفة لا تحتاج سوى لأوراق أو ألوان، بغض النظر عن تكدس أعداد الطلاب في الفصول أو نقص الإمكانيات المادية.
أعربت حنان ابراهيم، خبير علم النفس والتربية النفسية في ديوان عام وزارة التربية والتعليم، عن سعادتها بنمو عدد المتدربين وبتكرار الورش التدريبية للعاملين في المدارس مما يسمح بالوصول لعدد أكبر من الطلاب، حيث من المقرر أن يستكمل خريجي الورشة دورهم في تدريب زملاؤهم من الأخصائيين والمعلمين سواء في محافظاتهم أو خارجها على البرنامج، وبالتالي زيادة الفرصة في مواجهة "العنف" في كافة ربوع مصر .
من جانبها، تقول الأستاذة/ ماري زخر، منسقة المشروع، أن التدريبات تستهدف فيما بعد معلمي ومديري المدارس والمشرفين عليها، وذلك لتوسعة نطاق قدرتهم على السيطرة على العنف، وإدارة الصراع، والتعامل تحت ضغط.
ويعمل البرنامج حاليًا وفقًا للأستاذة/ ماري زخر على معلمي الرياضة البدنية في المدارس، و تضيف: " يهدف برنامج مدارس بلا عنف المقدم من معهد جوته إلي خلق بيئة جيدة وآمنة بالمدارس للطلاب والتي من خلالها يكتسبوا التعامل بقدر من الإحترام تجاه بعضهم البعض ، بالإضافة إلي التعبير عن مشاعرهم وأراءهم بقدر الحرية. لا يجب أن يظل بالمدارس مساحة للعنف".