استقلالية المُتعلِم ودورالمُعلِم
الاستقلالية في التَعلُم كجزء من المنهج الدراسي: هكذا يُمكن تطبيق الاستقلالية!
احتلت الاستقلالية منذ عقود مكانة مُهمة ضمن تعلُم اللغات الأجنبية لتصبح كلمة أساسية ومن أهم جوانبها: التركيز على المُتعلمين، دعم وتشجيع طرق التعلُم الفردي والاعتماد على الذات. ولكن كيف ينعكس ذلك على دور المُعلم وكيف يمكن للمُعلم دعم وتشجيع استقلالية المُتعلم داخل حصته؟
يُمكن تعريف الاستقلالية بقدرة المُتعلم على القيام بالمبادرة الذاتية للتعلُم بنفسه والتصرف في المواقف والسياقات المُختلفة. ويشمل ذلك القدرة على أخذ قرارات واعية واتباعها وكذلك كفاءة المُتعلم في خلق بيئة تعلُم ملائمة خاصة به. ويُعتبر اختيار الناس والمواقف التي تُساعد في التَعلم وكذلك التأمل في عملية التعلم ككل، جزء من المهارات والكفاءات الأخرى التي تُدمَج ضمن هذا المُصطلح (تاسيناري ٢٠١٠).
الاستقلالية ليست مفهوم الكل أو العدم، بل هي تتطور تدريجياً، وتتكون من خلال تشارك العديد من العوامل معاً وتتمثل هذه العوامل على سبيل المثال في آراء واعتقادات المُعلمين والمُتعلمين المعنيين وكذلك التفاعل بين المُشاركين وسياقات التعلم والتعليم وأيضاً الشروط المؤسساتية.
المُساعدة والتشجيع من قبل المُعلمين
على عكس ما يعتقده البعض في أغلب الأحيان، فإن للمُعلمين مُهمة أساسية في دعم استقلالية المُتعلم، حيث أنهم يصغون جيداً لما يقوله ويحفزونه ويشجعونه على أخذ زمام المُبادرة لعملية التعلم ويساعدونه في صياغة أهدافه الواقعية والخاصة وتحقيقها ضمن خطة التَعلم. فهم يوفرون المواد اللازمة ويقدمون النصائح والمُلاحظات البناءة. ويتبين من خلال مُستنتجات البحث والتطبيق والممارسة أن دور المُعلمين والتفاعل بين المُعلم والمتعلم يُمثلان عُنصرين مُهمين في تطوير وتحسين استقلالية المُتعلم (انظر أرنولد وفونتشيسكا-مورا ٢٠١٦).
المزيد من حرية الاختيار للمُتعلمين
في الحصة الداعمة لمبدأ استقلالية المُتعلم يقع على عاتق المُتعلمين والمتعلمات على حد سواء المُساهمة سوياً في تشكيل العملية التعليمية المُشتركة. فهم يذهبون إلى الدرس على سبيل المثال بالأداوت الخاصة بهم ويتعلمون كيفية تقييم كفاءاتهم عن طريق التقييم الذاتي أو مراجعة الأقران (أو النظراء) أو يمعنون التفكير في العملية التعليمية الخاصة بهم عن طريق مذكرات التعلم. وتنشأ بذلك مجموعة تعلم مُشتركة تقوم بإثراء الدرس عن طريق التفاوض على الأهداف المُشتركة ومناقشتها وأيضاً طُرق التعلم وأيضاً المهام والتدريبات.يُعتبر هذا الأسلوب في التَعلم والذي يتمثل في المُشاركة الفعالة في الدرس أسلوباً جديداً لايزال غير معتاد بالنسبة للعديد من المُتعلمين. ومن أجل بدء هذا التوجه الجديد والخوض فيه بنجاح يجب على المُعلمين التحدث مع المُتعلمين بكل صراحة ووضوح عن موضوع الاستقلالية في عملية التعلم والاستمرار في إناطة مسئولية العملية التعليمية إليهم وإشراكهم فيها تدريجياً.
يقترح شارلي وتسابو (٢٠٠٠) ثلاث خطوات من أجل مساعدة المُتعلمين في الوصول إلى المزيد من الاستقلالية في التَعلم. أولاً ينبغي على المُعلم أن يقظ الوعي لدى المُتعلمين بأهمية الاستقلالية عن طريق خلق رؤى جديدة فيما يتعلق بعملية التَعلم وتحفيز المُتعلمين على التفكير جيداً في عملية وفرص التَعلم أيضاً خارج نطاق الدرس. بعد ذلك يُمكن أن يُساعد المُعلم المُتعلمين على تغيير وجهات نظرهم وذلك من خلال تدريبهم على مهارات جديدة وأدوار وسلوكيات مُختلفة. وأخيراً تكليف المُتعلمين بالمزيد من المسئولية لكي يصبحوا قادرين على تغيير تشكيل الدرس والتمتع بمجال وحيز أوسع من أجل اتخاذ القرارت بأنفسهم فيما يخص المواد أو المهام والتدريبات وتطبيقها بالطريقة التي يقررونها.
مثال لحصة دراسية يُطبق فيها مبدأ الاستقلالية
من أجل توضيح هذا المبدأ نأخذ حصة دراسية في مستوى B1 كمثال.بعد أن دخل المُتعلمون الفصل قاموا في بداية الأمر بتغيير نظام الطاولات وتشكيلها على هيئة ست جزر. وقام المُعلم بتوزيع بطاقات فهرسة ودوسيهات على الطاولات: على كل طاولة مكتوب مهارة من المهارات الآتية "القراءة" و"الاستماع" و "الكتابة" و"التحدث" و"النحو" و"المفردات". وفي داخل كل دوسيه مجموعة من النصوص والتدريبات المُختلفة. وقامت المُعلمة بوضع مراجع على طاولة النحو وكذلك دفاتر وكتب تمارين يُمكن للمُتعليمن استخدامها عند اللزوم.
قام المُتعلمون في الحصة الدراسية الأخيرة عن طريق استبيان بوضع بيان حسابي استطاعوا من خلاله تحديد الأجزاء التي يرغبون في تحسين مهاراتهم فيها. وبعد ذلك جلسوا على الطاولة ذات المحتوى الذي يريدون التعمق فيه.
أخذ المُتعلمون المواد اللازمة وقاموا باختيار المهام والتدريبات التي يرغبون في حلها ليبدأوا. ويُمكنهم في حال احتياجهم للمراجع أوالبحث الاستعانة بهواتفهم الذكية أوالكمبيوتر المحمول أوالكمبيوتر اللوحي. وتبعاً لتفضيلهم يمكن للمتعلم الواحد العمل إما مع شخص آخر أو في مجموعة من ثلاث أشخاص أو بمفرده. وتجلس المُعلمة إلى جانب المُتعلمون وتتردد عليهم بالتناوب وتستمع لما يقولونه وتوجه إليهم الأسئلة وتقدم لهم الاقتراحات وتحفزهم.
بعد نهاية كل تدريب يقوم المتعلمون بتقييم موجز يناقشون من خلاله أسئلة مثل: ما وجه الاستفادة من هذا التدريب؟ كيف يمكن تقييم هذا التدريب ولماذا؟
يَنجز بعض المُتعلمين التدريبات أسرع من غيرهم ويبدأون بتدريب آخر، والبعض الآخر لاينتهي أثناء الحصة من جميع التدريبات ويجلس بعد الحصة للانتهاء منها. المجموعة التي تحل تدريبات نحوية لديها أسئلة تخص صيغ الأفعال. يقوم المتعلمون سوياً بعمل جدول بالأفعال المختارة التي يرغبون في مذاكرتها ويذهبون إلى أجهزة الكمبيوتر لكتابة الجدول. قبل نهاية الحصة بفترة قصيرة يقوم المُتعلمون بعرض الجدول في الفصل، ويقوم المتعلمون الآخرون كذلك بعرض تقريراً عما قد أنجزوه في الحصة. وهناك فرصة لطرح الأسئلة والإجابة عليها. يختار كل مُتعلم بعد ذلك واجباً منزلياً ليقوم به.
يُساهم التدريس في إطار دائرة التعلم في تحسين كل من الكفاءة اللغوية وكذلك مهارات التَعلم لدى المتعلمين، فهم يتعلمون بناءً على التقييم الذاتي ووضع الأولويات لما يتعلمونه ومشاركته مع الآخرين وكذلك اتخاذ القرارات المُناسبة الخاصة بإكمال دراستهم.
قائمة مراجعة للمُعلمين لتطبيق مبدأ الاستقلالية
لايتوقف التصرف باستقلالية على آراء واعتقادات وقدرات الفرد فقط بل يتعلق أيضاً بالشروط العامة المؤسساتية. لذلك فعلينا إدراك كل هذه العوامل حتى يتسنى لنا إيجاد حيزاً جديداً. وتخدم قائمة المراجعة هذه، والتي تقوم على أساس ما جاء به لامب، يمينيز رايا وفييرا (٢٠٠٧: ٤٧-٥٣)، كاقتراح وحافز لتشمل النقاط الآتية:- الآراء والإرادة: هل أنا مقتنع فعلاً بمبدأ استقلالية المُتعلم؟ وما الغرض منه بالنسبة لي؟
- التطبيق والمرونة: كيف يُمكن لي التعامل مع القيود المحلية وفي نفس الوقت خلق المساحات الحرة؟
- الحلفاء والتواصل: مَن مِن بيئتي المهنية يُمكنني التواصل وتبادل الأفكار معه؟ ومن يُمثل قدوة بالنسبة لي، أيضاً من مجالات الحياة الأخرى؟
اتخاذ الخطوات الأولى
بعد التأمل الذاتي تأتي الخطوة الأولى تجاه المزيد من الاستقلالية. يجب تحديد أهداف دقيقة وملموسة مثل اتاحة الفرصة للمُتعلمين لتقديم النص المُفضل لديهم في الحصة. فاتخاذ الخطوات البسيطة أفضل من عدمها.يجب تدبر الأفكار والمواد اللازمة للحصة التي يُطبق فيها مبدأ الاستقلالية. وهذا يشمل التدريبات المفتوحة وسيناريوهات التعلم والمشاريع.
يجب التمعن جيداً في الأمور والمواد التي قد تم تطويرها وتطبيقها وتحديد كيف استقبلها المُتعلمون. يُمكن القيام بذلك في إطار مذكرات التعليم الخاصة بالمُعلمين ولكن أيضاً في الحوار المُشترك بين المُعلمين والمُتعلمين. والأهم في كل ذلك هو الاستمرار في محاولة تطبيق ما ذُكر والمواكبة حتى في حالة عدم سير الأمور على النحو المنشود والمرغوب فيه.
أرنولد، جين/فونتشيسكا-مورا، كارمن (٢٠١٦): العوامل الوجدانية والاستقلالية في تعلم اللغات الأجنبية. في: ماتروس، جافيه/تاسيناري، ماريا
ج. (الناشرون): الدراسات الألمانية البين ثقافية (= الكتاب السنوي الألمانية كلغة أجنبية؛40) . ميونخ: لوديسيوم، صـ ١٦٣-١٧٦.
دام، ليني (١٩٩٥): الذاتية في التعلم 3. من النظرية إلى التطبيق والممارسة داخل الفصل. دبلين: أوثنتيك.
لامب، تيري/يمينيز رايا، مانويل/فييرا، فلافيا (٢٠٠٧): علم التربية والتعليم من أجل الاستقلالية في تعليم اللغات في أوروبا. دبلين: أوثنتيك.
روجرز، كارل ر. (١٩٨٤): الحرية والمساهمة. التعلم والتعليم مع التركيز على المُتعلم. ميونخ: كوزل.
شارليه، أجوتا/تسابو أنيتا (٢٠٠٠): استقلالية المُتعلم. دليل من أجل تطوير وتحسين مسئولية المُتعلم. كيمبريدج: صحافة جامعة كيمبريدج
تاسيناري، ماريا ج. (٢٠١٠): الاستقلالية في تعلم اللغات الأجنبية: العناصر، المهارات، الاستراتيجيات. فرانكفورت: بيتر لانج.