إن فن القصص المصورة ليس بالفن الجديد على العالم العربي. لكن وباقتصاره سابقًا على قصص الأطفال والأبطال الخارقين، فإن فن القصص المصورة اكتسب زخمًا شيئًا فشيئًا بين أوساط القراء العرب في السنوات القليلة الماضية. غير أن الاختلاف كان في التحول من الأدب التخيلي إلى الأدب اللاتخيلي، بالإضافة إلى فضولية الفنانين العرب الناشئين لاستكشاف أنواع ومواضيع أدبية مختلفة.
في سنة ٢٠١٨، نشرت دار المحروسة للنشر "شبيك لبيك"، وهي قصة مدنية خيالية آسرة تتألف من ثلاثة أجزاء، حيث تباع الاماني وتُشترى في أكشاك القاهرة. كتبت القصة ورسمتها وترجمتها دينا محمد، فنانة قصص مصورة مصرية.بدأت رحلة السيدة محمد في فن القصص المصورة بقصص مصورة إلكترونية ساخرة "قاهرة"، تناولت كراهية النساء والرهاب الإسلامي. غير أن السيدة محمد لم تكن تريد أن تُعرف كناشطة أو متحدثة باسم قضايا معينة. ومنه أبصرت "شبيك لبيك" النور.
"أردت أن أقصّ قصة خيالية تدور أحداثها في مصر ذلك لأنني أشعر أنه لدينا حقًا تاريخاً ثرّاً من الخيال، لكن الكثير من قصصنا الأكثر رواجاً تميل إلى أن تكون إما كوميديا أو تعليقًا اجتماعيًا،" أخبرت السيدة دينا رؤية.
وإذ تستقي مادتها من الأكشاك البسيطة في القاهرة، فإن السيدة محمد تمزج تخيلات مثل السيارات الطائرة، والحيوانات الناطقة، والسحر الدائم للتمنيات مع واقع الرأسمالية، والانحياز الطبقي، والأسى.
"أردت أن أقدم قصة خيالية بسيطة لمعرفة ما إذا كان بوسعي الاشتغال على ذلك النوع الأدبي لأنه نوع أدبي أستمتع بقراءته،" تضيف محمد.
عن التمويل والشؤون المالية
بعد نشرها بنفسها للجزء الأول من "شبيك لبيك"، ونفاد جميع النسخ المئة في مهرجان القاهرة الدولي للقصص المصورة (كايرو كوميكس)، الحدث المصري واسع النطاق الأول من نوعه عن القصص المصورة، والفوز بجائزة أفضل رواية مصورة ونيل الجائزة الكبرى في المهرجان السنوي سنة ٢٠١٧، تعرفت السيدة محمد على دار المحروسة للنشر، والتي تعتقد أنها "مهتمة بدعم القصص المصورة في مصر."ولسوء الحظ، فإن صناعة القصص المصورة هي غير مربحة إطلاقًا. إذ يعتمد معظم فناني القصص المصورة إما على وظيفة إضافية، أو يكابدون لكسب لقمة العيش من مجرد بيع أعمالهم الفنية.
"عندما كنت أحاول النشر، فإن معظم الناشرين... لم يروا طائلاً من نشر كتاب غير قابل للتسويق. لم يعرفوا أين يضعونه وتولد لديهم الشعور بأن الناس سيعزفون عن قراءته. كان ذلك أشبه بمخاطرة،" تقول السيدة محمد.
تُعتبر السيدة محمد أحد الاستثناءات حيث إنها استطاعت أن تدرّ دخلاً من فنها بالمحافظة على حقوقها في الترجمة وبيع الرواية المترجمة إلى مطبعة بانثيون بوكس في الولايات المتحدة وغراتنا في المملكة المتحدة. إلا أن هذه ليست القاعدة.
أما بالنسبة للسيدة عيسى، فإن تجربتها مع دور النشر لم تكن بالواعدة.
"عندما يتعلق الأمر بالنشر والتعامل مع المؤلفين الشباب، فالأمر شاق للغاية. ذلك أن الناشرين لا يعملون في حقيقة الأمر لصالح المؤلفين. إذا ما حصل فنانو القصص المصورة على مزيد من الدعم والتمويل لنشر المزيد، فسيكون هناك قرّاء،" تقول السيدة عيسى.
وعلى نحو مماثل، يرى فنان القصص المصورة المصري والشريك المؤسس لمهرجان القاهرة للقصص المصورة، شنّاوي، أن فناني القصص المصورة لا مناص لهم من مزاولة مهنة أخرى لإعالة أنفسهم. ومع ذلك، يقول شناوي، فإن ذلك ينطوي على مكابدة بالنسبة لفناني القصص المصورة العرب والأوروبيين.
" والأمر لا يقتصر على فناني القصص المصورة العرب. بل حتى في فرنسا، وهي السوق الأكثر رواجاً لبيع القصص المصورة في أوروبا، فإن معظم الفنانين مكرهون على إيجاد عمل آخر إضافة لنشر القصص المصورة،" يصرّح شنّاوي لرؤية.
ولتوحيد فناني القصص المصورة تحت سقف واحد، مع الفنان التصويري مجدي الشافعي وثنائي الكارتون (توينز كارتون) – الاسم المستعار لفناني القصص المصورة هيثم ومحمد رأفت السحت – شارك شناوي في تأسيس مهرجان القاهرة الدولي للقصص المصورة سنة ٢٠١٥. استقطب المهرجان السنوي الآلاف من الزوار، وهو يروج لأعمال روائيي القصص المصورة العرب من فئة الشباب بغية الوصول إلى جمهور أوسع.
ومن تجربته في حضور المهرجانات والمعارض الدولية لفن القصص المصورة، يؤكد شناوي أن الناس اليوم أكثر إدراكًا لوجود صناعة مزدهرة لفن قصص مصورة عربي.
القصص المصورة العربية في الخارج
يشاطر جورج خوري (جاد)، الفنان، والناقد، والباحث المستقل في فن القصص المصورة العربي، شناوي مشاعره.وباعتباره رائداً لفن القصص المصورة في العالم العربي، نشر الفنان اللبناني المولد، أولى الروايات المصورة للبالغين في لبنان وفي جميع انحاء المنطقة في ثمانينيات القرن العشرين، وإذ هو متأثر بالحرب الأهلية اللبنانية، أنشأ خوري "الكرنفال"، عن شاب لبناني يحاول أن ينجو بنفسه من أتون الحرب في بلاده.
"اكتسب فن القصص المصورة العربي بالتأكيد شعبية أكبر في المنطقة وفي الخارج. وهذا ليس تفكيراً رغائبياً، فانا رأيت هذا من خلال تجربتي،" صرّح خوري لرؤية.
وعلى الرغم من أن هذا الفن لقي دعمًا محدودًا فقط من الناشرين، إلا أن شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا كبيرًا في انتشاره الواسع والاعتراف به عالميًا.
"إن حركة فن القصص المصورة العربي تسير في الاتجاه الصحيح. أما ما إذا كان الفنانون يكسبون من ذلك لقمة العيش اولا، فهذه مسألة أخرى،" يضيف خوري.
تم إنتاج هذه المقالة بالتعاون مع إيجاب إيجاب.
٢٠٢٤ يونيو