ختان الإناث
أداة للسيطرة
أولئك الذين يعتقدون أن ختان الإناث ليس له وجود سوى في الدول الأفريقية أو تلك الدول ذات الطابع الإسلامي مخطئون في اعتقادهم. حيث يعود تاريخ تلك الممارسات إلى أوروبا وأمريكا أيضًا وتعد بذلك إحدى المشكلات العالمية.
وفقًا للافتراضات ذات التوجهات الأوروبية، تقتصر ممارسات ختان الإناث على أفريقيا، إلا أنه يتعين دحض هذا الافتراض، حيث أن رغبة الذكور في السيطرة على النساء كانت جامحة في العالم الغربي أيضًا إلى درجة أنه تم اتباع تدابير مناهضة للمرأة لعلاج اضطراباتهم الجنسية المزعومة. أما اليوم فتمارس هذه العادة في المقام الأول في أفريقيا في جنوب الصحراء الكبرى، وفي شبه الجزيرة العربية في اليمن. فضلًا عن اتباعها في العديد من البلدان الآسيوية مثل سري لانكا وإندونيسيا وكذا أجزاء في أمريكا اللاتينية.
أما مصطلح الختان أو تشويه الأعضاء التناسلية للإناث فيشمل اليوم جميع الممارسات التي ترجع في الغالب إلى أسباب ثقافية وينتج عنها استئصال جزئي أو كلي للأعضاء التناسلية الخارجية والداخلية للأنثى. الختان يعني استئصال البظر أو قلفة البظر، وفي الحالات القصوى يتم خياطة الفتحة المهبلية وقد يصل الأمر إلى الاستئصال الكامل تقريبًا للأعضاء التناسلية الداخلية.
وفي الوقت الراهن تتراوح أعداد النساء والفتيات اللاتي خضعن لعملية الختان بين ١٣٨ و ١٧٠ مليون أنثى. ويجدر بالذكر أن لتلك الممارسات عواقب جسدية ونفسية حادة وطويلة الأمد على النساء والفتيات. فإلى جانب المخاطر المهددة للحياة كفقدان كميات كبيرة من الدم خلال عملية استئصال البظر، والأمراض المزمنة التي قد تصيب المثانة والكلى، يتسبب الختان في أمراض نفسية ونفسية-جسدية وكذا عواقب وخيمة على الشعور الذاتي بالجسد وعلى القدرة الجنسية.
خلفيات تلك الممارسة
في السياق الغربي قام فوكو بتشخيص ما عرف بـ "باثولوجيا الجنس" في المجتمعات الأوروبية في القرن الثامن عشر، حيث أشار إلى الجنس باعتباره أحد الآفات الأساسية التي يتعين تجنبها. وقد انتقل السعي إلى تفسير الحياة الجنسية للمرأة من رجال الدين إلى المجال الطبي والذي اقتصر على الرجال مثله مثل قيادات الكنائس. فإلى جانب الاتجاه إلى مكافحة العادة السرية بشكل عام، اعتبر جسد المرأة وكذا جميع دوافعها الجنسية بمثابة آفات مرضية. ولقد وصل خوف الرجال من النشاط الجنسي للمرأة إلى حد أن قاموا باختراع "أمراض نسائية" مثل الهستريا والمثلية أو الغُلمة واستئصال العضو المعني، البظر، جراحيًا. وكذلك في بدايات القرن العشرين تم دعم هذا التيار الاجتماعي المعادي للنساء من قبل زيجموند فرويد على سبيل المثال، الذي وصف البظر بأنه "عضر عديم الفائدة" وأنه يفقد معناه بالتقدم في سن البلوغ حيث تقتصر الحياة الجنسية للمرأة على العلاقة الجنسية في إطار الزواج. وحتى منتصف القرن العشرين اعتبر استئصال البظر أو قلفة البظر إجراء مشروع لمكافحة الاضطرابات الجنسية المفترضة، إلى جانب ذكرها في الكتب الطبية.وتعد تلك الممارسات أكثر انتشارًا في مصر عن غيرها من البلدان على مستوى العالم. وتؤرخ أصولها إلى فترة ما قبل الإسلام، وهو ما تُثبته مختلف الأساطير من العصر الفرعوني في المقام الأول. وعلى الرغم من دخول الإسلام، وهو أبعد ما يكون عن دين معاد للشهوة الجنسية، على عكس المسيحية؛ لاقت تلك العادة قبولًا لدى المجتمع المصري على مدى القرون، ويتم تشريعها اليوم بمختلف التبريرات. من ناحية يُعلل الأمر بالنظافة الصحية – مثل ختان الذكور – وهو تبرير يفتقر إلى أية مرجعية طبية. هذا إلى جانب التبريرات الدينية والتي لم يُستدل عليها بشكل واضح في الإسلام أو في المسيحية. فبشكل عام يعتبر ختان الإناث تقليد ثمين يضمن بقاء الفتاة عفيفة وطاهرة حتى يحين زواجها، فضلًا عن السيطرة على شهوتها الجنسية بعد الزواج. وقد أدى ذلك إلى تحول الختان إلى شرط أساسي للزواج، مما يضع العديد من النساء غير المختونات في مأزق اقتصادي، حيث يمثل لهن الزواج استقرارًا اقتصاديًا.
الرغبة الذكورية في السيطرة
منذ الوهلة الأولى تبدو التبريرات في مصر متنوعة للغاية، وتختلف عن تلك في العالم الغربي. وفي محاولة لبحث تلك التبريرات اتضح أن الأمر يتعلق في مصر وكذا في العالم الغربي بالإبقاء على النظام الاجتماعي الذكوري من خلال فرض السيطرة على الحياة الجنسية للأنثى، تمامًا كما كان الأمر خلال القرون الماضية. فمن خلال التحكم في المرأة، يُحكم النظام السيطرة على أصغر نماذج المجتمع – الأسرة – وبالتالي على المجتمع ككل.إن ميل المؤيدين والمعارضين إلى تجسيد تلك الممارسة كإحدى أحكام الإسلام يرتبط بسياسة المجتمع الذكوري المتفشية عبر آلاف السنين والتي تتمثل في إضفاء الشرعية على سيادة الرجل على المرأة خلف الستار الديني. أما حقيقة اتباع هذه الممارسة من قبل بعض المسحيين الأقباط في مصر، وأنها بغض النظر عن مصر، تكاد لا تمارس في بلد آخر معظم سكانه من المسلمين، تعد دليلًا آخر على أن الأمر لا يتعلق في هذا الصدد بتقليد ديني بل بتقليد أبوي يسعى إلى السيطرة على الإناث.
ولهذه الأسباب يتعين البحث في الافتراضات التي تقضي بأن تلك الممارسة تتعلق بتقاليد إفريقية صميمة أو مصرية أو حتى إسلامية، وعما إن كان ينبغي الإبقاء عليها في مثل هذه الظروف. يعد الأمر ضروريًا، فيما يتعلق بالمنظور العالم الغربي، أن يتم الابتعاد عن وجهات النظر ذات التوجهات الأوروبية والنسبية الثقافية في سبيل قيادة الحوار بين الثقافات بشكل مثمر لكلا الطرفين وذلك في ظل القضايا الصعبة أيضًا.
الإصدارات: آنا كولينج: ختان الإناث في دائرة الحوار، تحليلات نموذجية للظواهر، المبررات واستراتيجيات المكافحة، سلسلة: الإصلاح والإبداع. مشاركات البحوث التربوية (Beiträge pädagogischer Forschung)، مجلد ١٠، دار LIT للنشر ٢٠٠٩، ردمك ٠-١٨٢١-٨٢٥٨-٣-٩٧٨، ١٩،٩٠ يورو.