كوميكس وقصص مصورة
ليست فقط للكبار

كما تصدرت القصص المصورة
كما تصدرت القصص المصورة | Knaus Verlag/ Carlsen Verlag (Kollage)

كما تصدرت القصص المصورة معرض لايبسيج للكتاب أيضًا. وقد استعرضنا كتابي قصص مصورة في علاقتهما بمنطقة الثقافة العربية.

رياض فتى لطيف: "شعره طويل بلاتيني اللون، له عينان عميقتان جذابتان وفم صغير". أم رياض فرنسية وأبوه سوري ـ ولأن الجميع يحبه، لاحظ سريعًا: "لم أكن أظل مستيقظًا إلا بضعة ساعات في اليوم، ولكن هذا يكفي: كنت أعرف جيدًا كيف عاش المرء الحياة". هكذا ينظر الرسام رياض صطوف إلى حياته بعد عقود. احتفى النقاد بروايته المصورة "عربي المستقبل" المليئة بالمحتوى الثقافي والتي تتسم بالأجواء التراجيدي كوميدية.

يزداد الإقبال على الروايات المصورة منذ عدة سنوات، حيث تجمع بين إمكانيات السرد النصي التفصيلي والقوة البصرية للصور والألوان ـ البعض يسميها قصص مصورة للكبار. كما ركز معرض لايبسيج للكتاب بالتفصيل على هذا الشكل الأدبي: فضلًا عن "عربي المستقبل" كان كتاب جان ـ بيير فيليوس "الربيع العربي" معروضًا، كما قدم رسام القصص المصورة الألماني راينهارد كلايست كتابه الجديد "حلم الأولمبياد".

كتاب رياض صطوف شائق جدًا لأسباب كثيرة. "يشرح العالم الإسلامي في لحظة تاريخية"، كما يوضح أندرياس بلاتهاوس، محرر ونائب رئيس القسم الثقافي بجريدة فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج، وهو مترجم الكتاب من الفرنسية إلى الألمانية.

نشأ رياض ذو الشعر الذهبي في باريس حتى بلغ عامه الرابع، حيث حصل والده السوري على الدكتوراة وعمل مدرسًا جامعيًا. وعندما لم ينجح ذلك أدار ظهره للبلد وانتقل مع زوجته وابنه إلى ليبيا. والد رياض شخص متناقض جدًا، وفيه أمور متشابهة مع الديكتاتور الليبي معمر القذافي: "كان يريد دائمًا عالمًا عربيًا حديثًا متنورًا. ولكنه في الحقيقة ضد الحرية والديمقراطية ... شخصية متناقضة، أراد إحياء العلم في العالم العربي، ولكنه كان يحلم بنفس الدرجة أن يحكمه بقسوة"، كما يكتب رياض صطوف الابن وكاتب القصص المصورة.

ومن هنا أيضًا يأتي العنوان: كان ابو رياض يقدس "عربي المستقبل"، رؤيته للرجال العرب المثقفين الأقوياء ـ وبالطبع الرجال فقط. إلا أن رؤيته لم تتحقق لا في ليبيا القذافي ولا في سوريا حافظ الأسد التي انتقلوا إليها بعد فترة. كما لم يكن في فرنسا كل شيء جيدًا وهو ما يرسمه ويصفه صطوف أيضًا في كتابه. "يقترب الكتاب جدًا مما يمكن تسميته القصة المصورة الكاملة"، حسب قول المحرر الأدبي بلاتهاوس. "إنه يربط النص بالصورة بطريقة رائعة. كما أن الكتابة ممتازة، حيث تحاكي براءة الأطفال." تنشأ نظرة جديدة على منطقتي الحضارة العربية والأوروبية من خلال الربط بين الرؤية من منظور اليوم ومن منظور الطفولة.

الروايات المصورة تناسب طرق الحكي الأكثر حرية بشكل كبير، وهو الأمر الذي أدركه معهد جوته القاهرة أيضًا عندما قام في عام 2013 بدعوة رسام القصص المصورة راينهارد كلايست لإدارة ورشة عمل في مصر. يحكي كتاب كلايست الجديد "حلم الأوليمبياد" قصة سامية يوسف عمر، الصومالية عداءة المسافات القصيرة، التي نجحت رغم كثير من المعوقات في المشاركة في الأوليمبياد التي عُقدت في بكين عام 2008. هكذا تبدأ الرواية: تجلس عائلة سامية في كوخ من الحديد المموج في مقديشو عاصمة الصومال أمام التلفاز تشجع ابنتها. "كانت الوحيدة بين العداءات النحيفة مثل الورقة والتي ترتدي تي شيرت مترهّل وحذاء عدو سيء"، حسب قول كلايست. كانت سامية آخر من وصل إلى خط النهاية وقد ظهر عليها الإنهاك، رغم ذلك احتفى بها الجمهور وكانت عائلتها فخورة بها.

إلا أن الحياة أعادتها إلى أرض الواقع بسرعة: عندما عادت سامية إلى الصومال كانت تتدرب في ستاد دمرته القنابل، كما كان عليها أن تكافح ضد تهديدات الإسلاميين. قررت الهروب عبر أثيوبيا والسودان وليبيا إلى أوروبا، رغم ارتفاع تكلفة الهرب وخطورته، كي تشارك عام 2012 في الألعاب الأوليمبية في لندن . وفي شهر أبريل 2012 غرقت أمام سواحل مالطا وهي تحاول الوصول إلى هناك عبر البحر المتوسط. استطاع كلايست برواية "حلم الأوليمبياد" أن يتيح للقراء نظرة جديدة على المأساة الفظيعة للاجئين. رغم أن قصة سامية يوسف عمر معروفة منذ فترة طويلة، إلا أن المدخل لهذا الموضوع جديد على المستوى العالمي.

الأعمال الفنية الراقية تستطيع دائمًا إحياء الأمل وإحداث تأثير. ومن الشواهد الواضحة والصعبة على أن القصص والروايات المصورة لها تأثير وصدى كانت الهجمات التي تعرضت لها هيئة تحرير جريدة "شارلي إبدو" في السابع من يناير 2015. عمل رياض صطوف لمدة طويلة رسامًا للجريدة الباريسية الساخرة، وقد توقف عن العمل هناك قبل الهجمات بعدة أسابيع. ولكنه قدم قصتين مصورتين قصيرتين في العدد الخاص الذي صدر كرد فعل على الهجمات؛ لأن رسامي القصص المصورة مثل صطوف وكلايست لا يسمحوا لأحد بتكميم أفواههم، لأنهم يعتبرون عملهم كمعلقين فنيين على عصرهم أهم من أن يتخلوا عنه.